مجلس الشيوخ 2025.. "الوطنية للانتخابات": الاقتراع في دول النزاعات كالسودان سيبدأ من التاسعة صباحا وحتى السادسة مساء    فتح باب التقدم للوظائف الإشرافية بتعليم المنيا    «إيجاس» توقع مع «إيني» و«بي بي» اتفاقية حفر بئر استكشافي بالبحر المتوسط    تعاون مصري - سعودي لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق «EHVRC»    مجلس الوزراء : السندات المصرية فى الأسواق الدولية تحقق أداء جيدا    مصر ترد على حملات التشويه بشأن دورها في غزة: الادعاءات باطلة والحقيقة واضحة    قطر ترحب بإعلان رئيسي وزراء كندا ومالطا عزم بلديهما الاعتراف بدولة فلسطين    افتح التعليقات يا شيخ .. هجوم عنيف على الإخوانى كمال الخطيب بمواقع التواصل بعد مشاركته فى مظاهرات الإرهابية ضد مصر فى تل أبيب    وديًا.. ميلان يقسو على بيرث جلوري ب9 أهداف    الزمالك يهزم غزل المحلة 2-1 استعدادًا لانطلاقة بطولة الدوري    موندو ديبورتيفو: نيكولاس جاكسون مرشح للانتقال إلى برشلونة    دياز: كومباني أخبرني بأنني سألعب على الجناح الأيسر.. وهذه تفاصيل محادثتي مع فيرتز    اسكواش - دون خسارة أي مباراة.. مصر إلى نهائي بطولة العالم للناشئات    اصطدام قطار برصيف محطة السنطة وتوقف حركة القطارات    جثمت على صدره.. الإعدام لربة منزل قتلت طفلها انتقامًا بالبحيرة    رئيس جامعة بنها يصدر عددًا من القرارات والتكليفات الجديدة    ماذا قال محمد ممدوح عن مشاركته دنيا سمير غانم لأول مرة في"روكي الغلابة"؟    أحمد كريمة يحسم الجدل: "القايمة" ليست حرامًا.. والخطأ في تحويلها إلى سجن للزوج    فوائد شرب القرفة قبل النوم.. عادات بسيطة لصحة أفضل    متى يتناول الرضيع شوربة الخضار؟    ضبط فني ينتحل صفة أخصائي تحاليل ويدير معملًا غير مرخص بجرجا في سوهاج    تكريم ذوي الهمم بالصلعا في سوهاج.. مصحف ناطق و3 رحلات عمرة (صور)    أمريكا تحظر منح تأشيراتها لأعضاء منظمة التحرير ومسئولى السلطة الفلسطينية    عودة نوستالجيا 90/80 اليوم وغدا على مسرح محمد عبدالوهاب    الداخلية: مصرع عنصر إجرامي شديد الخطورة خلال مداهمة أمنية بالطالبية    واشنطن تبلغ مجلس الأمن بتطلع ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا 8 أغسطس    الخميس 7 أغسطس.. مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات "مهرجان الصيف الدولى"    وزير الخارجية اللبناني يبحث مع مسئولة أممية سبل تحقيق التهدئة في المنطقة    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    الشيخ خالد الجندى: من يرحم زوجته أو زوجها فى الحر الشديد له أجر عظيم عند الله    وزارة الداخلية تضبط طفلا يقود سيارة ميكروباص فى الشرقية    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    "قريب من الزمالك إزاي؟".. شوبير يفجر مفاجأة حول وجهة عبدالقادر الجديدة    ندوة لشباب ملتقى لوجوس الخامس مع البابا تواضروس    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    "يحاول يبقى زيهم".. هشام يكن يعلق على ظهوره في إعلان صفقة الزمالك الجديدة    تعرف على كليات جامعة المنيا الأهلية ومصروفاتها في العام الدراسي الجديد    منظمة التحرير الفلسطينية: استمرار سيطرة حماس على غزة يكرس الانقسام    17 برنامجًا.. دليل شامل لبرامج وكليات جامعة بني سويف الأهلية -صور    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    محافظ المنيا: تشغيل عدد من المجمعات الحكومية بالقرى يوم السبت 2 أغسطس لصرف المعاشات من خلال مكاتب البريد    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    مصرع مسن أسفل عجلات اتوبيس على طريق بركة السبع بالمنوفية    خبير علاقات دولية: دعوات التظاهر ضد مصر فى تل أبيب "عبث سياسي" يضر بالقضية الفلسطينية    القنوات الناقلة لمباراة برشلونة وسيول الودية استعدادًا للموسم الجديد 2025-2026    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    الصحة: المرور على 1032 منشأة صحية وتدريب أكثر من 22 ألف متدرب    بالأسماء إصابة 8 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة بصحراوى المنيا    الشيخ أحمد خليل: من اتُّهم زورا فليبشر فالله يدافع عنه    تعاون بين "سلامة الغذاء" وجامعة القاهرة الجديدة للتكنولوجيا لتأهيل كوادر شابة    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    المهرجان القومي للمسرح يكرم روح الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    حنان مطاوع تودع لطفي لبيب: مع السلامة يا ألطف خلق الله    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد أركونو تجديد الفكر علي قواعد العلم وأسس المواطنة
نشر في الأهالي يوم 17 - 08 - 2011

يوافق السادس عشر من شهر سبتمبر القادم الذكري السنوية الأولي علي رحيل المفكر الجزائري محمد أركون.. ومحمد أركون (1928 - 2010) اسم كبير في الفكرا لعربي، لم يصدر له سوي عدد ضئيل من الكتب، ولكنها كانت كافية لكي يصبح هذا المفكر القادم من إحدي القري الصغيرة في شمال شرق
الجزائر علما من أعلام الثقافة الإنسانية المعاصرة، بما طرحه في هذه الكتب من نقد للتراث العربي الإسلامي.
