بشري سارة للمعلمين والمديرين| 2000 جنيه حافز تدريس من أكتوبر 2026 وفق شروط    حقيقة ظهور فيروس ماربورج في مصر وهل الوضع أمن؟ متحدث الصحة يكشف    ترامب: جميع دول العالم ترغب في الانضمام إلى مجلس السلام حول غزة    بحضور ماسك ورونالدو، ترامب يقيم عشاء رسميا لولي العهد السعودي (فيديو)    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    شبانة: الأهلي أغلق باب العودة أمام كهربا نهائيًا    أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    "الوطنية للانتخابات": إلغاء نتائج 19 دائرة سببه مخالفات جوهرية أثرت على إرادة الناخب    "النواب" و"الشيوخ" الأمريكي يصوتان لصالح الإفراج عن ملفات إبستين    فرحات: رسائل السيسي ترسم ملامح برلمان مسؤول يدعم الدولة    شمال سيناء تنهي استعداداتها لانتخابات مجلس النواب 2025    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    أقرب إلى الخلع، وزير الآثار الأسبق يكشف مفاجآت عن وثيقة الجواز والطلاق في عصر الفراعنة    نمو الطلب على السلع المصنعة في أمريكا خلال أغسطس    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في انقلاب سيارتي تريلا بصحراوي الأقصر    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    إحالة مخالفات جمعية منتجي الأرز والقمح للنيابة العامة.. وزير الزراعة يكشف حجم التجاوزات وخطة الإصلاح    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    مصرع شاب وإصابة اثنين في انقلاب سيارتي تريلا بالأقصر    معرض «الأبد هو الآن» يضيء أهرامات الجيزة بليلة عالمية تجمع رموز الفن والثقافة    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    في ذكرى رحيله.. أبرز أعمال مارسيل بروست التي استكشفت الزمن والذاكرة والهوية وطبيعة الإنسان    جميع المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026    شجار جماعي.. حادثة عنف بين جنود الجيش الإسرائيلي ووقوع إصابات    قوات الاحتلال تطرد عائلة الشهيد صبارنة من منزلها وتغلقه    وزير الدفاع الروسي: قوات الصواريخ والمدفعية تلعب الدور الحاسم في تدمير العدو    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    إنهاء تعاقد مُعلم في نجع حمادي بتهمة التعدي على تلميذ    عاجل مستشار التحول الرقمي: ليس كل التطبيقات آمنة وأحذر من استخدام تطبيقات الزواج الإلكترونية الأجنبية    أحمد موسى: الرئيس دائمًا يؤكد قيمة الوحدة الوطنية.. ودعم البوتاجاز مثال على اهتمام الدولة    الأحزاب تتوحد خلف شعار النزاهة والشفافية.. بيان رئاسي يهز المشهد الانتخابي    وزارة الاتصالات تنفذ برامج تدريبية متخصصة في الأمن السيبراني على مستوى 14 محافظة    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أسامة كمال: الجلوس دون تطوير لم يعد مقبولًا في زمن التكنولوجيا المتسارعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    الفنانون يدعمون تامر حسنى فى أزمته الصحية.. هنا الزاهد ودياب: تقوم بالسلامة    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    سويسرا تلحق بركب المتأهلين لكأس العالم 2026    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    فضيحة الفساد في كييف تُسقط محادثات ويتكوف ويرماك في تركيا    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    «مصر العليا للكهرباء»: 4.3 مليار جنيه مشروعات للغير وفائض تشغيل كبير    وزير المالية: مبادرة جديدة لدعم ريادة الأعمال وتوسيع نظام الضريبة المبسطة وحوافز لأول 100 ألف مسجل    هيئة الدواء: نعتزم ضخ 150 ألف عبوة من عقار الديجوكسين لعلاج أمراض القلب خلال الفترة المقبلة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    الشيخ رمضان عبد المعز يبرز الجمال القرآني في سورة الأنبياء    التنسيقية تنظم رابع صالون سياسي للتعريف ببرامج المرشحين بالمرحلة الثانية لانتخابات النواب    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: مقارنة المهور هي الوقود الذي يشعل نيران التكلفة في الزواج    كيف يحدث هبوط سكر الدم دون الإصابة بمرض السكري؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللواء صلاح خيري يروي ل الأهرام المسائي حكايات أبطال قهرتهم النكسة
نشر في الأهرام المسائي يوم 04 - 06 - 2011

رغم مرارة تذكرها الا أنها مازالت تحتفظ بالكثير من الأسرار‏,‏ واذا كنا جميعا علي ثقة تامة أن الجيش المصري في‏1967‏ لم يخض حربا أو مواجهة فعلية مع جيش العدو الإسرائيلي.
