بلغ السيد الدكتور إد سكوت (Dr.Ed Scott)، رئيس جمعية ميتيوريتيكال (Meteoritical Society)، فى يوم 22 أغسطس 2012 م، العالم الدكتور أحمد الجريسى - المصرى الأصل، أن المؤسسة اجتمعت على منحه ميدالية ليوناردLeonard Medal - أرفع ميدالية دولية تمنح لكل من ثبت له دور رائد فى مجال علم النيازك (Meteorites) أو المجالات العلمية المتصلة بها – فى العام القادم، عام 2013م. وذلك فى حفل تكريم سيقام للدكتور الجريسى فى إدمنتون (Edmonton) – كندا، فى المؤتمر السنوى الذى أقامته الجمعية هناك فى الفترة من 29 يوليو إلى 2 أغسطس. باسمى واسم شركة جيولين أهنئك يا دكتور جريسى من كل قلبي، من على هذا المنبر العربى الإفريقى الفاضل، منبر "المصريون"، على هذا التشريف العظيم الذى تستحقه. نسأل الله أن يوفقك دائما وأبدا فى سعيك العلمى والبحثي، ومعنا فى نهضة مصر، المشروع الذى دائما نتحدث عنه، ونأمل إنجازه فى عهد السيد الرئيس الدكتور مرسي، الذى أطل على الجمهورية بحكمته وحكومته الراشدة. أعاننا الله فى ذلك، ووفقنا والدكتور مرسى على رفعة الوطن الغالي. تسمية ميدالية ليونارد ترجع إلى مؤسس جمعية ميتوريتيكال، العالم الدكتور فريدريك ليونارد [ Dr. Frederick C. Leonard ] (1896 - 1960)، الذى نهض بكيان الجمعية عام 1933 لتشجيع وتعزيز البحوث والدراسات العلمية المعنية بعلوم الكواكب (Planetary science)، التى تعد علوم النيازك (Meteorite) والعناصر الكونية (Extraterrestrial Materials) من أهم علومها الأساسية، للدور المحورى الذى تلعبه فى فهم نشأة الكون، فالكواكب، بما فى ذلك النظام الشمسي. للمجهود العظيم الذى بذله الدكتور ليونارد فى ذلك المجال، وكذلك لمجهوده العظيم فى جمع المجتمع الدولى للتواصل مع بعضه البعض من خلال مؤسسته، تم تكريم ذكراه من الجمعية بالميدالية التى تحمل اسمه، التى يتم منحها منذ عام 1966 لكل عالم رائد أفنى حياته - كالدكتور ليونارد - فى تقدم مجال علم النيازك (Meteorites) أو العلوم المتصلة بها، الذى يحصى منهم العالم الدكتور أحمد الجريسي، بشهادة الجمعية والمجتمع الدولي، الذى رشحهما وخيرهما لها. الإنجازات العلمية للدكتور الجريسى كثيرة. يخطئ من يظن أن علومه وبحوثه تنحصر فى العلوم الكونية، بل تتعدى ذلك إلى مجالات علمية وبحثية حيوية عديدة. أذكر منها الجيولوجيا (Geology) والكيمياء الكونية (Cosmochemistry) والعلوم المعدنية (Mineralogy)، ناهيكم عن العلوم المتصلة بالعلوم الكونية، كعلم الكواكب (Planets) والكويكبات (Asteroids) والغبار الكونى (Cosmic Dust) والمذنبات (Comets) وصدام الأجرام (Impact Events). أضف إلى ذلك بحر العلوم التى يملكها الدكتور الجريسى خارج المجالات العلمية التى درسها ويعمل بها، كالعلوم الفرعونية (Egyptology) والفن التاريخى للفراعنة (History of Art)، التى له فيها أيضا باع من الأعمال البحثية المميزة والقيمة. أذكر منها دراسة مراحل تطور العلوم المعدنية عند الفراعنة من خلال ما سخروه