ليست المرة الأولي التي تتعرض مصر فيها لاحدي الكوارث الطبيعية أو البيئية كما انها ليست المرة الأولي التي تتكرر فيها سيناريوهات التصرف العشوائي عند التعرض لكارثة. لقد سبق لمصر ان تعرضت لكوارث الزلزال والسيول في ازمنة ماضية وعلي الاخص كارثة السيول التي دمرت بعض قري الصعيد في اعوام1987,1982,1981,1980,1979,1975 أو السيول التي دمرت طريق الطور نويبع بجنوب سيناء عام1990 أو التي ضربت مدينة القاهرة عام1994 أو مدينة الغردقة عام1997. لقد أوضحت دراسات تكرار حدوث ظاهرة السيول في مصر ان هناك مناطق تقليدية لحدوث السيول بالعديد من محافظات مصر وردت علي سبيل الحصر في العديد من التقارير والأعمال العلمية والهندسية والتي قامت الدولة في ضوئها بانشاء العديد من المنشآت واعمال الحماية من اخطار السيول, لكن من الملاحظ ان منشآت الحد من اخطار السيول لاتؤدي الغرض منها ويرجع ذلك للعديد من العوامل الفنية والهندسية وعدم التوصل إلي العلاقات الدقيقة بين المناخ والجغرافيا وعلاقة ذلك باحواض الصرف الوديان وتحديد أي منها يمكن ان يكون مسارا للسيول ومتي تحدث وكيفية تفادي مخاطرها والاستفادة من مياهها. تكمن المشكلة الحقيقية في تضارب الاراء والصراع بين الهيئات العلمية حول أحقية اي منها بدراسة السيول في حين ان المسئولية واضحة والاختصاص محدد في ان وزارة الموارد المائية والري هي جهة الاختصاص في دراسة وتنفيذ المشروعات التي تتعلق بالمياه, ومنها مياه السيول سواء في مجال الحماية من اخطارها أو الاستفادة من مياهها, ولها ان تستعين بالخبراء والباحثين والمعلومات والبيانات من الجهات والهيئات الأخري حتي تتمكن وزارة الموارد المائية والري من تحقيق هدف ترويض السيول وضمان الاستعداد الدائم لمواجهة خطرها من أعمال الانشاء والصيانة للسدود والهرايات والمشروعات التخزينية. ان تداخل الاختصاص وادعاء هيئات انها القادرة وحدها علي دراسة احواض الصرف ادي إلي حدوث سلبيات كبيرة دفع المواطنون والدولة ثمنا باهظا من جراء توصيات ونتائج خاطئة, وللتدليل علي ذلك قامت احدي الهيئات بدراسة لسيول1994 افادت فيها ان بني سويف والمنيا هي اقل المناطق تعرضا لاخطار السيول وثبت العكس كما قامت هيئة علمية اخري بدراسة سيول البحر الأحمر عام1995 وافترضت انشاء مئات السدود اللازمة للحماية من اخطار السيول, وبالمراجعة اتضح ان معظم السدود المقترحة تقع في البحر الأحمر, كما ان انشاء بعض السدود بشبه جزيرة سيناء لم يؤد الغرض من تخزين المياه ويرجع ذلك إلي عدم الالتزام بالمنهج العلمي لدراسة احواض الصرف كما وكيفا, ومن ثم كانت النتائج مخالفة للواقع كما وقعت اخطار كبري نتيجة لسوء اختيار مواقع مدن أو تجمعات أو قري سياحية أو طرق تعرضت بالفعل للتأثير المدمر للسيول محافظة البحر الأحمر وسيناء شمالا وجنوبا وكذلك اسوان, ولقد تأثرت بالفعل خطط التنمية كما اثرت السيول في الارواح والمنشآت في اعوام1994 و1996 و2010. لقد قامت اكاديمية البحث العلمي بالتعاون مع محافظة البحر الأحمر ومحافظة