تكشف الكوارث الطبيعية المؤسفة التي تعرضت لها مدن وقرى محافظات البحر الأحمر وسيناء وأسوان من قبل السيول المائية التي نتجت عن تجمع الأمطار الموسمية عوار سياسي في معالجة المد العمراني والتخطيط له للجمهورية جمعاء على مدى عقود، وفشل إداري وتنفيذي في تداول تلك القضية الحيوية من قبل الهيئة المناطة لها لتلك المهام ، هيئة الأبحاث الجيولوجية المصرية. لعل أفضل شاهد وحكم على ذلكم العالم الخبير، المصري الأصل، الدكتور أحمد الجريسي الذي إتصل بي مساء الخميس ليوضح لي رؤيته في الأمر ورجاؤه لأنقلها إليكم عبر موقعكم "المصريون" الفاضل. قبل أن أباشر بذلكم إستسمح لي أن أعرف السادة القراء على الدكتور أحمد الجريسي /1/، إبن مصر البار الذي غفل عنه وطنه العزيز بالرغم من شهرته الدولية التي سبقت زميله الدكتور أحمد زويل، في كلمتين موجزتين. الدكنور أحمد الجريسي، المصري الأصل، عالم رائد في مجال الجيولوجيا والكيمياء الكونية (cosmochemistry). له باع من الخبرة الفريدة في مجاله الذي قدم فيه أعمال رائدة كانت لها الفضل لأن تنهض برؤية الأمم في علوم الكون ونشأة النيازك فيه، فنال منها لذلكم أرفع الأوسمة الدولية وجل الوقار /1/ ، بل سطر العالم الغربي تقديرا لجهوده إسمه في السماء بين كوكبة العلماء الذين تم تخليد ذكراهم فيها على جرم سماوي في الفضاء، إكتشف عام 1982، وتم تدشينه رسميا بإسم الجريسي (El Goresy) في حفل تكريم أقيم له عام 2002 من قبل الإتحاد الفلكي الدولي (International Astronomical Union) تمجيداً له ولإكتشافاته /2/. لقد نال الدكتور الجريسي العلى في العالم المتقدم ووطنه مازال يجهله إلا من رحم ربك فكان له حظاً في معرفته. يقول الدكتور الجريسي في شأن الكوارث الطبيعية التي حلت في مصر، أنه لا بد من مراجعة الحكومة على ما حدث ومساءلتها لماذا لم تفعل دور هيئة الأبحاث الجيولوجية القومية كما وجب منذ عقود أو أقله حرصت على التواصل معها لتأمين مواطني مصر مقومات الحياة الكريمة من خلال برنامج مد عمراني آمن له كان من المفروض أن يكون قائماً أو تكون الحكومة قد كلفت الهيئة به لوضعه منذ أمد ؟ نعم ! علام ذلك ؟ وعلام سكوت الحكومة على "العشوائيات" المشهودة في كافة أصعدة الدولة وتركها تنمو كأنها عرف للمد العمراني في الجمهورية ؟ علام الإهمال في تداول أمن مدن وقرى مصر فعرضها للكوارث الطبيعية التي شهدناها هذا الأسبوع ذلكم بالرغم من إمكانية الإحتساب والتصدي لها ؟ يؤكد الدكتور الجريسي من واقع خبرته ومن واقع التطورات الخطيرة المشهودة للوطن الأسبوع الماضي التي تعرض لها، أن من أهم الوظائف الواجبة على هيئة الأبحاث الجيولوجية القومية أداءها في الوقت الحالي في ظل تلك التطورات المشهودة هو رسم خريطة جيولوجية مستحدثة للجمهورية، فهي الجهة المناطة لذلك، وبصفة عامة لمهمتين أساسيتين وبارزتين لأمن وإقتصاد مصر هما: 1- المساحة والتخريط الجيولوجي التفصيلي للجمهورية (Detailed geological mapping and survey of Egypt) 2- إستكشاف مصادر الثروات المعدنية الإقتصادية. (Exploration of economic ore deposits) يؤكد الدكتور الجريسي أن وجود خريطة جيولوجية مفصلة ومستحدثة للوطن لهو الشرط التمهيدي لتخطيط مستقبل العمران والتمدين الآمن له ولمستقبل عمليات إستكشاف أراضيه عن ثرواته الطبيعية. فهو لمرجع