منه فى الفن الفرعونى. الأمر الذى تتبعه الدكتور بدراسة عينات من رسوم آثار فرعونية تنتسب لحقب تاريخية مختلفة. من خلال دراسة العينات كشف لنا الدكتور الجريسى نوع المعادن التى استخدمها الفراعنة عبر العصور فى صناعة الألوان، الأمر الذى استدل منه مدى إلمامهم بالعلوم المعدنية أو قل محيط علمهم فى ذلك المجال ومدى تطورها طوال الأحقاب الزمنية التى درسها. من الأعمال الرائدة أيضا للدكتور الجريسى فى مجال علوم الآثار الفرعونية تحصى دراساته عن أثر العوامل البيئية الطبيعية على النقوش والفنون الفرعونية. الأمر الذى نصحنا فى شأنه - فى مقالات سابقة لنا - بالواجب عمله نحوها فى حاضرنا لصد الضرر المتوقع لها من تلك العوامل إذا استمر إهمال شأنها فيها.. كما هو الحال اليوم. الجدير بالذكر فى الدراسات التى عملها الدكتور الجريسى على الآثار الفرعونية، أنه لم يتم تكليفه بها من مسئولى الجمهورية للآثار الفرعونية أو من معهد البحوث العلمية، وذلك لأنها كانت مشاريعه الخاصة التى نالت دعم مؤسسة فولكس فاجن الخيرية (Volkswagen Foundation)، المعنية - من ضمن خدمات وطنية عدة - بنهضة البحوث العلمية. يقول الدكتور الجريسى إنه يعزى نجاح أبحاثه الخاصة التى عملها على الآثار الفرعونية إلى الرعاية الشاملة التى حصل عليها من تلك المؤسسة، التى دعمت جهوده طوال الفترة التى احتاجها لها، بالتحديد عشرة أعوام (1982 - 1992)، كلفتها 1.5 مليون مارك ألماني، وكذلك للدعم الفاضل الذى لقيه الدكتور الجريسى من الدكتور أحمد قدري، مدير المجلس الأعلى للآثار فى ذلك الزمان، الذى أعانه بكل السبل المتاحة له لإنجاز مهامه بصورة شاملة وميسرة. من ذلك توفيره رخصة له تسمح له زيارة كل المواقع الأثرية فى الجمهورية وكذلك أخذ عينات من الآثار الفرعونية التى يحتاجها لدراساته. يقول الدكتور الجريسى فى حق الدكتور قدري: يرحمه الله، كان من خيرة علماء المصريات وخيرة المسئولين الذين عرفهم آنذاك. ما شهد الدكتور رجلا على قدر وزنه وعلمه وأخلاقه فى من جاء من بعده بتزكية من وزير الثقافة فاروق حسني. كذلك لم يلق من المسئولين الذين جاءوا من بعده الدعم الواجب الذى كان يرجوه منهم لأبحاثه، بل على العكس من ذلك، عملوا على تعطيلها، بدءا بسحب تراخيصه لآخر عدم الاعتبار لحاجات أبحاثه. الأمر الذى جعل الدكتور الجريسى يكتفى بما وفقه الله إليه من أبحاث فى ذلك الزمان على الآثار الفرعونية، ويلتفت إلى المجالات الأخرى التى عمل بها، ليبدع فيها المرة تلو الأخرى.. عهدنا به. يحصى عدد الأبحاث العلمية التى تم نشرها للدكتور الجريسى فى المجلات العلمية الدولية المرموقة إلى الآن 188 بحثا. يمكن الإستعلام عنها من موقع جامعة بايرويت – ألمانيا على الرابط التالي: (http://www.bgi.uni-bayreuth.de/?page=4&mode=s&id=128&lng=en). لا أريد أن يفهم من تلك المعلومة، أن العدد المذكور – على سبيل المثال - يمثل المحصلة النهائية لجهود الدكتور فى حياته... أبداً! فالدكتور لا يزال إلى حاضرنا