طالب خبير عسكري مصري شارك في حرب أكتوبر/تشرين الثاني 1973 بكشف كافة الحقائق المرتبطة بهذه الحرب، ومحاسبة من أخطأ من قادتها، مؤكدا أن التاريخ الحقيقي لها لم يكتب بعد، وأن الحكام استغلوها في اكتساب شرعية الحكم. وقال العميد صفوت الزيات، المحلل العسكري المصري بفضائية "الجزيرة" الإخبارية، في حوار خاص مع مراسلة وكالة الأناضول للأنباء إن "حرب أكتوبر حتى الآن لم تُدرس أو تُقيم بمصداقية، ولم يُحاسب بشفافية من أداروها". وأوضح أنه "في نهاية أي حرب يتم تقييم ما حدث والنتائج، والمسئولين عنها، ومعاقبة المخطئ في إطار ما يسمي بمحاسبة الأمة للعسكريين؛ على اعتبار أن الأمة توفر للمؤسسة العسكرية الدعم بالمال والأبناء والتاريخ، ومن حقها المحاسبة". وفيما طالب بكتابة التاريخ العسكري الحقيقي لحرب أكتوبر، رأى الزيات أن ذلك "لن يتم إلا عندما تصبح مصر دولة ديمقراطية، وعندما تصير العلاقة واضحة بين المدنيين والعسكريين، وعندما تكون المؤسسة العسكرية معرضة للمساءلة، وميزانيتها محل مناقشة ونقد، وعندما يسمح بحرية تداول المعلومات كما يحدث في كافة الدول المتقدمة. هذه الاشتراطات التي وضعها الخبير العسكري المصري لكتابة التاريخ الحقيقي لحرب أكتوبر، توقع أن تتحقق في مصر عقب المرحلة الانتقالية التي تلت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، والتي قد تستغرق فترة تتراوح بين 4 و5 سنوات، على حد تقديره. وحول تقييمه الخاص لحرب أكتوبر، قال الزيات إن "الحرب حققت نجاحا سياسيا أكبر من كونه نجاحا عسكريا"، مضيفا "لقد نجحت حرب أكتوبر في تحريك القضية المصرية (احتلال سيناء)، وكانت مبررا للدخول في مفاوضات سلام مع إسرائيل". وتابع: "لكن النتائج السياسية لاتفاقية كامب ديفيد (الاتفاقية الإطار للسلام مع إسرائيل) لم تكن في حقيقة الأمر تتوازن مع التضحيات التي قدمها الشعب المصري"، كما أن سيناء حتى الآن ما زالت خارج مخططات التنمية، بحسب الزيات. وتساءل مستنكرا: "منذ اتفاقية كامب ديفيد حصلت مصر علي 70 مليار دولار كمعونة عسكرية وسياسية من الولاياتالمتحدة.. أين هي؟ وفيما صرفت؟". وتعطي الولاياتالمتحدة مصر 1.5 مليار دولار في شكل مساعدات عسكرية واقتصادية، وذلك منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل في 26 مارس/أذار 1979 بين الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت مناحيم بيغن. وتابع العميد صفوت الزيات تقييمه لحرب أكتوبر، قائلا: "حرب أكتوبر روج لانتصاراتها بأكبر مما هي عليه في الواقع، وكان لذلك هدف سياسي من قبل الحاكم". وأوضح: "لقد جعل الحاكم من حرب أكتوبر شيكا أبيض في أن يستمر الحكم الديكتاتوري الشمولي يحكم مصر حتي ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011". وأشار إلى المصطلحات التي نسبها الإعلام الرسمي للحكام بعد حرب أكتوبر، ومنها إطلاق لقب "رجل الحرب والسلام" على السادات، ولقب "صاحب الضربة الجوية الأولى" على الرئيس السابق محمد حسني مبارك، ولقب "بطل معركة المزرعة" على المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري الذي تولى مقاليد السلطة في مصر خلال الفترة التي أعقبت ثورة يناير. وعلق الزيات على منح مبارك لقب "صاحب الضربة الجوية الأولى"، قائلا إن "مذكرات كبار رؤساء أركان الجيش المصري السابقين مثل سعد الدين الشاذلي وعبد الغني الجمصي تبين أن دور القوات الجوية كان محدودا في حرب أكتوبر التي شهدت خللا في التوازن الجوي لصالح العدو بفضل الدعم الأمريكي". ورأى أن السادات "أدار فترة التخطيط لحرب أكتوبر بصورة جيدة، واقترب من الصورة المطلوبة للعلاقة بين المدنيين والعسكر، لكن النتائج المبشرة للساعات الأولي لحرب أكتوبر جعلته يتجه بعد وقت قليل إلى التخطيط المنفرد وإلى التعامل بصورة شبه شخصية مع إدارة الحرب". ووصف ذلك بأنه "تجاوز للخطوط المتعارف عليها بين الساسة والعسكر في مثل هذه الظروف؛ حيث تمسك السادات بتطوير الهجوم شرقا في سيناء بخلاف ما نصحه به القادة العسكريون الميدانيون، وفي مقدمتهم رئيس الأركان في وقتها الفريق سعد الدين الشاذلي إلا أن موقف السادات أدي لوقوع الثغرة" والهجوم