«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات هيكل الجزء السابع و الثلاثون
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 08 - 2010

تغضب الجغرافيا أحيانا وكذلك يغضب التاريخ، وغضب الجغرافيا أحيانا نحن نعرفه حين تثور لأسباب كثيرة وعوامل طبيعية فإذا بالبراكين والعواصف والزلازل وحتى انفجار البراكين كما رأينا أخيرا على سبيل المثال فى أيسلندا، والنتيجة أن هناك حالة دمار تأكل الأقاليم وتتعدى على الأوطان، ويحدث فى التاريخ نفس الشىء، وتفاعلات وأزمات ولا تحل أشياء وحقوق وأشياء كثيرة جدا، وكثيرا ما تبقى أشياء مكبوتة دون حل، وينتهز فرصة لكى ينطلق وكذلك تحدث غضبات التاريخ.
وعرفنا كثيرا من غضب التاريخ فى العالم العربى فى التاريخ الحديث والذى رأته أجيالنا مثل حريق القاهرة و67 وهناك غضبات تفجر فيها أشياء فى كل المحيطين بها وتحدث دمارا ومشاكل كبرى.
سنة 1970 كان باديا، خصوصا بعد زيارة جمال عبدالناصر السرية لموسكو ومجىء قوات سوفيتية للدفاع عن العمق ودخول صواريخ، وواضح على وجه القطع أن هناك معركة قادمة وهناك حربا يعد لها، وكل المعنيين بالأمور مستعدين لانفجار من نوع ما قادم بشكل أو بآخر وكل الأطراف تحاول فيما أظن أن ترتب مواقعها لكى تكون جاهزة عندما تجىء لحظة هبوب العاصفة.
وكان واضح أن مجالا أو ميدانا من أهم ميادينها فى الأردن لكن أكبر شحنة غضب موجودة فى المنطقة كانت الشحنة الفلسطينية، والشحنة الفلسطينية تحولت ولأسباب واضحة من قبل وعد بيلفور لأنها لم تنجح بالقدر الذى تمنته وهى صاحبة حق وتجمعت عوامل وعناصر للغضب الفلسطينى، ولسوء الحظ أنها تجمعت كلها فى الضفة الشرقية من الأردن المطلة على الضفة الغربية، وبالتالى بدا أن تحول الأردن لجبل غضب وأن فوهة الانفجار وهذا الجبل المملوء بالنار والدمار والحقوق الضائعة والأسى والرغبة فى المقاومة والإحساس بالحق الضائع بدا أن الأردن جبل غضب وعمان فوهة البركان والكل يتحرك.
وكان الملك حسين وهو قائد ذكى قد بدأ يرى القادم والذى يتجمع فى بلده فى الأردن والذى يتحفز فى عمان لأنه تقريبا كل فصائل المقاومة التى تريد أن تكون قريبة من الأرض الفلسطينية المحتلة وجدت وساعدتها الظروف على أن تجد مواقع لها فى عمان وننسى مرات أن نصف الشعب الأردنى من أصول فلسطينية وحتى سكان الشرق الأصليين بالدرجة الأولى فلسطينيون وكل جنوب سوريا تاريخيا.
وأصبح الوضع فى عمان يقلق الملك حسين وهو يرى ما يجرى حوله ويدرك أن هناك تحولات رئيسية داخلة وأن المنطقة متجهة على وجه اليقين إلى عاصفة وهو يريد أن يؤمن نفسه.
ولم يترك الملك حسين لأحد مجالا أن نشك فيما يقوم به، وكنا مرات نشك ولكننا ليس لدينا معلومات واضحة عما يجرى وأنا أذكر هنا أننى لا أحكم على الملك حسين حكما قاطعا لأنه لا يمكن أن نحكم على حكم سياسى إلا بمرجعياته وبالظروف التى تحيط به ورؤيته لهذه الظروف.
أحكام القيمة وأحكام التاريخ لها مجالها، وإذا كان الكلام فى السياسة فالفهم ما قبل الحكم فى اعتقادى ضرورى جدا، وقال الملك حسين وبوضوح فى ذلك الوقت ومسجلة لدى «آفى شلايم»، وهى موجودة مع آفى شلايم، وهو أستاذ تاريخ معاصر فى أكسفورد وهو يهودى يحمل الجنسية الإسرائيلية إلى جانب الجنسية البريطانية وهو صاحب موقف حييته عليه مرة فى أكسفورد لأنه قال إن الغلطة الكبرى التاريخية فى القرن العشرين هى إنشاء إسرائيل.
