لقد كانت التغيرات السياسية التي حدثت في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين الحالي، لاسيما بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي وبزوغ فجر"العولمة"، سبباً مباشراً في نهضة وتطور العلاقات الدولية في الساحة العالمية ونهضة تكتلات إقتصادية سلمية معاصرة لها، حملت في طياتها تحولا فكرياً ونوعياً مناهضاً للعجلة الإقتصادية الحربية وداعماً للصناعات المحلية السلمية الراقية. فكانت نهضة حضارية صاحبتها تحولات إقتصادية ، قادتها الدول الصناعية ليس فقط لمواكبة الركب الحضارى في مسيرة النهضة العصرية القائمة في الساحة الدولية، بل أيضا لضمان إستقرار شؤونها السياسية والإقتصادية فيه. فذلك منهاجها الدائم المعتمد لديها للحفاظ على مصالحها الوطنية والدولية ، ومما لا شك فيه للحفاظ على ريادتها في السوق العالمية ، مصدر قوتها وعزتها الذي أمنت به وجودها بين الأمم، ولمواطينيها مقومات المعيشة الإجتماعية الرغدة الكريمة والآمنة، التي بلغوها وسيحيونها حاضراً ومستقبلا. إنه لمنهاج مثالي ، سبب فلاح الدول الصناعية العاملة به ، وسبب أرق النظم الإقتصادية المتخلفة عنه إذا لم تدرك أو ترعى لنفسها بعجالة السبل أو المقومات للنجاة من مؤثراته الدخيلة عليها من النظم العاملة به في الساحة الدولية. مؤثرات لن تسلم منها - حسب إيماننا - إلا إذا تواصلت مرة أخرى بالركب الحضاري القائم لدى الدول الصناعية بالمنهاج السوي المعتمد لديها. فذلكم السبيل الوحيد الذي به ستأمن لنفسها ولإقتصادها قاعدة قوية وآمنة تمكنها لأن تحيا وسط تلك النظم والتكتلات حياةً أو تواجداً معززاً ومكرماً. لذلك نقول أن التواصل بركب الحضارات لمسألة حيوية بل لمعركة بقاء لمن تخلف عنه، فيحيا وسط الحضارات بمؤسسات وهيئات علمية وبحثية لا تزال تسير أسفل درجات سلالم النهضة العصرية، وبصناعات رمزية أو شكلية ، عموما - كما هو الشاهد في مشروع المصفاة الصيني لمصر – مستوردة. لذلك وجب جدولة موضوعه على قمة الأولويات الواجبة على حكومتنا القادمة إدراكها في زمننا هذا. السبيل لذلك – حسب إيماننا –برامج إصلاحية، تعليمية وبحثية، عاجلة، لمؤسساتنا الوطنية ، إذا أردنا أن ندرك بها الهدف المنشود في أقرب وقت ممكن فأقل زمن لازم - بإذن الله. إنه لأمر عاجل وحاجة ماسة يجب الإسراع في نهضتها ومباشرتها. فعند تتبع عجلة النهضة المهولة القائمة لدى الدول الصناعية وسرعة تقدمها، يخشى ويتوقع لنا وللدول المكناة ب"النامية" إذا إستمرينا في المضي على المنهاج الحالي غير الموفق، بل المناهض لمؤسساتنا وهيئاتنا العلمية والبحثية فالنظم التعليمية، أن تتسع الهوة العلمية القائمة لدينا مع الركب الحضاري بشكل كارثي. لذلك وجب فوراً الدأب على نهضة البرامج الإصلاحية السابق ذكرها ، التي ستعتمد على منهاج مواكب لمتغيرات زمننا، فحديث، موضوع للأبحاث والعلوم لكل من الهيئات الجامعية والمنظمات العلمية، بهدف تطويرها أو إستعاضة نظمها غير الموفقة بأخرى حديثة موفقة، فلخلق وبسط جواً داعمأً ومشجعًا لنهضة نوعية رفيعة لها – بإذن الله - ندرك به عند حين الغاية المنشودة منها، التواصل بالركب الحضاري والتفاعل معه. الحاجة لإتخاذ إجراءات عملية صارمة وسريعة في ذلكم الشأن لماسة لضمان بدايةً على المدى القريب أقله مقومات وسبل الأمن والإستقرار الإقتصادي القائمة حالياً لدينا في ظل المتغيرات المستمرة والحادثة في الساحة الدولية، وعلى المدى البعيد القوة والعزة العلمية والإقتصادية لأوطاننا- بإذن الله. أي تأخير في ذلك لقاتل للفرص والخيارات العلمية المتاحة والمحتمل نهضتها على أيدي الجيل الحالي الواعد والقادم من نشء مصر ولكل وطن تخلف عن النهضة العصرية ، فلن يزيد الأمور إلا تعقيداً ومشقة في علاجها إن لم تستحيل وقتئذ. فالحاجة لإجراءات عاجلة كما، احببنا أن نوضح فيما سبق، لحيوية جداً لمصر ولأوطاننا. السادة مسؤولي الأمة والقراء الأعزاء. سوف نطرح في الأيام القادمة نموزجاً إصلاحياً للبحوث والعلوم، أعده العالم