حيوي يعتد به في تأمين وتوجيه مصالح الدولة العمرانية والإقتصادية. خير مثال على ذلك دوره في تحديد شبكات المواصلات البرية الأمنة على طول الوطن وكذلك في تحديد مواقع الجسور اللازمة لتيسير سير الحركة في المدن أو في تحديد السدود فالخزانات المائية لتأمين المدن والزراعات بصفة عامة لمصادر المياه التي منها مياه الأمطار. فمياه الأمطار الموسمية إن حصرت في تجمعات إقتصادية كان لزاما مراعاتها كمصدر للمياه وإعداد العدة لها ببناء السدود والخزانات لجمعه وصرفه للرى أو لمد المدن به فتأمينها بمصدر من مصادر المياه. فالترصد لسيول الأمطار ومناطق تجمعاتها بكميات إقتصادية لأمر واجب مراعاته للمنفعة العامة أو للبنية التحتية، كما شهدناه لكافة المحافظات المنكوبة، لصد المد العمراني عن تلك المناطق غير الأمنة ولا نقول لصد السيول عن المدن والقرى كما هو الفكر شائع عند البعض. من خلال ما نقلته الأنباء، يبدو أن كل ذلك التخطيط الحضري لم يحدث كما وجب من قبل الحكومة لمنطقة سيناء أو الصحراء الشرقية ووادي النيل ولعل الأمر لم يرعى من أساسه، فحدث ما حدث في تلك المحافظات. هلكت نفوس غالية لا تعوض وأهدرت أموال طائلة كانت مفروض أن تأمن للناس العيش والسكن بأمان إذا تم صرفها على النحو الواجب الذي وضحناه. يستطرد الدكتور قائلاً أن النمو السكاني الضخم الذي تشهده مصر ليؤكد أن الحاجة لرسم خريطة جيولوجية مستحدثة للوطن عاجلة جداً، فمن أهم الأولويات الواجبة قضاءها، لاسيما بعد أن بات مؤكداً أن النمو السكاني سيتجاوز حدود وادي النيل ودلتاه بعدما سيتم إستهلاك ثروات أراضيه الزراعية الثمينة. فلا بد التخطيط لذلك العمران الزاحف الأن. يرى الدكتور انه على الهيئة أيضاً في ظل الزحف العمراني المتوقع لمصر إلى جانب تحديث الخرائط الجيولوجية للوطن تأمين مصادر المياه والإحتياطي له (securing water resources and reserves)، وذلكم برصد وجرد مصادر خزانات المياه الجوفية (predicting underground water reservoirs) للمنطقة من قبل مختصين هيدروجيولوجيين لضمان سبل مقومات الحياة لمستقبل الأجيال القادمة. يشهد الدكتور الجريسي من خلال تعامله مع هيئة الأبحاث الجيولوجية القومية أن المنظومة التي تتألف من عاملين جيولوجيين، كيميائيين، جيوفيزيائيين، مهندسين وعلماء فلزات (metallurgists) ينحصر نشاط أغلب جيولوجيها أساسا في مهمات دورية موسمية لمعاينة الصحراء الشرقيةوسيناء. لاحظ الدكتور في تلك المنظومة نقصاً حاداً لفريقه الجيولوجي لخبراء متمرسين بذات كفاءة زملائهم في خارج الجمهورية ليتمكن لها تأدية المهام الحيوية المناطة لها على أكمل وجه. وعلى ذلكم يقول الدكتور الجريسي أن قدرتها لإيفاء مهامها وأدائها لمحدود بما تملك من قدرات ومقومات. يضرب الدكتور الجريسي مثالا على ذلكم فيقول لا يوجد فريق من الهيدروجيولوجيين في الهيئة ممن لديهم القدرة أو الكفاءة لمعالجة الموضوع المذكور في الفقرة السابقة أو تولي تلك المهمة بشكل موضوعي واف ومتكامل. إن أمره ليتطلب سابق خبرة نوعية في معرفة ورصد التحركات والدورات الطبيعية للمياه الجوفية (movements and cycles of underground water) في خزاناتها (aquifers). فهو لأمر حيوي لا يمكن الإستغناء عنه في تنبأ مصادر خزانات المياه الجوفية (underground water reservoirs). كذلك يلزم له مقومات