ولآفى شلايم شرائط مسجلة مع الملك حسين فى 17 فبراير سنة 1970 بعد شهر من إعلان ذهاب عبدالناصر فى زيارة سرية لموسكو وأن هناك وجودا سوفيتيا سيأتى للدفاع عن العمق وأن هناك أسلحة وصواريخ جديدة وأن الحرب القادمة هى حرب صواريخ ومصر تأخذها على هذا الشكل وترتب لها.
وأرسل الملك حسين فى ذلك الوقت وسجله آفى شلايم بصوت الملك فى ذلك الوقت يوم 16 فبراير للحكومة الإسرائيلية بثلاثة أسئلة عن طريق نائب السفير الأمريكى فى عمان أورن زولن وبلغه ثلاثة أسئلة، أملاها عليه طبقا لرواية الملك، السؤال الأول هل توافق إسرائيل على أن تنتهز فرصة قيام الملك على تصفية المقاومة المتربصة بعرشه والمستعدة للدخول فى معركة ضده وضد إسرائيل فى لحظة ما من هذه السنة؟،
وهل يمكن لإسرائيل أن تتعهد بأن تقف بعيدة عن هذه العملية إذا اضطر الملك لسحب قواته الموجودة على الجبهة لكى يستعملها فى الداخل فى عمان مع الفدائيين؟، وهل يستطيع الملك أن يطمئن أن إسرائيل حتى إذا واجهتها عمليات فدائية قامت بها المنظمات أنها لن ترد بغارات انتقامية حتى لا تشوش على معركة الملك مع المقاومة وتستطيع أن تعطيه هذا التعهد؟!، والسؤال الثالث هل يستطيع الملك أن يعتمد على إسرائيل فى حالة ما إذا هاجمه جيران له بدعوى نصرة الفدائيين؟!.
وكان الملك هنا يتحدث بوضوح عن سوريا المجاورة وعلى العراق لأن العراق فى ذلك الوقت كان لديها ما بين 14 ل17 ألف جندى موجودين فى الخلف وراء المعسكرات الزرقاء فى الأردن ودخلوا أيام الحرب وقالوا إنهم سيخرجون لكنهم كانوا موجودين وهى قوة يمكن أن تتدخل فى حالة ما إذا حدث شىء فى عمان.
وكان يريد الملك أن يسأل عن هل سيتم تخفيف الخطوط، وتصفية المجموعات الفدائية وطلب منهم ألا يستغلوا فرصة تخفيف الخطوط والشىء الآخر ألا يقوموا بعمليات انتقامية فى الوقت الذى يعملون فيه ضد الفدائيين والشىء الثالث أنه إذا حدث لإحدى دول الجوار غير ما تسمى سوريا أو القوات العراقية فى الأردن تدخلت هل ستساعدونه؟.
وعاد أورن وأخبره بالردود أن الملك يستطيع أن يسحب قوات من الجبهة ولن تستغل إسرائيل سحب القوات من الجبهة لأى هدف.
وقال له إن إسرائيل لا تستطيع قبول أى عمليات انتقامية يقوم بها الفدائيون وسوف ترد عليه وأن طلبه فى هذه النقطة مرفوض، وفيما يتعلق بالموضوع الثالث إذا حدث أن أحدا منهم حاول مساعدة الفدائيين فكان الرد الإسرائيلى هو أننا سوف ننظر فى ذلك فى حينه لكن فى هذا الوقت نحن لا نستطيع أن نعطى تعهدا.
وكانت هناك تطمينات فى أجزاء من كلام إسرائيل للملك حسين لكن حكاية أنهم سوف يقومون بغارات انتقامية إذا حصلت عمليات ضدهم ووقتها سيتحدثون فيما يمكن أن يفعلوه مع الجيران جعل الملك حسين يشعر بقلق وبالتالى قرر فى فبراير أن سينتظر الظروف، وهو عنده ما لديه لكنه سينتظر الظروف ولم يغير الملك أهدافه فى شىء فى أن يصفى الموقف فى عمان قبل أن ينفجر ضده بركان، وهنا آفى شلايم قال إن قرار الملك لم يكن ينطبق على تأجيله تغيير موقفه وإنما يعنى وصفه فى هذه الحالة أن الملك قرر أنه سيتراجع لأنه قرر أن يقفز للأبعد.
