بقلم نرمين سعد الدين اليوم تمر علينا الذكري السابعة والثلاثين علي حرب أكتوبر 1973م المجيدة ، تلك الحرب التي انتصر فيها الجيش المصري ومحا بها الهزيمة التي لحقت بكل المصريين في نكسة يونيو 1967م ، ولكن ما بين النصر والهزيمة كان هناك استعدادات وتجهيزات وخطط حتى لا تكون الحرب مخاطرة او مظاهرة سياسية . فبعد أن منيت مصر بهزيمة نكراء في حرب 5 يونيو تلك الهزيمة التي كشفت عن كثير من أوجه التقصير ؛ وضعت القيادة السياسية خطة لإعادة بناء القوات المسلحة وإعادة الثقة ، ومن هنا بدأت مرحلة الصمود وبناء حائط الصواريخ وما سمي اصطلاحاً بحرب الاستنزاف ، فكانت أولي معارك حرب الاستنزاف هي معركة رأس العش ، تلك المعركة التي حاول الإسرائيليون فيها الدخول واحتلال مساحات أوسع من أرض سيناء حيث تحركت قوات العدو من القنطرة في اتجاه بور فؤاد ولكن بعض قوات الصاعقة المصرية قامت ببث الألغام في طريقهم وعندما تقدم العدو انفجرت هذه الألغام فمنعت العدو من التقدم في 1 يوليو 1967 ، وفي 2 يوليو 1967 ، حاولت إسرائيل الاستيلاء علي بور فؤاد ولكن أفراد القوات المصرية تصدوا لهم بالأسلحة الخفيفة ودمرت عربات المدرعات المتقدمة واضطر العدو أن ينسحب بقواته . وفى 14، 15 يوليو 1967 ، قامت القوات المصرية بإطلاق مدفعية عنيفة علي طول الجبهة وذلك بعد اشتباكات مع العدو في الجنوب في اتجاه السويس والفردان وقد كان ذلك تمهيدا لطلعة طيران قوية حيث خرجت القوات الجوية باكملها وهى تضرب في الجنوب فتحول العدو بقواته إلي الجنوب وترك الشمال بغير غطاء فانطلق الطيران المصري إلي الشمال وأوقع خسائر كبيرة فى صفوف القوات الإسرائيلية ، وقامت القيادة الاسرائيلية بطلب وقف اطلاق النار من الولاياتالمتحدةالأمريكية التي كلفت بدورها سكرتير عام الأممالمتحدة بإبلاغ الرئيس جمال عبد الناصر بوقف أطلاق النار وفي 21 أكتوبر من نفس العام قامت البحرية المصرية بتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات ، ويروى اللواء محمد عبد الغنى الجمصى فى مذكراته عن حرب اكتوبر تفاصيل ما حدث في هذا اليوم قائلا :" جاء يوم 21 اكتوبر 1967وقد وصلت إلى مركز قيادة الجبهة بعد راحة ميدانية ، فوجدت اللواء أحمد إسماعيل ومعه العميد حسن الجريدلى رئيس عمليات الجبهة (وقد كنت أنا وقتها رئيس أركان للجبهة) يتابعان تحركات المدمرة الإسرائيلية إيلات بالقرب من المياه الإقليمية لمصر فى المنطقة شمال بورسعيد ، كانت المعلومات تصلنا أولا بأول من قيادة بورسعيد البحرية التى كانت تتابع تحركات المدمرة ، وقد استعدت قوات القاعدة لمهاجمة المدمرة عندما تصدر الأوامر من قيادة القوات البحرية بالتنفيذ وظلت المدمرة المعادية تدخل المياه الإقليمية لفترة ما ثم تبتعد إلى عرض البحر ، وتكرر ذلك عدة مرات بطريقة استفزازية وفى تحرش واضح ، لإظهار عجز قواتنا البحرية عن التصدى لها "، وبمجرد أن صدرت أوامر قائد القوات البحرية بتدمير هذه المدمرة عند دخولها المياه الإقليمية ، خرج لنشان صاروخيان من قاعدة بورسعيد لتنفيذ المهمة، هجم اللنش الأول بإطلاق صاروخ أصاب المدمرة إصابة مباشرة فأخذت تميل على جانبها ، وبعد إطلاق الصاروخ الثانى تم إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات شمال شرق بورسعيد بعد الخامسة مساء يوم 21 أكتوبر 1967 وعليها طاقمها ، وقد غرقت المدمرة داخل المياه الإقليمية المصرية بحوالى ميل بحرى . وأكد الجمصى أن إغراق المدمرة إيلات بواسطة الصواريخ البحرية التي استخدمت لأول مرة كان بداية مرحلة جديدة من مراحل تطوير الأسلحة البحرية والقتال البحرى فى العالم وأصبح هذا اليوم هو يوم البحرية المصرية . وبعد تلك الانتصارات كان من الطبيعي أن تحاول إسرائيل رد الضربة فقامت بمهاجمة أهداف مدنية داخل مصر بسبب ضعف الدفاعات الجوية المصرية حيث قصف العدو مدرسة بحر البقر الإبتدائية وأدت تلك العمليات الجوية الاسرائيلية إلى دفع مصر لإنشاء سلاح للدفاع الجوي كقوة مستقلة في عام 1968 وتبعه إنشاء حائط الصواريخ الشهير بالإعتماد الكلي على الصواريخ السوفيتية سام وقد حمى كل السماء المصرية وأضعف التفوق الجوي الإسرائيلي لقد كانت قوات الدفاع الجوي قبل النكسة تعتبر فرعاً من سلاح المدفعية، وتحت القيادة العملياتية للقوات الجوية وهذا التنظيم معمول به في