إذا أردنا أن نقيم المبادرة الرباعية التى أطلقتها مصر فيجب ألا نتوقف عند مسألة استهداف التأثير على الحالة السورية فقط، ومهما كان حظ المبادرة من النجاح فى حل المشكلة السورية، فإنها ولا شك ستكون قد نجحت فى تحقيق أهداف أخرى كثيرة وراء ذلك، فمن المعلوم أن هذه الدول الأربع تمثل القوى الرئيسية فى المنطقة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، ومجرد جلوسها مع بعضها البعض لتدارس الموقف والبحث عن حلول إنما يمثل فى حقيقة الواقع ما يشبه المجلس المصغر لإدارة شئون المنطقة، وهو ما يطعن الهيمنة الأمريكية فى مقتل، وينشئ حالة جديدة تستحق الدراسة فى الشرق الأوسط، ولو نظرنا إلى حال هذه الدول الأربع لوجدنا أن القاسم المشترك الذى يجمعها ليس هو الموقف من سوريا موضوع المبادرة, ولكنه الموقف من إسرائيل ومن القضية الفلسطينية، والذى يقع فى ظنى أن السياسة المصرية الخارجية اتخذت من المشكلة السورية سببًا لجمع هذه القوى فى بوتقة واحدة بشكل غير مسبوق فى التاريخ الحديث، لتعويدهم على الجلوس والتفاهم والتقارب ونسيان ما بينهم من مشاكل أو على الأقل التعود على إرجائها عند مواجهة المواقف الأهم والأخطر، وفى داخل هذا التجمع الرباعى ينبغى أن نلحظ تحالفاً ثنائياً خاصاً بين مصر والسعودية والتى ترمز هنا إلى كل دول الخليج، والجديد فى هذا التحالف أن العلاقة فيه مباشرة بين الطرفين لا دخل للوسيط الأمريكى فيه، ومن يراجع تاريخ العلاقات المصرية الخليجية يدرك قيمة وحجم ذلك التطور، فقد مرت العلاقات المصرية الخليجية بعدة مراحل، ففى عهد عبد الناصر تعرضت العلاقات لكثير من التوتر وعدم الارتياح نتيجة انتهاج الإدارة المصرية لسياسة معاداة الأنظمة الملكية وتشجيع الشعوب على الانقلاب عليها، وبدا استعداد عبد الناصر للتدخل فى الشأن الداخلى للدول المجاورة واضحًا من مسلكه تجاه بعض دول شمال ووسط إفريقيا، كما قرر عبد الناصر أن يتدخل عسكريًا لمؤازرة ثورة اليمن، فجعل الخطر قاب قوسين أو أدنى من جميع دول الخليج التى عاشت طوال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى بين مطرقة خطر عبد الناصر من جهة وسندان الخطر الإيرانى من جهة أخرى، ثم جاء عهد السادات لتبدأ مرحلة جديدة اتسمت بالتقارب الشديد غير المسبوق خلال فترة الإعداد لحرب أكتوبر وما بعدها حتى تم التوقيع على معاهدة السلام بشكل منفرد ودون مشاورات مسبقة مع الحلفاء العرب، فانقلب التقارب إلى تنافر وتحول التحالف إلى مقاطعة عربية صريحة، وعادت العلاقات إلى سابق عهدها من التوتر، ثم بدأ عهد مبارك الذى قرر أن يفتح الصفحة السوداء فى تاريخ مصر من التبعية والعمالة للأمريكان، وتحولت السياسة الخارجية فى عهده إلى مجرد تابع للسياسة الأمريكية، فدخلت السياسة الخارجية المصرية إلى حالة من الجمود والخمول والترهل، وأصبحت العلاقة بين مصر ودول الخليج علاقة استاتيكية ساكنة خالية من الحركة أو التفاعل، وأصبحت علاقة كل طرف منهما بأمريكا هى الأصل الفاعل، وعلاقة كل منهما بالآخر فرع غير مؤثر ولا أهمية له، ثم جاءت ثورة 25 يناير ليعود القلق والتوتر من جديد طوال الفترة الانتقالية، فالثورة أعادت إلى الأذهان فى الخليج الخوف من سياسة تصدير الثورة وتأليب الشعوب على حكامهم، لكن الرئيس مرسى بمجرد توليه السلطة جعل أول زيارة خارجية له إلى السعودية ليعلن من على أرضها رسائل الاطمئنان إلى كل دول الخليج داعيًا إلى التضامن والتوحد على خلفية العروبة والإسلام وليس على خلفية العمالة المشتركة لأمريكا، هذا عن العلاقات المصرية الخليجية، وربما فى مقال قادم نستطيع أن نتحدث عن العلاقات بين مصر وكل من تركيا وإيران، لكن على أى حال الرأى عندى أن الدول الأربع ستستفيد من المبادرة أكثر من سوريا نفسها. [email protected]