فإن دفتر النكسة به صفحات تستحق التوقف أمامها‏.‏
الأهرام المسائي التقي اللواء صلاح خيري أحد قادة قوات الصاعقة علي الجبهة الأردنية عام‏1967‏ في حوار أكد خلاله أن الملك حسين ملك الأردن‏,‏ زار الرئيس جمال عبدالناصر يوم‏2‏ يونيو‏1967‏ ووقعا اتفاقية الدفاع العربي المشترك والتي ترتب عليها تحرك قوات الصاعقة المصرية من منطقة خشم الطارف إلي الجبهة الأردنية‏.‏
وقال اللواء صلاح خيري أن قواته ذهبت لتنفيذ إحدي العمليات بالأراضي المحتلة‏,‏ وفقا للأماكن التي حددها القادة‏,‏ ولكنها وجدتها مناطق جرداء لا توجد بها أي قوات إسرائيلية‏,‏ مؤكدا أن القرارات الخاطئة للقيادة السياسية‏,‏ والعسكرية المصرية هي السبب الرئيسي للنكسة‏.‏
وحكي اللواء صلاح كيف ظل وأفراد قواته أياما دون طعام أو شراب أو اتصالات حتي نجح في العودة إلي الأردن بمساعدة من بدو سيناء‏.‏
وإلي تفاصيل الحوار‏:‏
‏*‏ من أين تبدأ الحكاية؟
‏**‏ دعيني أبدأ من يوم‏14‏ مايو‏1967‏ عندما أعلنت القوات المسلحة المصرية التعبئة العامة للقوات ورفع درجة استعداد كافة أفرعها‏,‏ وتحركت قوة من الصاعقة الي سيناء لتتمركز في منطقة خشم الطارف علي الحدود المصرية الفلسطينية شمال طابا أمام صحراء النقب وقامت بأعمال الاستطلاع للأهداف المحددة لها داخل فلسطين المحتلة وذلك ابتداء من‏16‏ مايو وحتي‏3‏ يونيو‏.1967‏
‏*‏ صف لنا حالة الجيش المصري وقتها؟
‏**‏ الذي لا يعرفه الكثيرون أن حوالي أكثر من نصف القوات المسلحة المصرية كاملة الأفراد والمعدات والأسلحة كانت تقاتل في اليمن وأن ما تبقي من القوات كانت نسبة استكمالها‏40%‏ موجودة بمصرومن ثم فالبديهي أن القوات المسلحة المصرية في يونيو‏1967‏ كانت غير مستعدة علي الاطلاق لقتال العدو‏.‏
‏*‏ ماذا بعد اعلان التعبئة العامة للجيش؟
‏**‏ يوم‏2‏ يونيو‏67‏ رصدت قوات الصاعقة قيام العدو الاسرائيلي بحشد قواته علي الجبهة المصرية وقيامه باغلاق الوديان والممرات المؤدية للجبهة المصرية مع زيادة حجم أعمال الاستطلاع المعادية الجوية والبرية بكثافة عالية‏,‏ وفي نفس اليوم جاء الملك حسين ملك الأردن‏-‏ في زيارة مفاجئة الي القاهرة واجتمع بالرئيس جمال عبد الناصر ووقع علي اتفاقية الدفاع العربي المشترك بين مصر والأردن وبناء عليه صدرت الأوامر بانتقال قوات الصاعقة المتمركزة بمنطقة خشم الطارف الي الجبهة الأردنية لتنفيذ المهام القتالية المكلفة بها ضمن خطة العمليات الحربية‏.‏
‏*‏ متي وصلت قوة الصاعقة للأردن؟ وكم كان عدد أفرادها؟