وكان الموقف متوترا والنوايا واضحة مع الحاصل فى الجبهة فى مصر ومع التطورات الجارية وحائط الصواريخ، ووقتها فوجئت جماعات المقاومة ولم تستطع أن تفهم بالضبط لماذا قبلت مصر مبادرة روجرز وليس مشروع روجرز ووقف إطلاق النار الذى قلقهم وهاجموا بعدها الموقف المصرى، وشرحت أنا كيف أننا أغلقنا المحطات الإذاعية الفلسطينية وتصور الملك أنه خلاف فصائل المقاومة مع مصر قد يعطيه غطاء بمعنى أنه يرفع الغطاء المصرى عن المقاومة الفلسطينية، وأظن أن هناك خطأ فى الحسابات.
لقد أخطأت المنظمات والفصائل الفلسطينية بهجومها على مصر دون علم، كما أخطأ الملك حسين بتصوره أن خلاف مصر مع الفلسطينيين أو منظمات المقاومة يعنى أن مصر رفعت غطاءها السياسى عن المقاومة، وهنا سلاسل أخطاء تؤدى إلى انفجارات تحدث لما تتصادم عوامل مع بعضها.
وفى ذلك الوقت، بدا أن الملك حسين على وشك أن يقوم بخطأ كبير جدا وجرى اتصال معه ودعاه جمال عبدالناصر لمقابلته فى الإسكندرية.
وقال الملك حسين إنه سيفرغ من بعض المهام وسيأتى لمقابلة جمال عبدالناصر، وكان واضحا أنه سيأتى بعد أن ينتهى من تصفية الجزء الأكبر من المقاومة.
وأرسل له جمال عبدالناصر مرة أخرى يقول له إذا لم تكن مستعدا للحضور فأنا سأحضر، لكن مجيئى فى هذه اللحظة فى عمان سيؤدى إلى تفاعلات لا يمكن إدراك مداها وأدرك الملك معنى الرسالة وأتى.
وصل الملك للإسكندرية يوم 22 أغسطس سنة 1970 والأزمة والموقف فى إطلاق النار مقلق وحائط الصواريخ دخل للجبهة وعدم الفهم بشأن أهدافه موجود وشائع فى المقاومة.
وجاء الملك والموقف كله مقلق وحينما رأيت الملك وكنت قد تركت وزارة الخارجية وكنت وزيرا للإعلام وعضوا رسميا فى الوفد، وطلب الملك أن يرانى صباحا فى الجناح الذى كان به فى قصر رأس التين وقال لى إن الإعلام المصرى كان يضايقه لكنه تفاءل خيرا بغلق الإذاعات الفلسطينية، وقال لى «هل رأيت ما فعلوه بك»، فقلت له إنى مدرك ومقدر، وكنت معه فى العاشرة إلا الربع صباحا وموعد الجلسة الأولى وكنت عضوا فى الوفد الرسمى الساعة الحادية عشرة،
وأنا أعلم ما سيقوله عبدالناصر وكان هناك اجتماع سابق وبحث لما سيقال للملك ورسالة قوية للملك وأنا ليس من حقى ولا سلطتى أن أستبق ما يقوله جمال عبدالناصر وأنا كنت أسمع الملك وأحاول ألا أجيب عن شىء وفى نفس الوقت لا أريد أن أجلس أمامه صنما، فقلت له إن هناك أشياء مفهومة، وأنا والله كنت حزينا جدا لغلقى هذه الإذاعات، وشرح لى الملك ما حدث فى عمان.
