الشعارات والهتافات والتصريحات لا تصنع أمجاداً، ولا تبنى نهضة، ولا تحقق انتصارات، ولو كانت العبرة بما يقال، لضمنا الصدارة بين دول العالم، فما أكثر الوعود التى منينا بها، لطمأنة قلوبنا العطشى إلى تنمية حقيقية، وما أكثر ما قيل عن التقدم المذهل، الذى فزنا به فى شتى مناحى الحياة، وما أكثر الشعارات التى اختارها مؤتمر الحزب الوطنى لنفسه، منذ أن تسلم الإصلاحيون الجدد - وعلى رأسهم جمال مبارك - مقاليد الأمور فى الحزب، شعارات حماسية رنانة تشعر المواطن وكأنه ماضٍ فى ثورة غير مسبوقة للتطوير، لوصوله فى نهاية المطاف إلى جنة مساحتها مليون كيلومتر مربع، فوقها منتجعات، وتحتها آبار بترول، شعارات لم تكن موجودة إلا فى مادة التربية الوطنية التى كانت مقررة علينا فى ستينيات القرن الماضى، ثم أعيد بعثها على يد، (الحرس الجديد). مع بداية المؤتمر الأول للحزب، كان الشعار «فكر جديد وحقوق المواطن أولاً» وفى السنوات التالية: فكر جديد وأولويات الإصلاح، فكر جديد والعبور إلى المستقبل، فكر جديد وانطلاقة ثانية، فكر جديد ومستقبل بلادنا، وكانت آخر صيحة فى شعارات الحزب الوطنى، فكر جديد من أجلك أنت والنتيجة الطبيعية، كلام فى كلام، وتفاؤل موهوم على أرضية غير ممهدة، وأرقام تترعرع، وتصفيق يلتهب، وخطابات حماسية لا تختلف فى طابعها ومكوناتها، منذ ست سنوات حتى اليوم، وخلق يولد، وناس تموت، ودول تحتل، وعقول تتحرر، وحصاد الفكر الجديد هو نفسه حصاد الفكر القديم، فلا حقوق للمواطن أولاً أو ثانياً أو ثالثاً، ولا أولويات للإصلاح، ولا عبور للمستقبل، ولا انطلاقة ثانية، ولا حياة إلا لشعارات تم الترويج لها حزبياً وإعلامياً، رغم أنها غير قابلة للهضم شعبياً. لن أتوقف كثيراً عند ما جاء فى المؤتمر الأخير للحزب الوطنى، لتطابقه تماماً مع ما يتم الترويج له فى كل مؤتمر حزبى، لن أتوقف كثيراً عند الجمل الخبرية الواردة باستمرار على لسان أحمد عز وصفوت الشريف وأحمد نظيف، (إن المواطن البسيط فى عيوننا، إن الفلاح سيحظى بدعمنا، إن همنا حماية محدودى الدخل، إن الاستمرار فى التنمية خيار استراتيجى، إن وإن وإن)، فمثل هذه الجمل البراقة والوعود المتفائلة سرعان ما تتبخر وتتطاير بمجرد انتهاء أيام المؤتمر الأربعة، ليجد الناس أنفسهم بعدها، أمام كوارث تتنامى، وفقر يتعاظم، وهوة تتسع بين سكان العشوائيات وساكنى الجنات المحاطة بالأسوار العازلة، لكن الذى يجب أن أتوقف عنده: إلى متى سيظل هذا الحاجز المزعج، بين حزب الحكومة وقضايا الناس ومشكلاتهم؟ إلى متى سيظل الحزب كريما بالكلام، بعيداً بالأفعال حنوناً بلا ثدى قاسياً بحكم القبضة الأمنية؟ من يتحمل جرأة الناس على القانون وعلى بعضهم البعض، وتعبيرهم عن أنفسهم دائماً فى الاتجاه الخاطئ، بسبب الخوف والفزع من الأقوى والأعلى، وإن كان على خطأ؟ وهل ستستمر معالجات الحزب الوطنى لقضايا الخلق بالاعتماد على مجرد الأمنيات فى غد أفضل؟ وهل ستكفى المؤتمرات والندوات والاجتماعات وورقة العمل والتحليلات والتوصيات وموالد إهدار المال العام لصنع التطور المنشود؟ أم أن هناك اعتياداً للفشل ورضا بأن تنتهى الأصفار دائماً لمجموعة أخرى من الأصفار؟ لست ممن يكيلون الاتهامات للحزب كيلاً وكيداً لمصلحة حزب آخر، أو جماعة معارضة أخرى، ليقينى فى حقيقتين: الأولى: أن جميع الأحزاب الموجودة فى مصر، هى أحزاب فوقية، بلا قواعد جماهيرية، وبلا إمكانيات مؤثرة، وبلا طموحات قابلة للتحقيق، بالإضافة للخوف المتفشى فى الناس، الذى عودهم التطبيع مع الجلاد، وعدم الرغبة فى ممارسة حرية التعبير، وهونهم على أنفسهم، فهانوا فى عيون من بيدهم الأمر. الثانية: أن الحزب الوطنى هو المسيطر والمهيمن والقادر على الحركة الحرة، بما عنده من إمكانيات مادية وإعلامية وتنظيمية وأمنية، ولا سبيل لمقاومة ما فيه من إعوجاج، إلا من داخله، وبقناعة شرفائه الواعين بقرع الطبول، عندما يحل الخطر، أكثر من وعيهم بنقرها من أجل الرقص والغناء والتمثيل بمواجع الناس. يا سادة، انتهت مكلمة الحزب الوطنى هذا العام، ورغم ذلك لا يزال عندى أمل فى أن تنتهى شعارات لا معنى لها إلا فى العقول الجامدة، المؤمنة بغلبة الأقوال على الأفعال، وأتمنى من المؤتمر السنوى السابع فى السنة المقبلة إن شاء الله، أن تختلف الصورة، وتصبح القضايا المثارة من عمق الناس، وعن عمق مشكلاتهم، أتمنى ألا يخرج علينا الدكتور نظيف، إن ظل فى السلطة، مكتفياً بعلامة زائد فى حديثة عن أرقام التنمية، ومثلما يتحدث عن طفرات فى زيادة الأجور، يتحدث فى المقابل عن غلاء الأسعار، وإلى أى مدى ابتلعت هذه الزيادة؟ وما الخطط لتحقيق التوازن بين ما يحصل عليه المواطن، وما ينفقه؟ ومثلما سيتباهى بزيادة دعم الفلاح، أن يخبرنا عن جدوى هذا الدعم، بعد تحرير أسعار المبيدات والأسمدة والبذور، وأتمنى كذلك ألا يخرج علينا أحمد عز، بوصفه المعتاد لجمال مبارك بأنه قائد ومفجر لثورة التطوير، فقيمة المدح تتلاشى إذا تفوه بها واحد من أصحاب المصالح، أتمنى فى المؤتمر السابع للحزب، أن يكون هناك خطاب مختلف، ولغة خالية من المن والإحسان على الناس، وأن يوقف عقلاء الحزب سياسة الكلام من أجل الكلام، والتصريحات من أجل الإعلام، والمدح على الطريقة التقليدية للشعراء العرب لتسول عطايا السلطان واستجداء عطفه، فهذه السياسات الفاشلة ستجعل القادم هو الفوضى، إذا نسيت قيادات الحزب أنها فى الألفية الثالثة، فى حضرة العولمة والفضائيات والشبكات العنكبوتية، وأحدث وسائل الاتصال والنقل، واكتفت بأن تكون كل إنجازاتها مجرد خطب وتصريحات ومديح وشعارات ممنوعة من الصرف. [email protected]