‏**3‏ يونيو‏67‏ قامت طائرات النقل المصرية بعملية نقل جوي لقوة الصاعقة المصرية من مطار المليز بسيناء الي مطار عمان بالأردن وكان الملك حسين في استقبالنا وصافح قيادة القوة وضباطها فردا فردا‏,‏ وكانت عدد أفراد القوة‏600‏ فرد بقيادة المقدم جلال الهريدي والمقدمين فتحي عباس وأحمد حلمي وأحمد عبدالله ونبيل الزفتاوي‏,‏ والرائد حسين مختار والنقباء صلاح خيري وحسن العجيزي وعادل يوسف وسامي المصري وراشد أبو العيون وآخرين من الضباط وضباط الصف والجنود الفدائيين الأبطال‏,‏ وعقب تناول العشاء في ضيافة الملك حسين قمنا بالاستعداد للتحرك للقواعد الأمامية علي الجبهة الأردنية‏.‏
‏*‏ صف لنا مشهدي التحرك والاستعداد للمهمة؟
‏**‏ ليلة‏4/3‏ يونيو‏67‏ قامت سيارات نقل الأفراد الأردنية بنقل القوة المصرية التي انقسمت مجموعتين كل منهما بها‏300‏ فرد الأولي اتجهت الي رام الله وكنت بها‏,‏ والثانية الي جنين وسط أجواء وهتافات وحماس الشعب الأردني لادراكهم بأن القوات المصرية جاءت لتتعاون مع القوات الأردنية الشقيقة من أجل قضية فلسطين وقضية العرب جميعا‏,‏ ثم قضينا يوم‏4‏ يونيو في تجهيز الأسلحة والذخائر والمعدات الناسفة والخرائط وتحديد الأهداف والقيام باستطلاع للأرض المعادية وطبيعتها‏,‏ وفي فجر‏5‏ يونيو‏67‏ انتظمنا في حلقات التدريبات الرياضية وسط تجمع وزغاريد أهالي ونساء رام الله وما أن جاء الصباح حتي جاء بعض السكان مهرولين ويصيحون أنهم سمعوا بالاذاعة أن المعركة قد بدأت علي الجبهة المصرية وسوريا والأردن‏.‏
‏*‏ كيف استقبلتم الخبر؟ وماذا عن تنفيذ العملية؟
‏**‏ زادنا حماسا بأن ننتقم من العدو لكننا لم نكن نعلم الموقف في مصر فالخبر كان أن المعركة بدأت وفقط ولم نكن نعلم أي شيء‏,‏ عدنا الي المعسكر سريعا بعدما سمعنا الخبر وارتدينا ملابس القتال وقمنا بتجهيز قواتنا والتأكد من الاستعداد القتالي وفي تمام العاشرة من يوم‏5‏ يونيو وصل قائد الصاعقة المصرية وأصدر لنا الأوامر وحدد موعد تنفيذ العملية ليلة‏6/5‏ يونيو وكانت الأهداف هي تدمير القواعد الجوية الاسرائيلية والميس مكان تواجد واقامة الطيارين الاسرائيليين داخل فلسطين المحتلة‏,‏ والتحرك كان بواسطة عدد من الأدلاء الفلسطينيين فلا يمكننا التحرك في تلك المناطق بدون دليل يرشدنا عن أماكن الثغرات‏,‏ وفي ظهر‏5‏ يونيو تحركنا مع الأدلاء من الهضبة الي الحد الأمامي للجبهة الأردنية في منطقة اللطرون ثم جاء المساء وبدأنا في التسلل بعد فتح ثغرة بحقول الألغام ومضت الساعات ثقيلة ونحن نسير خلف الأدلة بين المستعمرات وسط الأعشاب الشوكية العالية التي كانت تعوق تقدمنا بسبب التصاق الأشواك بأجسادنا‏.‏
‏*‏ ألم تواجهكم عقبات أثناء السير بين المستعمرات؟