وجاء موعد المحادثات وكانت جلستين، فى الأولى قال عبدالناصر إن الموقف الذى يجرى فى عمان لا نستطيع قبوله وأريد أن أسمع منك، وبدأ الملك يحكى عن تجاوزات المقاومة ودولة داخل الدولة وأخرج خريطة لعمان وبدأ يشرح المواقع وكيف أنها متداخلة وأنها إنذار لحرب أهلية وقال إنه حتى على جبل حسين الموجود فيه قصر الملك هناك مخيم لاجئين وقيادة الصاعقة وفتح وجيش التحرير الفلسطينى، وأصبح الموقف متداخلا والجيش الأردنى ينتظر أمر الملك بتصفية المقاومة مرة واحدة وبضربة واحدة وأن الملك لا يقود معركة ضد الفدائيين لكن ما يقلقه أنه يكبح جماح الجيش لعدم قبول الجيش لهذا.
ورد عبدالناصر أنه متفهم لموقفه ونحن ضد تجاوزات ورأينا نحن بعض هذه التجاوزات وتصدينا لها بمنطق معقول دون سلاح، وقضية استخدام السلاح ضد الفصائل الفلسطينية مسألة خطيرة لا يمكن قبولها
ولكى تبقى المسائل واضحة، أرجو ضبط النفس وأن مصر لا تستطيع أن تسمح بتصفية فصائل المقاومة وبوضوح ونحن لا نريد لأحد أن يخطئ فى الحساب ونرى أنه حتى فى تجاوزاتها نعى بعض هذه التجاوزات لكننا نرى أن هناك أسلوبا واحدا فقط وهو الحوار معها بقصد وقف هذه التجاوزات، لكن بدا فهمنا لموقف الملك قد يكون أغراها أو بعض المحيطين به يصورون له الموقف بشكل مختلف، إلى جانب وجود تحريض أمريكى فى عمان فى هذه الفترة، كسينجر وروجرز، تحريض كبير لينهى الموقف فى عمان وتصفية الفصائل الفلسطينية.
وكان فى الاعتقاد أنه إذا تمت تصفية فصائل المقاومة فقد أغلقت جبهة خطيرة فى المشرق، لأن هذه الجبهة إذا أغلقت بالقوة ستؤثر على سوريا والعراق ولن تجعل لهم قضية وكل دعاوى الواقفين على القضية الفلسطينية وراء الشعب الفلسطينى، فإذا ضربت رموز مقاومته فى عمان وخمدت الثورة الفلسطينية مع وجود الضفة الغربية محتلة ولا صوت لفلسطينى فى الضفة الشرقية عليها، إذن فقد تغيرت أشياء كثيرة.
وبعد سفر الملك دعونا ياسر عرفات للحضور وجرت مباحثات حول التهدئة وجاء عرفات ليقابلنى فى مكتبى فى الأهرام وناقشته فى مسألة إغلاق محطات الإذاعة الفلسطينية وقلت له إن هذا لا يجوز وقصدت أن خبر مجىء عرفات فى الأهرام أن أضعه وفى الصفحة الأولى خلافا لقواعد أنا اتبعتها ولكن ليعرفوا موقفنا وحدود ما تحدثنا عنه مع الملك حسين.
وبعد عودة الملك بدأت المعارك واحدة بعد أخرى وان هناك مسألة جدية فى تصفية المقاومة والرسالة التى أخذها الملك إما أنه لم يفهمها أو أراد أن يأخذ الجزء الواحد منها أننا نفهم الموقف أو هناك تحريض أقوى وتصور أن مصر قد تتضايق ولكن ماذا عليها أن تفعل؟
وبدا أن هناك معارك تشتد وعناصر المقاومة الفلسطينية تستغيث وأنا هنا أمامى كل التقارير الأمريكية والإنجليزية والإسرائيلية والفرنسية تقول إن الملك قادر على تصفية المقاومة، وجاء الملك فى هذه اللحظة الخطيرة واتخذ قرارا لأن هناك بعض المدنيين فى الأردن قلقون وهناك بعض السياسيين قلقون وإذا بالملك يؤلف وزارة عسكرية وتم تكوينها بمرسوم عسكرى،
ويصدر الملك قرارا بأن الزعيم محمد داود رئيسا للوزراء ورئيسا للخارجية ورئيس أركان حرب القوات المسلحة الأردنية. ويريد أن يقول الملك إن جيشه الأردنى كله يقف خلفه وأن جيشه هو فى هذه اللحظة متولى المسئولية السياسية والعسكرية، وأرسل لى أبوعمار رسائل وأرسل للفريق صادق رئيس أركان حرب وهو على صلة به فى بداية تسليحه عن طريق الاتحاد السوفيتى وبواسطتنا وكل المساعدات المصرية للفصائل الفلسطينية عن طريق الفريق فوزى، وكنا نحاول أن نعطى سندا إعلاميا ليعوض عن فقدان الإذاعة الفلسطينية، وأرسل أبوعمار رسائل بعضها رصين وبعضها فيه عاطفة ومبالغة.