ومن أفكار ورؤي النهضة الحديثة التي كانت همه الأول وغايته، لا يستطيع من يطلع عليها أن يهون من عمق معرفته بالتراث الإنساني كله، قديمه وحديثه، ليس فقط من النصوص والمجلدات، وإنما من الواقع أيضا، أو من الإطارين الاجتماعي والتاريخي اللذين تمثلا في مناظرات العلماء والفقهاء، في القرون الهجرية الأولي وما بعدها.
ومن الواضح أن محمد أركون كان يعرف جيدا وزن ما يقدمه، وما يقدمه نظراؤه من المفكرين المعاصرين في الغرب، مثل ريجيس بلاشير وفردينان دي سوسير، كما كان يعرف جيدا ذخائر التراث العربي لأبي حيان التوحيدي وأبي العلاء المعري وابن رشد وابن سينا والفارابي وابن حزم وغيرهم.
وعلي نفس هذا المستوي من معرفة التراث كانت معرفته بتاريخ الجزائر الذي تميز شعبه بالتسامح.
وبهذه المعرفة العميقة بالتراث والتاريخ وضع محمد أركون يده علي وجوه التشابه بين مباركة الكنيسة في المسيحية للملك، ومبايعة رجال الدين الإسلامي للخليفة الذي يقوم بإمامة المسلمين في المساجد، ومنح كل منهما للملك في الغرب والخليفة في الشرق الشرعية التي لا معدي عنها للحكم.
غير أن تعامل محمد أركون مع التراث العربي الإسلامي اختلف عن تناول المستشرقين الذين ينظرون إلي هذا التراث كآثار جامدة، مثلما اختلف عن الباحثين الإسلاميين الذي لا يخرجون علي السلف في تقديس التراث.
وبدلا مما قدمه كل من المستشرقين والباحثين الإسلاميين، قدم محمد أركون نظرية ومنهجا مختلفا، ينبع فيه الفكر والإنتاج من شروطه التاريخية، ولا يتنافر فيه هذا الفكر أو هذه الفلسفة مع الدين، أو يتنافر المجرد مع المتعين، وذلك باستبعاد الصيغ والأحكام النهائية القاطعة التي تحول دون المناقشة أو إعادة النظر، إذا احتملتها من الأساس.
وبناء عليه فإن كل التفسيرات التي تفيض بها الكتب القديمة، في نظر محمد أركون، بما فيها الإجماع، قد تكون صحيحة أو صالحة في زمانها، إلا أنها بالحتم لا تصلح لكل الأزمنة، وإلا قيد الماضي الحاضر بأوتاده، وصادر كل ما خالفه، وتحول إلي تابو لا يتغير ولا يمس.
وكما لم يحفل محمد أركون بعدم شهرته في العالم العربي، بسبب اللغة الأجنبية التي يكتب به، لم يحفل أيضا بوجوده داخل أسوار الجامعة، بعيدا عن الحركة الفكرية خارج الجامعة، التي تتألق فيها أسماء عربية عديدة من جيله، تطرح مشروعها الفكري باللغة العربية، الذي تدافع فيه عن الحرية والعقلانية والعلمانية والتحديث، وهي نفس الأفكار التي يدافع عنها محمد أركون، وإن لم يحقق لاسمها مثلهم الشهرة التي يتمتعون بها في الوطن العربي.