‏**‏ يضحك ثم يقول‏:‏ في منتصف ليلة تنفيذ العملية كنا قد قطعنا حوالي‏12‏ كم داخل الأرض المحتلة ومن المفترض أن الأهداف تقع عند تلك النقطة فلما لم نجد شيئا استدعينا الأدلاء وأخبرونا أنهم تاهوا لأنهم لم يأتوا لتلك المنطقة منذ سنوات طوال وهنا اتخذ الرائد حسين مختار قائد المجموعة‏-‏ مع قادة المجموعات الفرعية قرارا بالاجماع بتأجيل المهمة لصباح اليوم التالي وأن تستسلم المجموعة لراحة اجبارية حتي يتمكنوا من أداء مهمتهم في اليوم التالي بعد تحديد مكان الهدف بدقة لأننا كنا مجهدين للغاية‏,‏ وفجأة نسمع أصوات مجنزرات اسرائيلية قريبة منا وتفتح النيران عشوائيا داخل منطقة تجمعنا وحولها ثم تتوقف النيران ويتحرك قائد المجموعة ليتفقد أفراد المجموعة ويطلب من قادة المجموعات الفرعية الثلاث وكنت واحدا منهم‏-‏ كنا‏100‏ فرد‏-‏ اعطاءه تماما بالموقف ويمضي معظم الليل وجاء الفجر ولم يعد قائد المجموعة ويعود صوت المجنزرات من جديد مع اطلاق النيران العشوائية‏.‏
‏*‏ وكيف تصرفتم؟
‏**‏ هنا توليت أنا القيادة كأقدم قائد في المجموعات الفرعية وقررت تغيير أوضاع المجموعة بأن تتحرك من منطقة الوادي الموجودين به الي بطن هيئة عالية لتأمين المجموعة واخفائها قبل طلوع النهار لتنفيذ الاستطلاع للهدف صباح اليوم التالي كما قررت تحرك القوات وبقاء جزء كبير منها خلف الهيئة لتأمين تحرك باقي المجموعة‏,‏ وفي فجر‏6‏ يونيو يعود صوت المجنزرات ويقترب صوب الجزء الأخير من المجموعة وفجأة يصيح قائد السيارة الجيب الاسرائيلي باللغة العربية‏(‏ اثبت يا‏......)‏ ويقوم بفتح النيران لتفتيش المنطقة‏,‏ ولتأمين المجموعة اصدرت الأوامر بالاشتباك وفتح النيران وفي لحظة واحدة يصوب ما يقرب من‏100‏ ضابط وصف وجندي من مجموعتنا أسلحتهم في مواجهة عربات ومجنزرات العدو‏.‏
‏*‏ ماذا حدث أثناء الاشتباك ؟
‏**‏ انطلقت صواريخ الأربيجي‏7‏ والقنابل المضادة للدبابات والرشاشات وتحطمت واشتعلت علي الفور العربة الجيب وسيارتان مجنزرتان و ثلاث دبابات وقفز منها الضباط والجنود الاسرائيليون وحصدنا ارواحهم وبدأ العدو في التقهقر واكتشفنا ان القوة التي اشتبكنا معها ما هي الا مقدمة لواء مدرع اسرائيلي متجه الي الجبهة الاردنية لمهاجمتها‏,‏ ثم بدأ العدو بقصف المجموعة بنيران المدفعية بكثافة عالية وبستائر نيران متتالية لتمشيط المنطقة بالكامل بهدف القضاء علي جميع الأفراد المتواجدين في العراء بالمنطقة وبعد انتهاء القصف المدفعي بدأ القذف الجوي الاسرائيلي بطائرات الهليكوبتر المصفحة لتفتيش المنطقة بالرشاشات‏,‏ وبعد انتهاء القذف الجوي ولعدم وضوح الرؤية للعدو تم قصف المنطقة بالنابالم للكشف والتأكد من نتائج القصف المدفعي والجوي‏.‏