كثير من دول العالم ولكن من دروس حربي 1956 و 1967 وجد أن القوة الجوية الإسرائيلية مركزة في يد قائد واحد ولذا من الضرورى تركيز جميع الأسلحة والمعدات المضادة لها والمكلفة بالتعامل معها وصدها في يد قائد واحد ضماناً للتنسيق وتوحيداً للمسئولية وتحقيقاً للنجاح ، وبدأ التخطيط لبناء منظومة دفاع جوي من منطلق الدور الرئيسي لهذه المنظومة والذي يتمثل في توفير الدفاع الجوي عن القوات والأهداف الحيوية في الدولة ضد هجمات العدو الجوي لذا ينبغي أن تحقق المنظومة ثلاثة أهداف رئيسية هي استطلاع العدو الجوي والإنذار عنه ومنع العدو من استطلاع القوات المصرية ثم توفير الدفاع الجوي عن القوات والأهداف الحيوية ، ولتحقيق هذا تضمنت منظومة الدفاع الجوى عدة عناصر متناسقة متعاونة تعمل تحت قيادة واحدة هي : نظام القيادة والسيطرة، نظام الاستطلاع والإنذار ويضم أجهزة رادار أرضية أو محمولة جواً، وأقماراً صناعية، وشبكات المراقبة الجوية بالنظر ، نظم القتال الإيجابية، وتشمل: المقاتلات، والصواريخ الموجهة، والمدفعية المضادة للطائرات ، أنظمة الحرب الإلكترونية . وعندما ارتفعت خسائر إسرائيل في حرب الاستنزاف قررت فى 6 يناير1970 بناء على اقتراح وزير الحرب موشى ديان إدخال السلاح الجوى الإسرائيلي إلى المعركة ، وزعمت رئيسة وزراء إسرائيل في هذا الوقت جولدا مائير أن الطريقة الوحيدة لمنع المصريين من تحرير سيناء هي ضرب العمق المصري بعنف ، فدخل الطيران الإسرائيلي بكل ثقلة مدعوما بالمقاتلات الحديثة من طراز سكاى هوك والفانتوم والميراج ليبدأ بمهاجمة القوات العسكرية فى البداية ثم انتقل إلى الأهداف المدنية ، ونفذ الاحتلال الإسرائيلى العديد من الهجمات الجوية خلال الفترة من يناير حتي إبريل عام1970 م وبلغ إجمالي طلعات الطيران3838 طلعة جوية ، وخلال هذا التصعيد ارتكبت مقاتلات الاحتلال الإسرائيلى جريمتين بشعتين وهما الغارة الجوية على مصنع أبو زعبل والأخري على مدرسة بحر البقر في 8 إبريل 1970 ، الأولى تسببت بمقتل 70 عاملا وإصابة 69 آخرين وزعمت إسرائيل أنها وقعت بطريق الخطأ والأخرى تسببت بمقتل 31 طفلا وجرح 36 آخرين ، مما أساء الاستياء العالمى . أمام كل هذا عقد الرئيس جمال عبد الناصر ثلاثة اجتماعات رئيسية مع القيادت الجوية والدفاع الجوى اللذين أكدوا له عجز شبكة الدفاع الجوى المصرى عن التصدي للطائرات الإسرائيلية بأجهزتها المتطورة ولذلك قرر السفر إلى موسكو فى زيارة سرية لأمداد مصر بنظام دفاع جوى متكامل ، فطلب جمال عبد الناصر من السوفيت تزويد مصر بوحدات كاملة من المقاتلات الاعتراضية المتطورة (ميج 21 بالمحرك ي 511) ووحدات متكاملة من كتائب صواريخ سام 3 لمواجهة الطيران المنخفض وأيضا أجهزة رادار متطورة للإنذار . وبالفعل بدأ التنفيذ لبناء شبكة الصواريخ بالجبهة وتم حشد كميات هائلة من المواد الهندسية لتنفيذ بناء مواقع الصواريخ, وصلت إلى 30 مليون متر مكعب من أعمال الحفر والردم و3 ملايين متر مكعب من الخرسانة ومئات الكليومترات من الطرق واشترك في البناء معظم شركات المقاولات المصرية مع زملائهم من ضباط وجنود القوات المسلحة واستمرت إسرائيل في مهاجمة قواعد الصواريخ الجاري إنشاؤها واستشهد العديد من رجال وشباب القوات المسلحة والمهندسين والعمال من شركات المقاولات وسالت الدماء علي أرض مصر في سبيل تحرير الأرض واستكمال تنفيذ بناء القواعد ، وفي صباح يوم 30 يونيو 1970 تم استكمال مواقع الصواريخ على طول الجبهة وكانت المفاجأة الكبري لإسرائيل فقامت في نفس اليوم بهجوم جوي بعدد 24 طائرة مقاتلة وكانت النتيجة تدمير أربع طائرات وأسر ثلاثة طيارين ولذا أطلقت المعاهد الإستراتيجية العالمية علي الإنجاز المصرى أسبوع تساقط الفانتوم واستمرت المحاولات الإسرائيلية لتدمير شبكة الصواريخ وخلال 38 يوما وحتي 7 / 8 / 1970 م كانت خسائر الجانب الإسرائيلي هي تدمير 17 طائرة وإصابة 34 طائرة أخرى . وفي أعقاب وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر في سبتمبر 1970م وتولى الرئيس أنور السادات .رفضت إسرائيل مبادرة روجرز في 1970م وأمتنعت عن تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 ؛ لذا فقد لجأ الرئيس أنور السادات إلى الحرب لاسترداد الأرض التي خسرها العرب في حرب يونيو 1967م ، فكان نصر أكتوبر 1973م .