ولولا ظهور محمد أركون في بعض البرامج التليفزيونية، والتفاف عدد من النقاد والصحفيين إليه في المؤتمرات والملتقيات التي يشارك فيها، لانحصر اسمه في الدائرة التي عاش فيها في فرنسا، في جامعة باريس ثم جامعة السوربون.
ولكن إذا كان محمد أركون لم يجد القاعدة العريضة من القراء التي تتلقف كتبه من المطابع، فقد وجد بين طلابه في الجامعتين الفرنسيتين اللتين تعدان مع الكوليج دي فرانس من مؤسسات التنوير الأوروبي في العصر الحديث ما يعوضه عن غياب هذه القاعدة العريضة من القراء.
ومما يذكر عنه أنه كان يشترط علي طلابه في الدراسات العليا أن يتقنوا اللغة العربية، ويضع هذا الشرط في مستوي شرط إتقان المنهج العلمي.
وكان محمد أركون يفرق في صدد المنهج بين الفن والعلم، أو بين القصص والتاريخ.
وخوف محمد أركون من الاقتصار علي التراث المكتوب فقط يعود إلي يقينه بأن هذا التراث تراث مغلق علي ذاته، يخضع للسلطتين المستبدتين التي ينتمي إليها، الدينية والعسكرية، ولا يتجاوزهما.
أما التراث الشفاهي، ويعني به الثقافة الشعبية للمهمشين وغمار الناس، فقد كانت بعيدة عن هذه السلطة، وتملك من حرية التعبير وحيويته ما لا يتوفر لأصحاب التراث المكتوب، ومن ثم فهو - التراث الشفاهي - أدل علي المكونات والعقائد في بعدها الاجتماعي والتاريخي الذي انبثقت منه.
ورغم سلامة هذه الرؤية، فقد أخذ علي أركون أنه أغفل، في هذه الدراسات، القوي الاجتماعية المختلفة، والصراع الطبقي، أو علي الأقل، كان بمنأي عنهما، كما أخذ عليه دعوته إلي إحلال التواصل الفكري مع القوي الفرنسية الاستعمارية والمهيمنة محل مقاومتها وقتالها.
وهناك من أخذ عليه أيضا عدم قدرته علي التخلص، في هذه الدراسات، من تأثيرات الظروف المعاصرة التي تحد من تأويلات النصوص القديمة.
وبسبب هذه المآخذ وغيرها ثارت الحروب ضده من كل الأطياف، في الجزائر وخارجها، في حياته وبعد رحيله، خاصة من جانب الأصوليين الجزائريين، أصحاب اليقين المطلق، الذين ينظرون بعيون الماضي الغابر، عبدة النص والحرف الذين يرفضون الآخر، ويقفون بالمرصاد للمثقفين، ولا يعرفون شيئا عن ثقافات المجتمعات الأخري، وعلي رأسهم «الحركة الإسلامية» في بلاده، وقد تنبأ محمد أركون بزوال هذا التيار بأسره نتيجة موقفه الجامد.
ولأنه لم يفرق بين شرق وغرب، لم يتحرج محمد أركون من حمل الجنسية الفرنسية مع الجنسية الجزائرية، ولا أن يكون إتقانه للفرنسية أعلي من إتقانه للغته القومية.
ولا شك أن تمسك أركون بالجنسية الفرنسية مع الجزائرية - بعد استقلال الجزائر - له أسبابه الموضوعية المتمثلة في المناخ غير الحر الذي كانت ترسف فيه بلاده.
ولم يكن محمد أركون يجد أيضا حرجا في إعادة النظر في بعض مؤلفاته المنشورة، وتعديل مادتها وصياغتها.
وجملة القول عن هذا المفكر الكبير إنه أراد بتعمقه في دراسة التراث العربي الإسلامي أن يحرر الفكر العربي الحديث من قيوده، من أجل أن يستأنف هذا الفكر مسيرته التاريخية التي توقفت في رأيه منذ القرن الثالث عشر، وبإمكانه أن يتحرك ويتقدم باستخدام العقل لا النقل، وبالتجديد لا التقليد.
بقيت كلمة عن علاقة محمد أركون بمصر.. لقد عرفها جيدا كما عرفها عدد كبير من الكتاب والمفكرين من أنحاء العالم العربي، وتجول في شوارعها وأحيائها الشعبية، وتعامل مع باعة الكتب القديمة في الأزهر والسيدة زينب وسور الأزبكية، وظل يحمل لمصر وأهلها أجمل الانطباعات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.