الدكتور أحمد الجريسي عام 1993 وقدمه للرئاسة أنذاك إلا أنه للأسف لم يفاد بجواب لموضوعه منها. لقد قمنا بتعديله في الأشهر الماضية ليواكب متغيرات ومقتضيات زمننا هذا، ولنعرض حيثيات منه في صورة مبسطة على كافة الأمم، كمنهاج ننصح أن تسخره لنهضتها، لما كان مبني على خبرة عريقة لعالم رائد في مجال الجيولوجيا والكيمياء الكونية (cosmochemistry)، يعزى له نهضة رؤية الأمم في علوم الكون ونشأة النيازك فيه، فنال منها لذلكم أرفع الأوسمة الدولية وجل الوقار /1/ ، بل سطر العالم الغربي تقديرا لجهوده إسمه في السماء، بين كوكبة العلماء الذين تم تخليد ذكراهم فيها، على جرم سماوي في الفضاء، إكتشف عام 1982، وتم تدشينه رسميا بإسم الجريسي (El Goresy) في حفل تكريم أقيم له عام 2002 من قبل الإتحاد الفلكي الدولي (International Astronomical Union) تمجيداً له ولإكتشافاته /2/. وأزيد على ذلكم بما هو مثبوت في سجله المشرف المضىء، لقد أمنت له أعظم وأقوى الأمم مؤسساتها، فأعتمدت له في شؤونها العلمية موضوع المراجعة والتقييم لمشاريع مؤسساتها العلمية والبحثية وكذلك الصناعية، فعمل مستشاراً لها في ذلكم في كل من المؤسسات التالية : 1) NASA Lunar & Planetary Review Board (مركز المراجعة البحثي ل NASA ) 2) ال NSF إختصار ل (National Science Foundation, USA) مؤسسة البحث العلمي الوطني للولايات المتحدة 3) ال NRC إختصار ل (National Research Council, U.K.) أي مركز البحوث العلمية الوطني للمملكة المتحدة 4) ال DFG إختصار ل (Deutsche Forschungsgemeinschaft, Germany) مجتمع البحث العلمي الألماني 5) ال FFW إختصار ل (Fonds zur Foerderung der natuwissenschaftlichen Forschung, Austria) فوندس لدعم البحث العلمي لنمسا. .... ولا فخر !. قبل عرض البرنامج الإصلاحي الذي أعده الدكتور أحمد الجريسي، سنعرض بداية تحليل ونقد مفصل للمستوى العلمي والنظم التعليمية القائمة في مصر كنموزج عام غير موفق في حاضرنا ومفشي في غالبية الأوطان العربية والأفريقية التي عموماً تذكر بإسم الدول النامية أو البترولية ، مع ذكر أسباب عدم توفيقها، فالسبل والمقومات لنهضتها، وسبل التصدي للإنهيار التام المتوقع لها. مع النقد المفصل للنظم التعليمية القائمة سنتناول أيضاً الوضع القائم لدى المؤسسات العلمية والقومية التالية : المركز القومي للبحوث، هيئة الطاقة النووية، المجلس الأعلى للأثار (سهيئة الأثار المصرية سابقا)، هيئة الثروة المعدنية (هيئة المساحة الجيولوجية سابقاً)، التي كان يرجى منها التفاعل يدا بيد المؤسسات التعليمية القائمة، لنهضتها أو - عند لزوم الأمر - توجيهها. فكلها مؤسسات ونظم نهضوية حيوية لا بد من مراجعة دورها الواجب في المنظومة التعليمية، فإعتبار شأنها أيضاً في موضوع برنامجنا الإصلاحي المقدم هنا. وسوف يطرح الدكتور أحمد الجريسي ختاماً على ما سبق كشفه برنامجاُ مفصلاً للإجراءات والخطوات الواجب المباشرة بها لنهضة النظام أو النظم التعليمية والبحثية القائمة لدينا، وذلك من واقع خبراته الشخصية والدولية الممتدة في المجال التعليمي والبحثي، الذي كرس حياته له، حتى بات رمزاً رائداً فيه وعلما من أعلامه. نسأل الله لنا التوفيق والرضى لمجهودنا. السادة القراء الأفاضل ، لا تهدف الدراسة الناقدة الإساءة إلى أي أشخاص أو أي جهة أكاديمية ، إنما إظهار الخلل القائم في النظم المؤسسية والسياسات والبرامج التعليمية لكشف سبل التصدي له وتحديد المنهاج الإصلاحي الواجب في شأنه. لذلك نرجو من السادة القراء ألا يحملوا النقد محملا شخصيا بل التمعن من غرضه ، ونعتذر مقدمة إن كنا أخطأنا في ذلك في إسلوب التعبير. العالم الدكتور/ أحمد الجريسي* ، السيد الطرابيلي** / مدير عام جيولين * /1/ http://www.bgi.uni-bayreuth.de/organization/bgistaff/staffinfo.php?id=128 /2/ http://en.wikipedia.org/wiki/El_Goresy ** www.geolin.eu [email protected] العالم الدكتور/ أحمد الجريسي* ، السيد الطرابيلي / مدير عام جيولين **