قبل أن نتحدث عن البراكين وخاصة بركان أيسلندا الذى ثار مؤخرا وبدأ يقذف بدخانه ورماده البركانى لابد أن نعطى صورة لشكل الكرة الأرضية وتكوينها.. فمعرفة هذا التكوين تساعدنا كثيرا على فهم كوكبنا الأرضى وما يحدث لنا على سطحه وما نرى شواهده من زلازل وبراكين تظهر هنا وهناك فى أنحاء عديدة من العالم برغم تقسيماتنا التى نبتدعها من حزام الزلازل أو حزام البراكين. بيد أن هذه الظواهر من زلازل وبراكين لوحظ أنها تتركز فى نقاط ومناطق معينة على سطح القشرة الأرضية هى فى الأصل مناطق ضعف فى هذه القشرة تمكنت خلالها صهارة باطن الأرض أن تجد طريقها إلى أعلى سطح القشرة الأرضية. بما أن الأرض كرة وللكرة مركز فإننا بداية نستعرض مكونات طبقات هذه الكرة من السطح حتى العمق السحيق. تسمى الطبقة السطحية بطبقة القشرة الأرضية ويتراوح سمكها بين خمسة كيلومترات فى مناطق قيعان المحيطات وأربعين كيلومترا فى مناطق اليابس من الكرة الأرضية، تليها طبقات الدرع التى يقدر سمكها بنحو 2900كم، هذه الطبقة تتعرض إلى اللدونة كلما اقتربت من المركز، تلى ذلك طبقات اللب الخارجى ويصل سمكها إلي 2260 كيلومترا، بينما يصل سمك اللب الداخلى إلى حوالى 2220كم. وتزداد درجة الحرارة مع العمق لتصل إلى درجات تصهر أى صخور تتعرض لها ويبقى مركز الأرض فى حالة صهير وفوران دائم. وهذا الصهير مكون عادة من أكاسيد السيليكا والألومينا وهى فى تركيبها الكيميائى تقارب صخور الجرانيت. وقد أمكن علميا التعرف على هذه المكونات بالطرق السيزمية والأجهزة السيزمية المتقدمة إذ إنه من المستحيل أخذ عينات من هذه الأعماق بأى وسيلة لتحليلها ولكن أمكن للعلماء الوصول إلى هذه الاستنتاجات بالمقارنة والحدث العلمى. وعن أصل الكرة الأرضية وإن كانت غير كاملة الاستدارة كالكرة فإنها تشكلت من ذرات سديمية من الغاز والبخار الذى تجمع حول نقطة المركز وتتزايد ذرات هذا السديم وذلك منذ بلايين السنين. يعرف البركان بأنه مخروط ذو قاعدة عريضة وقمة ضيقة بها فتحة متسعة يخرج منها الرماد البركانى والأبخرة والغازات أو صهير الصخور متدفقا على هيئة حمم بركانية هى ما نسميه باللافا LAVA، أما الرماد البركانى والغازات فإنها قد تندفع إلى أعلى نتيجة شدة الضغط إلى ارتفاعات كبيرة فوق سطح البركان قد تصل إلى أكثر من خمسة عشر كيلومترا وهنا تتقاذفها الرياح الكونية لتدفع بها إلى أماكن بعيدة بحسب اتجاهات هذه الرياح ويتساقط هذا الرماد البركانى بكميات كبيرة وأحيانا بأحجام تتراوح بين بضعة ملليمترات أو عدة سنتيمترات والأخيرة تسمى مقذوفات بركانية وشظايا تسمى البريشيا البركانية، أما الصهير البركانى (LAVA) فإنه يخرج من فتحة المخروط البركانى ليسيل وينحدر إلى أسفل تكون درجة حرارته عالية جدا عند خروجه من فتحة البركان ثم يبرد تدريجيا وقد يصل تدفقه إلى عدة كيلومترات بعيدا عن فتحة البركان. ويحدث البركان عادة عندما يجد الصهير فى مركز الأرض ثغرة أو نقطة من نقاط الضعف فى القشرة الأرضية فى مكان ما، يؤدى فرق الضغط بين مكان الصهير وسطح الأرض إلى اندفاع الأبخرة والحمم إلى أعلى ولا ينقطع أثره ذلك إلى أن يتعادل الضغط ويعود إلى ما كان عليه، أما الرماد البركانى وما يصاحبه من أبخرة حمضية فإنها تأخذ مسارات تحددها التيارات الهوائية فى طبقات الجو العليا لتسقطها الأمطار فى أماكن بعيدة عن مصدر البركان ربما بآلاف الكيلومترات. وأهم براكين العالم هو بركان فيزوف وبركان أطنه فى إيطاليا وإندونيسيا والمكسيك والأكوادور والولايات المتحدةالأمريكية وأخيرا بركان أيسلندا وهى جزيرة تقع إلى الشمال من الجزيرة الإنجليزية يقطنها نحو 300 ألف نسمة ولاتزيد مساحتها على 103 آلاف كيلومتر مربع وعاصمتها ديكيافيك التى يصل عدد سكانها إلى 90 ألف نسمة. ولايقتصر ظهور البراكين على سطح الأرض اليابس ولكن الكثير من البراكين يظهر فى قاع المحيطات ويعلو المخروط البركانى تحت الماء - ماء المحيط - حتى يصل إلى سطح الماء مكونا الجزر البركانية التى سرعان ما تنمو على أرضها الحشائش