سوهاج بدراسة تفصيلية لاحواض الصرف الوديان في إطار وضع اطلس للوديان بجمهورية مصر العربية يحتوي علي الخرائط والدراسات لهذه الوديان علي مستوي الوطن يكون مرجعا للمخططين والمسئولين عن تنفيذ خطط وبرامج التوسع العمراني لمصر غير ان هذا المشروع قد توقف ولم تستفد محافظات البحر الأحمر أوسوهاج من الدراسات والتوصيات التي توصل إليها الباحثون. وعلي الرغم من تعدد الدراسات والتوصيات فان مواجهة الكوارث وإدارة الازمات المصاحبة للسيول لم تحقق نجاحا حتي الآن ويرجع ذلك إلي عدم انتظام حدوث السيول إلي عدم الانتظام والاستعدادات اللازمة للتخفيف من اثارها بل ادي ذلك إلي اهمال المشروعات الهندسية ومشروعات الحماية وعدم صيانتها, بالاضافة إلي قيام غير المتخصصين بدراسة متخصصة سعيا وراء تحقيق اعلي ربح, وبصرف النظر عن النتائج واهمال دور المتخصصين عن عمد من منطلق السيطرة المهنية أو الانفراد بالقرار الاداري وتخطي الخبرات المؤهلة للتعامل مع السيول بل وقيام هيئات علمية غير متخصصة في دراسات السيول وادعائها المسئولية والتخصص في كل المجالات بل ولجوء بعض المحافظين لهذه الهيئات لحل مشاكل السيول. ولاشك ان بعض مشروعات الحماية قد تم تنفيذها باسلوب خاطيء سواء من حيث حجم فتحات التصريف أو أعمال التكسية للطرق وفي هذا المجال نؤكد ضرورة اعادة النظر في حماية الطرق وخطوط سكك حديد فوسفات أبوطرطور في ضوء تأثير السيول. بجانب التضارب وتداخل الاختصاصات بين الهيئات سواء في مجال دراسة السيول أو تنفيذ المشروعات اللازمة للحماية أو الاستفادة من مياهها. والدراسات الجادة التي تمت قد أوضحت اننا في حاجة إلي اتخاذ الاجراءات التالية للتعامل مع كوارث السيول: 1 ضرورة وضع استراتيجية متكاملة لمواجهة مخاطر الكوارث الطبيعية والبيئة تحدد فيها الاختصاصات وتوزع فيها المسئوليات سواء قبل وقوع الكارثة أو حال وقوعها, أو اعادة الامور لوضعها الاصلي بعد انتهاء الكارثة في ظل معلومات وبيانات موثقة وتدعم هيئات الحماية المدنية وتحديث نظم الاتصال, وانشاء هيئة تنفيذية للحماية من اخطار الكوارث الطبيعية ومراجعة التشريعات المنظمة لإدارة الكوارث والازمات في إطار استراتيجية عامة واعتبار ان هذا الاطلس هو بداية للتقليل من اخطار الكوارث. 2 استكمال وضع اطلس لاحواض الصرف في جمهورية مصر العربية وتحديد مسارات الوديان وقدراتها علي التصريف بعد دراسة تفصيلية للظروف الجيومورفولوجية والمناخية والهيدرومترية وغيرها, وتحديد اماكن المخاطر والمناطق الآمنة ونظم الحماية والاستفادة من مياه السيول. 3 ضرورة مراجعة التخطيط العمراني للمنشأت والمدن والمشروعات الاقليمية, وعدم التردد في إعادة تخطيط المناطق المعرضة للسيول واتخاذ إجراءات الحماية للقائم فيها, ورفض الترخيص باي انشطة في المناطق الخطيرة. 4 مراجعة أوضاع الطرق الاقليمية بمحافظة البحر الأحمر وشمال وجنوب سيناء والطرق الاقليمية الواصلة بين وادي النيل والبحر الأحمر, وضمان تنفيذ مشروعات حماية فعالة لحماية هذه الطرق الاقليمية.