ثمة رأى استقر على أن التيار الذى يوصف ب"المدنى".. ليس لديه أى اعتراض أو تحفظات على المادة الثانية من الدستور. وهو رأى صحيح.. إذ لا توجد قوى سياسية قادرة على الاصطدام بالمجتمع المصرى المتدين بطبعه.. والذى يستبطن فى ضميره الجمعى، انتماءه إلى العروبة والإسلام، وأن مصر بحكم التاريخ والجغرافيا "دولة مسلمة". غير أن هذه النتيجة لم تكن محصلة "الوعى التاريخى" لدى النخبة العلمانية، ولم تكن استحقاقات الحضارة والثقافة جزءًا من هذه القناعة.. إذ كان العلمانيون سيجادلون مجددًا بشأن المادة الثانية، ومشاغبتها على النحو الذى قد يفضى إلى أن يحيلها من "متن" الدستور إلى "هامشه".. غير أن ارتفاع سقف التيارات السلفية، ورغبتها فى استبدال كلمة "مبادئ" ب"الشريعة"، قد أثار فزع العلمانيين، ما حملهم على احتكام بعفوية إلى القاعدة الأصولية "أخف الضررين"، واعتصموا بالمادة الثانية على هيئتها وفحواها الذى ورد فى دستور 71. إذن.. موافقة التيار العلمانى على المادة الثانية، كانت من قبيل قطع الطريق على السلفية المصرية، قبل تغيرها.. ومع ذلك فإن "جدل الشريعة" تجاوز حدود الهدف من وضع هذه المادة أصلاً فى الدستور. مصر لا تحتاج إلى "بطاقة ضمان" من الدستور بأنها "مسلمة".. فهى كما قلت فيما تقدم، تستقى هويتها من التاريخ والثقافة والحضارة العربية الإسلامية.. وليس من "الدستور". مصر قبل أن تعرف "الدستور" فى تاريخها.. كانت مسلمة وستظل كذلك إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.. فهى لا تحتاج أن تستجدى هويتها من نص مكتوب فى دستورها المرتقب. المادة الثانية لم يمنع وجودها من غلق المساجد، وقتل الإسلاميين واختطافهم وتعذيبهم واعتقالهم وتلفيق القضايا لهم.. ولم تمنع انهيار منظومة القيم الأخلاقية فى المجتمع وإنتاج مواد إعلامية ودرامية وسينمائية تدعو إلى "الرذيلة".. أو منح جوائز الدولة التقديرية للأعمال المعادية للإسلام دينًا وحضارة وثقافة وانتماء إليه. المادة الثانية من الدستور.. سواء أكانت "مبادئ" أو "شريعة".. لها دور ومعنى رمزى.. تتعلق ب"الهوية" لأن الأخيرة ليست فقط ذات حمولة ثقافية وحضارية.. وإنما مسألة "أمن قومى" فى ظل محاولات تغيير الهوية المعمارية المصرية، من قبل بعض القوى الطائفية فى مصر. السؤال المهم فى هذا السياق، هو ما إذا كان من المفيد، أن يعلق كتابة الدستور أو تعطيله إلى أن يحسم هذا الجدل؟!.. وهل من المفيد للإسلاميين إقصاء رؤى واجتهادات تعبر عن قطاعات ليست قليلة نسبيًا فى المجتمع المصرى؟!.. وهل دقة وحساسية اللحظة الراهنة، تتحمل نتائج مثل هذه المغامرات بكل عصبيتها وحماسها المنفلت؟!. [email protected]