الإسرائيلي المضاد على القوات المصرية غرب قناة السويس. والثغرة هي حادثة وقعت خلال حرب أكتوبر، وتمكن فيها الجيش الإسرائيلي من تطويق الجيش الثالث الميداني المصري من خلال ما عرف بثغرة الدفرسوار، غرب قناة السويس، وكانت بين الجيشين الثاني والثالث الميداني. وبخصوص الاحتفال بالذكرى ال 39 لنصر أكتوبر في مصر، والتي تحل السبت المقبل، قال الزيات إن "الاحتفال هذا العام له العديد من الاعتبارات الهامة لمصر؛ فهذا أول عام تشهد فيه مصر انتخابات حرة وديمقراطية أسفرت عن انتخاب أول رئيس مدني لمصر منذ عام 1952"، عندما انقلب العسكر علي الحكم الملكي في مصر. وأضاف أن الرئيس المصري محمد مرسي تمكن بعد توليه الحكم بأسابيع قليلة من إحداث تحول جوهري في العلاقات المدنية العسكرية، خاصة بعد إحالة كل من وزير الدفاع السابق المشير محمد حسين طنطاوي ورئيس أركانه سامي عنان للتقاعد. ووصف الزيات إقالة مرسي لطنطاوي وعنان بأنها "أول حدث في تاريخ مصر المعاصر تتولي فيه القيادة السياسية المدنية العليا اختيار القيادات العسكرية العليا"، وعد ذلك "بداية لعملية حوكمة السلطات المدنية المنتخبة، والتي تعد حجر الزاوية في تكوين علاقات مدنية عسكرية واضحة". ورأى أن عملية الحوكمة تلك تحتاج لدعم من السلطة التشريعية، وإلى تمتع وسائل الإعلام بحرية واسعة في التغطية والنشر، بجانب ميزانية للمراقبة. كما تتطلب عملية الحوكمة، بحسب الخبير العسكري، أن تكون كافة مؤسسات الدولة منتخبة، وأن يدرك الرئيس أنه مسئول عن عملية الدفاع، وعن تحديد الموارد المخصصة للدفاع في ميزانية الدولة. واعتبر الزيات أن الخلل التي حدث في العلاقات بين المدنيين والعسكر بعد عام 1952 وراء ما شهدته مصر من "نكسات"، ومنها "نكسة" حرب 1967. وأوضح قائلا: "أبرز محطات نكسة 1967، عندما اتخذ رئيس مدني في ذاك الوقت (جمال عبد الناصر) قرارا بدخول الحرب مع إسرائيل، دون أدني إلمام بما عليه القوات العسكرية للدولة من جاهزية قتالية، وهل تمكنها من الدخول في حرب من عدمه؟". وأوضح الزيات أنه صنف عبد الناصر على أنه رئيس مدني برغم أنه كان ضابطا سابقا في القوات المسلحة المصرية؛ لأن الأخير تم الاستفتاء عليه بصفته رئيس مدني وليس بصفته العسكرية، ولأن من يتغيب عن الحياة العسكرية لمدة 3 سنوات يصبح غير عسكري، بحسب النظام المتبع في مصر. ورأى أن إسرائيل في عام 1967 لم تكن ترغب في الحرب، لكن تم استدعائها للحرب من قبل عبد الناصر. وقال: "لقد قرر عبد الناصر في لحظة، تحويل الدولة من حالة السلم إلي حالة الحرب، في وقت كانت ثلث القوات المصرية في اليمن، ولا يعلم مدى جاهزية باقي القوات". وعن الروح السائدة داخل الجيش المصري على مدار تاريخه، قال الزيات إن "الجيش المصري منضبط ووطني لأقصي الحدود"، مضيفا: "ربما تأثر الجيش المصري بكل ما أصاب المؤسسات المصرية علي مدار ال30 عاما الماضية (في إشارة على ما يبدو للفساد والبيروقراطية)، لكنه يبقى بجانب رئيس الدولة وقياداته العسكرية؛ فدائما ما ينحاز لرئيس الدولة وليس لقيادات". وحول التغييرات التي يراها ضرورية لإصلاح المنظومة العسكرية في مصر، قال الزيات إن العلاقات المدنية العسكرية تحتاج إلي إعادة هيكلة وتنظيم وفق ما هو مطروح في منظومة الدول الديمقراطية. وطالب الخبير العسكري بأن يكون وزير الدفاع شخصية مدنية وليست عسكرية على غرار النظام الأمريكي "فالاستراتيجية العسكرية يحددها الرئيس المدني". كما طالب بعدم الاعتماد في الجيش المصري على مصدر واحد للتسليح كما هو الحال حاليا؛ حيث يتم الاعتماد على السلاح الأمريكي بصورة أساسية. وقال أيضا إن هناك حاجة إلى تغيير الاستراتيجيات العسكرية؛ حيث إن الحرب القادمة لن تكون بالدبابات والأسلحة الثقيلة، وإنما حرب على ثلاثة جوانب: الجو والفضاء وحرب الفضاء المعلوماتية؛ مشيرا إلى أنه علي هذا الأساس يبرز التفوق الهائل للولايات المتحدة. وحول مطالب بعدم اخضاع المؤسسة العسكرية للمراقبة بدعوي الحفاظ علي أسرارها العسكرية، قال الخبير العسكري المصري: "في عصر الأقمار الصناعية لا توجد أسرار، ويجب ألا تظل أي مؤسسة بعيدة عن المراقبة وتقييم أدائها".