كافية من المعدات التقنية الهندسية لإتمام الدراسات النوعية السابق ذكرها بشكل سليم ومتكامل. مقومات لا تملكها الهيئة، فلا معمل مختص لدراسة نظائر الهيدروجين والأوكسجين لها، وهي لدراسات هامة ودقيقة جدا لموضوع تنبأ مصادر خزانات المياه الجوفية، يعتد به لتمييز مصادر المياه الجوفية الحديثة (juvenile water) عن الأخرى المعروفة بلقب مياه حفريات (fossil water)، وهي تجمعات سيول مياه المنطقة في خزانات جيولوجية قديمة العهد. إنها لدراسات روتينية في حاضرنا خارج البلاد، فلها على سبيل المثال تاريخ طويل في معهد فايزمان للعلوم في رحبوت (Rehovot) – إسرائيل، لحرص إسرائيل على ضمان مصادر المياه لها لقرون ممتدة في المنطقة. وللعلم لقد إستطاع معهد الفيزياء الطبيعية لجامعة هايدلبرج فقط من خلال دراسة نظائر الهيدروجين والأوكسجين أن يكشف لنا أن الينابيع في الوادي الجديد في الصحراء الغربية مياه حفريات (fossil water) من الحقبة الجيولوجية المعروفة بإسم ال Pleistocene التي يقدر عمرها ب 700.000 سنة (سبعمئة ألف سنة). أبحاث كالسابق ذكرها حيوية لتنظيم إستهلاك المياه الجوفية الحفرية من مصادر الخزانات الجوفية الحفرية (fossil reservoirs) المكتشفة عن غيرها الكامنة في المنطقة. ذلكم بعض الشواهد والملاحظات للدكتور الجريسي على هيئة الأبحاث الجيولوجية في مصر وعلى الحكومة التي ترعاها. رغب الدكتور من باب النصح ان أنشرها عليكم ، وإن كان ما نقلناه لا يقدم إلا جزءاً يسيراً من كم وجب مداولته من قبل خبراء كالدكتور الجريسي، الذي يحرص دائما على التواصل بوطنه بل مد يد العون لها بخبرته الفريدة راجيا ان ينال الوطن نصيب منه كما نالته دول العالم. وللعلم ما تم كشفه هنا على السادة القراء لما يخص موضوع الأحداث والواجب فيها من طرف الحكومة وهيئة الأبحاث الجيولوجية ما هي إلا نبذة عن دراسة ناقدة للنظم التعليمية والنهضوية في مصر كان الدكتور الجريسي قد سطرها بعنوان "دراسات ناقدة للمستوى العلمي والنظم التعليمية والنهضوية القائمة في مصر: أسباب التخلف والهبوط الحاد ، والسبل والمقومات للتصدي للإنهيار التام المتوقع لها " عام 1993 ليتم مداولتها من قبل الرئاسة التي أرسلت له نسخة منها لتسخيرها في عمليه إصلاح للمؤسسات التعليمية والنظم النهضوية، لكن للأسف لم يفاد من السيد الرئيس حسني مبارك على رد منه في ذلكم الشأن. لقد عكفنا في الأسابيع بل الأشهر الماضية على إستحداثها وأرسلنا نسخة من الأصل لزميل الدكتور الجريسي، الدكتور أحمد زويل، لما علمنا من موقعكم "المصريون" لمشروع الدكتور الزويل الفاضل، المعني بدعم التكنولوجيا والتعليم في مصر وتعزيز التعاون فى مجال التعليم وتوفير منح دراسية لها، لتعزز بإذن الله أهدافه. بإذن الله سنوافي مكتبكم قريباً إنشاء الله لنسخة من الدراسة المستحدثة بعد أن يتم الإنتهاء منها، لنكشف "للمصريون" برنامج إصلاحي رسمه الدكتور الجريسي لوطنه الذي يطمع له النهضة والرقى للعلى الذى ناله ويرغبه لوطنه. وفق الله مجهوده وسعينا في نهضة وطننا مع خالص التحيات م.ع. جيولين / السيد الطرابيلي الدكتور / أحمد الجريسي [email protected] /1/ http://www.bgi.uni-bayreuth.de/organization/bgistaff/staffinfo.php?id=128 /2/ http://www.wekipedia.org/wiki/alphabetische_Liste_der_Asteroiden/E