وشعر عبدالناصر أنه سواء بوزارة عسكرية أو لا فهى مواجهة، وأراد الملك أن يقول إنه ماضٍ فى هذه المعركة لآخرها وفصائل المقاومة بدأت تبلغ أنهم سيدخلون بالقوة لعمان وسيسقطون نظام الملك، وبدأ السوريون يكون لهم موقف سأتحدث عنه فيما بعد.
قرر عبدالناصر إرسال الفريق محمد أحمد صادق إلى عمان برسالة للملك وقابل الملك عدة مرات قال له إن ما تم الاتفاق عليه فى الإسكندرية ليس الذى تنفذونه وإن الرسالة الأساسية أن هناك من يشيع أن القاهرة توافق على ما تفعلونه وهذا ينبغى تصحيحه، وأخطر من تصحيحه فى أذهان الناس هو تصحيحه فى أذهانكم إذا كان هناك لبس فى شأنه وهذه العمليات ضد المقاومة لا بد أن تتوقف.
والملك فى موقفه وهو متصل بالإسرائيليين ويحرضه الأمريكان وقال الوطن والفداء وكان دائما يقول فى الخطاب الهاشمى بالحديث عن الشهادة دون شهادة، وفى التاريخ العربى نعرف أن الخطابة تغلب عليها أشياء كثيرة وتأخذها الناس بالألفاظ، وقال أحد المؤرخين؛ ماكس هستينس على تشرشل فى الحرب إنه بخطابته البليغة جند اللغة الانجليزية عسكريا ثم دخل باللغة جيشا للمعركة، وهذا يحدث مرات عندنا، وطنين الألفاظ العربية ووقعها تكون فى مرات قوية.
ووجد الفريق صادق نفسه فى موقف لا يمكن قبوله وبدا تقاريره واضحة أنه على الرغم من تحذيره هناك إصرار وهناك وزارة عسكرية تعتذر، وذهب للملك كما قلت مرتين أو ثلاثة وهو يتلقى الوعود أن هناك خطأ وأن هذه المعلومة ليست دقيقة، ونتيجة لدخول الجيش الأردنى بهذه الطريقة ألقى القبض على أبو إياد مسئول الرصد وقبض على الآخرين من القادة الفلسطينيين كأبو جهاد مثلا،
وبدا الموقف يتطور والأمريكان والإسرائيليين يعتقدون بأن الملك قادر بالجيش وولاء الجيش على تصفية المقاومة وهذا هو الاعتقاد السائد لدى الجميع، وبدا الموقف أن الملك مشى إلى غير رجعة.
ويتقرر فى هذا الوقت سحب الفريق صادق لكن قبل انسحاب الفريق صادق وصلت له رسالة من مصر وهى رسالة أعتقد بأنها من أهم الوثائق السياسية فى هذا الوقت.
وهنا تقارير الفريق صادق بالقبض على قدومى وأبو إياد والملك قال إنه سيرسل تقريرا للرئيس والمعارك مستمرة إلى آخره، وتقول الرسالة المصرية للفريق صادق أن يغادر عمان بعد أن يسلم هذه الرسالة وهى من أهم الوثائق الموجودة حتى فى التاريخ العربى الحديث.