‏*‏ كيف تعاملت المجموعة وسط هذه الأجواء؟
‏**‏ كانت معركة انتقامية وتكبدنا خسائر جسيمة في الارواح والاسلحة لوجودنا في العراء وعدم وجود اي سواتر أو خنادق نحتمي بها وكانت النتيجة أنه استشهد‏85‏ فردا من مجموعتنا و لم يتبق من‏100‏ فرد سوي‏14‏ فقط واتخذنا اوضاعنا خلف التبة لتأمين القوات المرتدة‏,‏ وبعد ظهر يوم‏6‏ يونيو بدأت باقي مجموعتنا بالتحرك باتجاه مجري مائي يمر خلف مستعمرة اسرائيلية وحوله نباتات كثيفة ونزلنا بأرجلنا في الماء ولم يتبق خارج سطح الماء سوي رؤوسنا ولم يتمكن العدو من اكتشافنا ومكثنا في اماكننا طوال ليلة‏7/6‏ يونيو وفي‏7‏ يونيو استكملنا طعامنا بأكل بعض الحشائش الخضراء بعد الجوع والتعب‏,‏ ثم قمت بصحبة فردين من المجموعة باغارة صامته علي نقطة مراقبة للعدو وقتل الجنود المتواجدين بها والاستيلاء علي أسلحتهم وطعامهم‏.‏
‏*‏ ماذا عن الأهداف التي خرجتم من أجل تدميرها ؟
‏**‏ وصلنا للهدف المحدد فوجدنا المكان خاليا من البشر وهذا يعكس خطأ السياسة والعسكرية المصرية آنذاك حيث أنه في الحروب لا يستقر العدو في مكانه وانما يقاتل من أماكن بديلة‏,‏ وفي‏8‏ يونيو واصلنا المسيرة من الغرب للشرق مهتدين بالنجم القطبي حتي وصلنا الي وادي فسيح واقتربنا من أحد البدو الذي ارتعد لمنظرنا ظنا منه أننا اسرائيليون وعندما عرف هويتنا وضع رأسه بين يديه وجلس يبكي وقال لنا‏:‏ الحرب انتهت يا شباب‏..‏ لقد احتلوا الضفة الغربية بالكامل أمس وهم الان مسيطرون علي كل الطرق والمحاور المؤدية لنهر الاردن‏,‏ وقتها ادركنا أن الهزيمة لحقت بمصر وسوريا أيضا‏.‏
‏*‏ كيف عدتم الي الاردن؟
‏**‏ سألت البدوي عن موقعنا الحالي والاتجاهات المؤدية لنهر الاردن بعيدا عن الطرق والمحاور الرئيسية وقام البدوي برسم خريطة علي الارض بعصاه توضح لنا خط السير الآمن وذكر لنا اسم القري والمدن الفلسطينية التي سنمر عليها وهي‏:‏خربة اللحم وقال مروا بها ثم زبين وقال لا تدخلوها ثم بيت دكو فاقصدوها لأن مختارها عمدة القرية‏-‏ مشهود له بالوطنية والشجاعة والكرم‏,‏ ثم تصعدون جبل يهوذا ومنها اليالنبع ثم اريحا ثم غور الأردن ومنها الي نهر الاردن وبعد عبوره تصلون الي مدينة السلط الاردنية‏,‏ وبالفعل بدأنا المسير وفقا لكلام الرجل بدءا من مساء‏8‏ يونيو والجميل في الامرأن يوم‏9‏ يونيو عاد قائد مجموعتنا الاصلي الرائد حسين مختار الذي فقدناه داخل فلسطين ليلة‏6/5‏ يونيو وكنا وقتها في خربة اللحم وجدناه مترنحا خائر القوي غير قادر علي الكلام‏.‏
