متي يكتب الله لنا أن نتخلص من آفة النسيان وعدم حسم الامور جذريا بما يجعلنا لا نتعرض بصفة دورية وفي نفس المواعيد المعروفة سلفا لنفس المشاكل التي تتكرر وبنفس الصورة. متي تختفي من حياتنا ومن ممارسات اجهزة الدولة لمسئولياتها ظاهرة اطلاق التصريحات الرنانة والوعود التي تذوب وتتلاشي بمرور الوقت لتعود ريمة لعادتها القديمة وتتكرر المعاناة ويتعالي الصراخ وتتصاعد الخسائر. هذا الواقع الأليم الذي أصبح جزءا أصيلا في حياتنا يتجسد في مشكلة السيول التي اصبحت تنطبق عليها المقولة الشهيرة »وستعمل حكومتي« التي كانت تتردد في أزمنة حكومات ما قبل 2591. بعد ان داهمت السيول قري اسوان منذ ايام قليلة واجتاحت بيوت ومزارع المئات بل الآلاف من المواطنين فوجئت عندما طالعت الصحف بنفس التصريحات والوعود التي صدرت عن المسئولين في الاجهزة المعنية بشأن مواجهة هذا الهم الثقيل. تعالي الحديث لإحتواء الموقف عن انشاء مخرات للسيول وسدود الحماية جاء ذلك في تصريح للدكتور محمد نصر علام وزير الموارد المائية في اطار العمل علي تنفيذ تعليمات وتوجيهات الرئيس مبارك في هذا الشأن. وأشار د. علام الي نظام للانذار المبكر للتنبؤ بقدوم السيول وهو ايضا من الوعود التي جري تناولها في تصريحات سابقة لمسئولي وزارة الموارد المائية في عهود سابقة بالاضافة الي اقامة بحيرات صناعية لتكون خزانات لمياه هذه السيول من اجل استخدامها في احتياجات الزراعة. والسؤال الآن هل كان يحتاج تنفيذ هذه المشروعات الملحة كل هذا الوقت بما يؤدي إلي تواصل أخطار هذه السيول المدمرة سنوياً. ولقد اتضح من التصريحات الجديدة لوزير الموارد ان هناك حلولا لكل مشاكل هذه الظاهرة ولكن المشكلة هي عامل الوقت وعمليات التسويف. ليس من نتيجة لهذه المواقف سوي تعريض الكثير من مناطق جنوبالوادي وسيناء لأخطار هذه السيول. ان ما نحتاج اليه إذن هو الحسم وسرعة اتخاذ الاجراءات المطلوبة للمواجهة. وقد سبق لي أن أشرت في العام الماضي عندما هاجمت نفس هذه السيول اسوان وسيناء إلي انه يمكن ان تتحول- بسرعة التعامل مع متطلبات تجنبها- الي نعمة وليست نقمة. إن مياه هذه السيول وفي رأي الخبراء تمثل ثروة في وقت اصبحنا نعاني فيه من مشاكل توفير المياه لسد احتياجات الزراعة. وكما هو معروف فإن هذه السيول ناجمة عن الامطار الغزيرة التي تسقط فوق الجبال والتلال والمناطق المرتفعة لتنحدر بعد ذلك ومن خلال مسارات معروفة سلفاً إلي المناطق الآهلة بالسكان في الوديان. ورغم التحذير من اقامة المباني والمنشآت في المخرات الطبيعية لهذه السيول فإن الفساد والإهمال وعدم المبالاة سواء من اجهزة الحكم المحلي أو من المواطنين تدفعهم إلي عدم الالتزام. المحصلة في هذه الحالة هو ارتفاع موجات الصراخ وانطلاق التصريحات حول خطط وجهود العمل من أجل عدم التكرار. هل يمكن ان يأتي اليوم حقا الذي لا نسمع فيه عن تداعيات كوارث السيول ونسعد بالاعلان عن الاراضي »العطشانة« التي تم ريها بمياهها المهدرة دائماً. ليس امامنا سوي الامل في عون الله وصحوة الضمير من أجل ان تتحرك كل الاجهزة للعمل من اجل ألا نسمع مرة أخري عن مشكلة ظاهرة السيول.