والمزروعات ويقطنها البشر بعد ذلك وهناك أمثلة عديدة لذلك. لقد لعبت البراكين وصهارتها دورا مهما منذ مئات الملايين من السنين وقذفت بحممها وغبارها البركانى الذى غطى مساحات واسعة جدا من سطح الكرة الأرضية منذ أكثر من 400 مليون سنة مكونة صخور ال Tuff وصخور البريشيا البركانية والتى أصبحت نتيجة أحداث تالية صخورا بركانية متحولة من أمثلتها الكثير فى مصر فى الصحراء الشرقية من جنوب القصير حتى حدودنا الجنوبية وجنوب سيناء وأيضا فى مثلث جبل العوينات بين مصر وليبيا والسودان وفى كل من المملكة العربية السعودية والسودان والحبشة ولم ينقطع الفوران والثورات البركانية على أرض مصر ولكنها ظهرت فى العصر الحديث منذ عصر الأوليجوسين (10 - 5 ملايين سنة) على هيئة طفوح من أمثلتها بازلت أبوزعبل وبازلت منطقة أبورواش وصخور بازلت مدينة 6 أكتوبر بمحافظة 6 أكتوبر وبازلت جبل قطرانى بالفيوم. أما فى الصحراء الشرقية فيوجد بعض هذه الطفوح البركانية البازلتية فى منطقة الشرم القبلى على ساحل البحر الأحمر جنوب القصير وبقايا بركان قديم فى منتصف وادى قنا عثر عليه عام .1968 أما خارج مصر ففى المملكة العربية السعودية يوجد عدد من طفوح البازلت تسمى الحرات «المفرد حرة» من أشهرها حرة شمال المدينةالمنورة والتى قيل أن هذا الطفح البركانى كان نشطا على عهد «الرسول صلى الله عليه وسلم» وأن هذا الطفح البركانى توقف سريانه على مشارف شمال المدينةالمنورة. وفى سوريا يوجد طفح بركانى قديم يشمل مساحة كبيرة من جنوب سوريا. وفى عصر الأوليجوسين (5 ملايين سنة) وفى شرق القاهرة الحالية كان بركان ديتبو الذى يمثله الآن قمة الجبل الأحمر (سموه حاليا الجبل الأخضر) والذى خمد ولم يثر منذ ذلك التاريخ ولازالت فتحته البركانية باقية حتى اليوم بنيت حولها مؤخرا مساكن شعبية يراها الناظر من بعد، أما أثر البركان القديم وهو من أبخرة السيليكا والحديد التى أثرت فى الرمال القديمة فإنه يعزى إليه اللون الأحمر لكل المنطقة والتى اقتطع منها المصرى القديم رمز الشمس بلونها الأحمر المميز علامة على التوهج «هليوبوليس» (ومش عارف مين اللى سماه الجبل الأخضر) كما كان يقتطع منه أحجار طحن الغلال والطواحين الحجرية القديمة والرحى المنزلية. ومن فضل الله على بلادنا والبلاد العربية أن هذه البراكين قد خمدت ولم يحدث ثوران لها منذ أكثر من 15 قرنا. أيسلند: تقع أيسلندا على بعد 1000 كم غرب النرويج وهى مجموعة جزر بركانية مساحتها 103 آلاف كم2 ويسكنها حوالى 300 ألف نسمة وتتميز أيسلندا بأنها أرض البراكين وصحارى الحمم البركانية وحقول الثلوج أى أنها أرض النار والثلوج كما يسمونها. ويعتمد اقتصاد أيسلندا على صيد السمك، حيث تصدر أيسلندا 70% من إنتاجها من السمك الذى يبلغ حوالى مليون طن سنويا. وتاريخ أيسلندا مع البراكين والزلازل تاريخ طويل، ففى القرن الماضى وبالتحديد فى 14 نوفمبر 1963 وبالقرب من جزر وستمان انفجر بركان من البخار والرماد والصهير البركانى ليغطى مساحة كبيرة من الأرض. وعندما جف الصهير البركانى تكونت جزيرة بركانية سميت سورتزى وفى 23 يناير 1973 انفجر بركان آخر. ولأن جزر أيسلندا غير مستقرة تكتونيا وجيولوجيا فإنها تتعرض أيضا إلى عدد كبير من الزلازل التى تسبق عادة الانفجار البركانى، أكد على ذلك ما أعلنته وكالات الأنباء عن أن بركان أيسلندا سبقته سلسلة من الزلازل قبل حدوث الانفجار بفترة قصيرة. تشير بعض الدراسات أن نحو ثلث الطفوح البركانية فى العالم فى الخمسمائة سنة الأخيرة نتجت فى أراضى أيسلندا التى يوجد بها أكثر من 100 بركان برغم مساحتها الصغيرة. وبالتبعية فإن أرض أيسلندا تتميز بوجود عدد كبير من عيون المياه الساخنة الصاعدة من باطن الأرض التى يتم جمعها ونقلها فى خطوط أنابيب للمنازل وحمامات السباحة وتدفئة الصوب التى مكنت أهل أيسلندا من زراعة الطماطم والخضروات والموز والخيار والخس وأيضا الزهور، كما تستخدم المياه المتدفقة من العيون الساخنة لإنتاج الكهرباء للمنازل ولصناعات تعليب وتجهيز الأسماك.