‏*‏ كيف تبينتم من وقوع الهزيمة بسيناء؟ وكيف استقبلتم الحقيقة؟
‏**‏ استمعنا لاذاعة صوت العرب فوجدنا نداء الي جلال وحلمي من قادة المجموعة الأصلية‏-‏ أن عودوا الي قواعدكم وأن تلك الرسالة تتكرر يوميا منذ‏5‏ يونيو بعد وقوع الهزيمة علي الجبهات الثلاث وسمعنا أيضا عن وصول القوات الاسرائيلية الي قناة السويس وافتتاح ميناء ايلات واعلان عبد الناصر عن مسئوليته عن الهزيمة وتنيحه عن منصبه وأخبار عن عزل المشير عبد الحكيم عامر وكل خبر نسمعه ينزل علينا كالصاعقة‏,‏ وعلمنا أنه تم ضرب سيناء ومدن القناة ومن قبلها جميع القواعد الجوية في أنحاء الجمهورية في‏6‏ ساعات مستغلين وجود طائرة المشير عبد الحكيم عامر في الجو وكان يمنع الضرب الجوي أثناء تحليق طائرته وعلمنا أيضا بالهجوم علي جبل الشيخ ومرتفعات الجولان بسوريا ثم ضرب رام الله بالأردن‏,‏ وبكينا جميعا دمعا ساخنا حزينا وانخفضت معنوياتنا فما كان مني الا أن صرخت في المجموعة بالنهوض والانتباه وعدم الاستسلام وفجأة يستجيب الجميع لا اراديا لأوامري ونقف صفا في ثكنة عسكرية ورددت فيهم أنه لابد أن نتغلب علي مشاعرنا وأن نعود لوطننا مرفوعي الرأس بروح معنوية عالية لأن معركتنا القادمة في مصر‏.‏
‏*‏ ماذا واجهتم أثناء رحلة العودة؟
‏**‏بالطبع خاف بعض الأهالي من استضافتنا خوفا من بطش العدو الذي جاء ليبحث عنا في كل مكان ورحب بنا الآخرون خاصة مختار بيت دكو الفلسطينية الذي أحسن ضيافتنا وأسكننا في مغارة كانت تعقد بها الندوات السياسية ليل نهار حول النكسة وأسبابها وهنا حملني المختار رسالة وشدد علي أن أبلغها حرفيا الي الرئيس جمال عبد الناصر والفريق محمد فوزي مفادها أن تكون هذه آخر الحروب فقط يجب اعداد جيوش عربية قوية تدافع عن حدودها لمنع اسرائيل من تنفيذ مخططها الصهيوني من النيل الي الفرات‏-‏ ومطلوب من القادة العرب دعم المقاومة الفلسطينية سياسيا في المحافل الدولية وماديا واداريا مع أهمية استمرار امدادنا بالأسلحة المتطورة والذخائر لامكان استمرار المقاومة الفلسطينية وبالفعل بلغت الرسالة عندما عدت الي مصر‏,‏ ثم واصلنا السير وفق خريطة البدوي حتي عبرنا بالفعل نهر الأردن وتحركنا باتجاه مدينة السلط وشاهدنا الدبابات العراقية مدمرة ومدافعها كحديد سائل علي الطريق واستقبلنا محافظ المدينة بالترحاب الشديد وكنا‏15‏ فردا من قوة الصاعقة المصرية التي عملت في هذا الاتجاه‏,‏ ويبقي أن تعرفوا أن القوة الكاملة التي اتجهت الي الأردن كانت‏600‏ ضابط وصف وجندي كما ذكرت سابقا استشهد معظمهم ولم يبق منهم سوي‏150‏ فردا كنا نحن ال‏15‏ منهم‏.‏
‏*‏ كيف عدتم الي مصر؟ وكيف وجدتم الموقف هناك؟