مستمرا فى أبحاثه، التى أدركنى منها اليوم - وأنا أكتب هذه الأسطر - آخر مقال سينشر له قريبا فى المجلة الدولية Geochemiaca et Cosmchemica Acta (GCA)، بعنوان " Schock-Induced deformation of Shergotites: shock-pressure and pertrubations of magmatic ages of Mars". المقالة موضوعها مراجعة شاملة وماحصة لكل ما أفرزته العقول المفكرة، تقريبا فى العقود الأربعة الأخيرة، عن تكوين وظروف نشأة كوكب المريخ. فيها كشف الدكتور للعالمين أن عموم الدراسات فى ذلك الموضوع، التى تمت على عينات من النيازك المثبت أصلها من المريخ، كانت متناقضة لبعضها البعض وغير موفقة. أسباب ذلك كشفها الدكتور أيضا فى مقاله. أذكر منها عدم أداء التحاليل المعملية الصحيحة لها أو عدم تطبيقها بالصورة الواجبة، إما لعدم رعاية العلماء فى تحاليلهم الظروف الواجب عنايتها فى العينات التى درسوها أو عدم اكتمال الرؤية لديهم للعلوم الواجب مراعاتها فى مثل تلك البحوث، الأمر الذى استدله الدكتور من سلوك عملهم ونتائجهم التى نشروها تقريبا العقود الأربعة الأخيرة. مما أفادهم وإيانا الدكتور فى ذات المقالة، النهج العلمى الواجب تتبعه فى مثل تلك المواضيع، بدءا بالمحيط العلمى الواجب عنايته لها لآخر التحاليل السليمة التى كان لا بد أن تتم فى حقها. الأمر الذى فعله، كاشفا بالفارق الكبير الذى أظهرته نتائج تحاليله مدى اللبس الذى حدث فى ذلك المجال ممن تناول موضوعه. أحب أن أذكر هنا قبل أن أنهى الذكر الطيب عن استحقاقات الدكتور الجريسي، أن ميدالية ليونارد وإن كانت توقر المجهود العظيم الذى بذله الدكتور فى مجال العلوم الكونية فإنها لا تمثل سوى إحدى التكريمات الواجبة التى حصل عليها فى حق أعماله الرائدة فى المجالات العلمية العديدة التى أحصيناها سابقا له. عن نفسى أحسب أجل تكريم ناله فى العقد الأخير كان ما جاء من طرف الاتحاد الفلكى الدولى (International Astronomical Union) عام 2002م. ففيه أقام الاتحاد الفلكى حفل تكريم للدكتور الجريسي، تم فيه تدشين اسمه "الجريسي" (El Goresy) على جرم سماوى اكتشف عام 1982م فى الفضاء، تمجيداً له ولاكتشافاته. بذلك الفعل الفاضل رفعوا اسم أول عالم عربى من أصل إفريقى فى السماء، بين أوائل كوكبة العلماء الذين تم رفع ذكراهم فيها. من الطرائف التى أدركتنى فى موضوع منح الدكتور ميدالية ليونارد، أن المجتمع الدولى لا يزال إلى حاضرنا يتواصل بالعالم الدكتور الجريسى لتهنئته على استحقاقه، ما تخلف عنه – للأسف - إلا العالم العربى والإفريقي، الأمر الذى يفسره الدكتور الجريسى بعدم تواصل تلك القارات بمجاله أو بالمجتمع الدولى القائم بنهضته بالصورة الواجبة. نسأل الله لها رفعتها، الأمر الذى نستبشره بالحكومة الراشدة للسيد الرئيس الدكتور مرسي، التى نحسن الظن بها وندعو لها وللسيد الرئيس استمرار التوفيق والنجاح. أختم بالدعاء لعالمنا الدكتور الجريسى أن يكرمه الله فى عمره وأن ينفعنا به فى عهد النهضة الذى نحن على أبوابه – بإذن الله.