ونص الرسالة «جلالة الملك حسين بن طلال ملك المملكة الأردنية الهاشمية لقد طلبت إلى الفريق محمد صادق أن يبلغ جلالتكم بقرارى إليه أن يغادر عمان بعد التطورات المؤسفة والمحزنة التى مازالت مستمرة والتى لا نجد سبيلا لوقفها، واستمرار العمليات العسكرية لا بد أن تتوقف، وأنتم تذكرون فى لقائكم بنا فى 21 أغسطس الماضى أننى أوضحت لكم وجهة نظرى أنه ليس من المصلحة القومية العليا الآن ولا فى صالح نظامنا تصفية المقاومة،
وأدرك أن هناك أخطاء للمقاومة ولكن أى أخطاء لا تبرر هذا الذى يجرى، ولا أملك إلا مصارحتكم أن الظروف التى دفعت إلى هذا لا يمكن أن تبقى بدون علاج، وأن الجمهورية العربية المتحدة تؤمن بأهمية دور المقاومة الفلسطينية وتؤمن بشرعيتها والنضال المستمر ضد العدو والفريق محمد أحمد صادق نداء أخير لوقف إطلاق النار وتقدير مواقفنا وكرجاء نهائى فإنى أرجوكم الاستجابة لهذا النداء فى أسرع وقت والآن، ونريدك أن تعرف أننا لن نسمح بتصفية المقاومة الفلسطينية ولن يكون فى مقدور أحد أن يصفيها وانا أعرف لك مواقف مشرفة ولقد سمعتك أكثر من مرة تتحدث عن شعبك وعن أمتك وهذه فرصة أخيرة متاحة لنا جميعا لتكون تصرفاتنا على مستوى مسئوليتنا التاريخية ولكن توفيق الله معك فيما تقرر.. جمال عبدالناصر.
وبدأت توضع خطط لحل هذا الموقف ولا بد لهذه الخطط أن نتشاور مع بعض إخواننا مع العالم العربى، وكان فى نفس الوقت اجتماع فى القاهرة وحضره بعض السعوديين وسوريا والجزائر وقرر الملك أن يرسل رئيس وزرائه وقائد جيشه الزعيم محمد داود، وجاء محمد داود والموقف متوتر على آخره،
وهذا الذى جرى فى ذلك اليوم فى هذه اللحظات فى سبتمبر وتندفع حوادث فى إعصار يندفع ولا أحد يعرف بماذا يرتطم هذا الإعصار، وحدث أن رئيس الوزراء العسكرى وهو فى القاهرة أرسل باستقالة يقول له إننى لا أستطيع أن أمارس مهام رئيس الوزراء القائمة العسكرية المتولية للجيش والقائمة على المواجهة وجاء ورأى أمامه وسمع ما يكفيه وأن يتبين مسئوليته القومية أين؟.
وفى ذلك الوقت القاهرة كانت تقود وتعرف ما تفعله بشكل أو بآخر لها مكانتها فى العالم العربى، وهذا الرجل الذى استقال قد رأى ضوءا بشكل أو بآخر وفى لقاءات مع أناس كثيرين ومحدودين ولقاءات طويلة ثم قرر رئيس الوزراء أن يكتب جواب الاستقالة وأنه سيبقى فى القاهرة لاجئا وهو تحول ليس فقط دراميا وأمامنا هذا التحول أريد أن ألفت النظر إليه فالمحاولات فيه كما جرى والفريق صادق وجه إنذارا وغادر
، وبعد ذلك وجه إنذارا لجمال عبدالناصر وقوة كبيرة تتربص ونقطة الارتكاز هى الجيش الأردنى وهذا الرجل بالتحديد، وكل القوى المحيطة بالمنطقة أمريكا وإسرائيل وشاه إيران، وهذا الموقف يوضح أن الأحداث تقاس بزمن وقوعها لأنه مرات كثيرة فى التاريخ حدث معين ينسى، وأعتقد بأن استقالة رئيس الوزراء فى ذلك الوقت أعتقد بأنها سقطت من كتاب التاريخ لكن الحوادث تقاس دائما بتأثيرها فى اللحظة التى وقعت فيها ومدى ما فعلته فى إعادة توجيه الأمور إلى حد معين.