‏**‏ وجدنا القيادة المصرية موجودة برئاسة الأركان الأردنية وهم‏:‏ اللواء عبدالمنعم رياض والعميد طيار مصطفي شلبي الحناوي والعميد طيار علي بغدادي والمقدم منير شاش والمقدم كمال حجاب ورفضنا البقاء بالأردن وطلب قائد المجموعة من اللواء عبد المنعم رياض أن يلحق هو ومجموعته بزملائه الذين سبقوه الي ميناء بيروت بلبنان ليعودوا معا الي أرض الكنانة فوافق علي ذلك‏,‏ وعدنا الي مصر بعد سفر دام يوما كاملا‏,..‏ وكان أول قائد للقوات الجوية بعد النكسة هو العميد طيار مصطفي شلبي الحناوي‏,‏ بعد عودتنا تم اقصاء قائد القوة المقدم جلال الهريدي عن قيادة قوات الصاعقة لأنه كان قريبا من المشير عبد الحكيم عامر المعزول وهذا يفسر بوضوح لماذا لم يتم تكريم مجموعتنا التي استشهد منها ما يقرب من‏450‏ فردا أو حتي
تداول بطولاتها الخارقة في فلسطين عبر الجبهة الأردنية وكيف كبدت العدو خسائر فادحة‏,‏ رغم أنها نفس المجموعة التي شاركت في حرب الاستنزاف علي قناة السويس وتحديدا عند كوبري الرسوة جنوب بورسعيد شمال رأس العش‏,‏ وقد عملت بعدها مديرا لمكتب الفريق محمد فوزي وزير الحربية للمعلومات والعمليات الخاصة في الفترة من نهاية‏1968‏ وحتي نهاية‏1969‏ وبدأنا في بناء القوات المسلحة مستفيدين من دروس الهزيمة‏.‏
‏*‏ الآن وأنت تقرأ المشهد بعد‏44‏ عاما‏..‏ من المسئول عن النكسة؟
‏**‏ القرار الخاطئ للقيادة السياسية والعسكرية فلم تكن هناك قوة عسكرية تتمكن من الدفاع عن سيناء وتواجه العدو كما أن مسرح العمليات لم يكن مجهزا آنذاك للصمود أمام الهجوم فضلا عن وجود طائرة المشير في الجو مما منع خروج الطائرات المصرية للمواجهة أو حتي للحماية فضربت قواعدها جميعا بلا استثناء في جميع أنحاء مصر قبل بدء الهجوم علي سيناء‏,‏ وأضيف علي ذلك ما ذكره مختار بيت دكو الفلسطينية وبلغته للرئيس‏..‏ باختصار القوات المسلحة المصرية في يونيو‏1967‏ كانت غير مستعدة لقتال العدو وأن القرار السياسي والعسكري كان خطأ فادحا وهو سبب الهزيمة القاسية المتوقعة للجيش المصري في سيناء وهو سبب نكبة مصر وبقية العرب حتي الآن‏.‏
‏*‏ ماذا بعد النكسة‏..‏ خاصة وقد كنت بالقرب من الفريق محمد فوزي؟
‏**‏ قام الرئيس جمال عبدالناصر في تعاون وثيق مع الفريق محمد فوزي وزير الحربية وقيادات القوات المسلحة باعادة بناء القوات وتسليمها وتنظيمها وتدريبها واعداد خطط العمليات منذ عام‏1968‏ وحتي‏1973‏ وتم اعداد مسرح العمليات لاقتحام قناة السويس والاستيلاء علي خط بارليف وتدعيم الاحتياطيات القريبة واحتلال خط بعمق من‏12:15‏ كيلو شرق القناة كمهمة مباشرة للقوات المسلحة المصرية‏,‏ وتم الاعداد والتركيز واصدار المنشورات العسكرية لبناء القوات المسلحة والتدريب علي أعمال القتال المنتظرة اعتبارا من المنشور رقم‏1‏ وحتي المنشور رقم‏41‏ وكان هذا المنشور الأخير عبارة عن خطة عمليات القوات المسلحة لتنفيذ المهام القتالية المحددة لها والحمد لله تم تنفيذها بنجاح ويرجع الفضل في ذلك بعد الله الي التركيز النهائي لجميع رؤساء هيئة العمليات وخاصة اللواء محمد عبد الغني الجمسي وأيضا جميع رؤساء الهيئات والقادة في المدة من‏5‏ يناير‏1972‏ وحتي‏13‏ ديسمبر‏1973‏ وأيضا رؤساء الأركان وخاصة الفريق سعد الدين الشاذلي الذي أشرف علي اصدار المنشورات السابق ذكرها‏.‏
‏*‏ لماذا كل هذا الألم والحزن الواضح في حديثك؟
‏**‏ رأيت بعيني‏85‏ أخا لي يموتون ونحن نقاتل في فلسطين وكنت وقتها في السابعة والعشرين من عمري وقد جهلهم التاريخ ولم تكرمهم بلدهم‏,‏ ورأيت بعيني آثار النكسة في كل شبر بمصر وفي وجوه أبناء وطني وأتذكر ذلك جليا الآن وأنا في السبعين من عمري فأتساءل عن أبطال قهرهم الزمن وعن آخرين لم ينجزوا شيئا دخلوا عداد الأبطال‏...‏ ويقول‏:‏ أكثر ما يؤلمني الآن أن سيناء منذ نصر‏1973‏ وحتي الآن لم يتم تعميرها وكأننا دفعنا دماءنا وشبابنا وأرواحنا وضحينا بالغالي والنفيس لتحرير الأرض لكننا لم نحررها في حقيقة الأمر ومازالت سيناء حتي الآن أشبه بالصحراء ليس فيها بشر ولا ثمر ولا مصانع علي الرغم من الثروات الهائلة الكامنة فيها وقدم الكثيرون من خيرة أبناء هذا الوطن مشروعات ومشروعات لتعمير وعمران سيناء ظلت حبيسة الأدراج وأنا منهم‏...‏ وأخشي أن تتعرض لنكسة أخري ان لم يتم تنميتها وزراعتها بالبشر قبل الثمر‏.‏
‏*‏ في النهاية‏..‏ ماذا تود أن تقول؟
‏**‏ أتمني أن تنتهي الثورة المصرية علي خير وتحقق أهدافها الحقيقية للنهضة وعلي الجميع العمل كل من موقعه ومكانه من أجل تنمية واعمار مصر ودفع عجلة الاقتصاد والانتاج والاتجاه الي تنمية سيناء بالمشروعات القومية وأقسم أن بها ثروات لا تعد ولا تحصي يمكن من خلالها القضاء علي مشكلات البطالة وتوزيع السكان والزراعة وغيرها من المشروعات التنموية الشاملة‏...‏ بقي فقط أن أشير الي معركتي رأس العش بسيناء يوم‏29‏ يونيو‏1967‏ وعملية اغراق المدمرة إيلات أمام سواحل سيناء بالبحر الأبيض المتوسط يوم‏21‏ أكتوبر‏1967‏ كأبرز نقطة بيضاء شرفت القوات المصرية حتي عدت انتصار أكتوبر‏.1973‏


إضافة تعليق

البيانات مطلوبة

اسمك
*


بريد الالكترونى *
البريد الالكتروني غير صحيح

عنوان التعليق *


تعليق
*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.