استقالة محمد داود من القاهرة وهو من هو فى هذه الظروف أعتقد بأنها أشعلت نارا فى عواصم أخرى وقوى أخرى وأعتقد بأن هناك قرارات كثيرة اتخذتها قوى رجحت مواقف لديها فى هذه اللحظة لأنه ببساطة لم يصبح الملك قادرا على مواصلة معركته أمام الفدائيين لأنه عندما يستقيل رئيس وزرائه إذن معناه أنه فى داخل القوات المسلحة أشياء لا يدركها الملك وعندما عين الأخير وزارة عسكرية فى جوانب فاتت عليه ودليلها استقالة رئيس الوزراء،
وكنت وقتها مشغولا بأشياء أخرى، حيث وجدت صحفيين أجانب موجودين بكثرة فى عمان وكانوا يغطوا مراسلين، ووجدت رسالة لى وكنت أعقد مؤتمرا صحفيا كل أسبوع، وفى تلك الأزمة وجدت رسالة من مراسلى عمان وسلمها لى رئيس نادى المراسلين فى القاهرة ورسالة من الخارجية أيضا، ووثيقة عمان هذه جاءت من المراسلين المقيمين بفندق بعمان والموجهة للسيد الوزير، وهناك أكثر من 100 صحفى فى عمان يطلبون منى كوزير ومسئول أن أرتب طريقا لخروجهم، وانحصروا فى المعارك ولا يستطيعون المغادرة ووجدت من بين الموقعين على الرسالة «أرمد ديبوراجرام» الذى أصبح رئيس تحرير النيوزويك.
ووسط هذا كله محاولة محادثة الملك حسين ولكن الأخير بعد استقالة داود لم يكن فى استطاعته أن يحدث أحدا لكن على أى حال وصلت رسالتى ولم يرد على المكالمة وطلبت منهم هناك إبلاغه بأننى شخصيا أترجاه أن أرسل طائرة تأخذ هؤلاء الصحفيين وتعود بهم للقاهرة، ولم يرد أحد.
وبعد عودة الفريق صادق قال إنهم يذهبون لقاعدة المفرق لأن مطارات عمان كلها مغلقة، ووجدت برقية من أبوعمار يقول لقد خدعنا العراقيون لأنهم قالوا إنهم سيتدخلون فى قاعدة الزرقا ب17 ألف جندى ثم لم يظهر له أثر عندما بدأت المعركة، وفى تلك الفترة غليان وزلازل وبراكين لكن هناك شيئا واضحا وله أثره فيما بعد هو أن هناك عاصمة معينة ممسكة بزمام موقف معين قريبة من غضب الطبيعة لكن يد قوية فى القاهرة ممسكة من تحول تداعيات هذا إلى انفجار يأخذ الكل للهاوية
حوارات هيكل (الجزء الأول)
حوارات هيكل (الجزء الثاني)
حوارات هيكل (الجزء الثالث)
حوارات هيكل (الجزء الرابع)
حوارات هيكل (الجزء الخامس)
حوارات هيكل (الجزء السادس)
حوارات هيكل (الجزء السابع)
حوارات هيكل (الجزء الثامن)
حوارات هيكل (الجزء التاسع)
حوارات هيكل (الجزء العاشر)
حوارات هيكل (الجزء الحادي عشر)
حوارات هيكل ( الجزء الثاني عشر)
حوارات هيكل (الجزء الثالث عشر)
حوارات هيكل (الجزء الرابع عشر)
حوارات هيكل (الجزء الخامس عشر)
حوارات هيكل (الجزء السادس عشر)
حوارات هيكل ( الجزء السابع عشر)
حوارات هيكل (الجزء الثامن عشر)
حوارات هيكل( الجزءالتاسع عشر)
حوارات هيكل (الجزء العشرون)
حوارات هيكل (الجزء الواحد والعشرون)
حوارات هيكل الجزء(22)
حوارات هيكل الجزء الثالث والعشرون
حوارات هيكل الجزء الرابع والعشرون
حوارات هيكل الجزء الخامس والعشرون
حوارات هيكل الجزء السادس والعشرون
حوارات هيكل الجزء السابع والعشرون
حوارات هيكل الجزء الثامن والعشرون
حوارات هيكل الجزء التاسع والعشرون
حوارات هيكل الجزء الثلاثون
حوارات هيكل الجزء الواحد والثلاثون
حوارات هيكل الجزء الثانى والتلاثون
حوارات هيكل الجزء الثالث والثلاثون
حوارات هيكل الجزء الرابع و الثلاثون
حوارات هيكل الجزء الخامس و الثلاثون
حوارات هيكل الجزء السادس و الثلاثون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.