لا أدرى لما لم تحتف مجتمعاتنا بهذا الاسم بما يكافئ موقف صاحبته شرفا وشجاعة وإكبارا..توقعت أن ينشر الإعلام خبرعلى شاكلة انتشار اسم (جاسيندا)على المواليد الجدد من البنات مثلا فالاسم إيقاعه موسيقى وجذاب وجديد ومختلف وبه كل مكونات الحالة إياها التى انتابت كثير من الأسر الثرية مؤخرا لكن ما يعنينا بالأساس هو ان نظهر لهذه السيدة(جاسيندا ارديرن)رئيسة وزراء نيوزيلاندا كم هي عظيمة وكبيرة وكم هو احتفاءنا بها وبموقفها الحضاري المسؤول تجاه الهجوم العنصري الوحشى على مسجدي كرايستشيرش إذ فعلت تلك السيدة كل ما يمكن عمله في هذا الموقف وربما يزيد وسرعان ما استنفرت شخصية بلادها. شكلت وفدا من مختلف الأحزاب وقادته من ويلينجتون العاصمة إلى مدينة كرايستشيرش مرتدية حجابا أسود تعاطفا وحدادا على الضحايا وتعزية لأقاربهم..أعلنت تغطية الدولة لكافة مصاريف الجنازات والدفن..زارت مركز النور الإسلامي للتعليم المبكر في مدينة دنيدن المدينة التي عاش فيها المجرم المتهم بالمذبحة..قالت ان نيوزيلاندا تمثل التعدد والتنوع والطيبة والتعاطف وملجأ لأولئك الذين يحتاجون إليها ومأوى لمن يشاركها قيمها تلك القيم التي لن تهتز ولا يمكن لها أن تهتزجراء هذا الهجوم الوحشي..إن هؤلاء الضحايا هم نحن والقاتل ليس كذلك وتوجهت إلى القاتل بقولها ربما تكون أنت قد اخترتنا ولكننا نرفضك وندينك تماما ورفضت التقليل من خطر(الإرهاب الأبيض)ودعت ترامب إلى إظهار تضامنه علانية مع جميع المجتمعات المسلمة ولم يرد عليها إلى الآن..الجمعة الماضية أرتفع صوت الأذان في كل مكان في المدينة وكل نيوزيلندا ودعت(جاسيندا) 59 دولة لحفل تأبين للضحايا وصعدت المنصة ومعها رئيس وزراء أستراليا وهى ترتدى عباءة تقليدية للسكان الأصليين للبلاد(الماوري وهم يماثلون الهنود الحمر في امريكا)مقدرة وممتنه للتضامن الذي أظهره النيوزيلنديون تجاه المسلمين وقالت:العنصرية موجودة ولكنها غيرمرحب بها هنا وأملت في قدرة بلدهاعلى أن يكون مثالا يحتذى في قطع حلقة أعمال العنف المتطرفة المولدة لأعمال مشابهة ثم قالت:لسنا محصنين تجاه فيروس الكراهية والخوف أوغير ذلك..لم نكن أبداً كذلك لكن بإمكاننا أن نكون الأمة التي تكتشف الترياق . الكلمة الأكثر تأثيرا كانت للسيد/فريد أحمد الذي قتلت زوجته أثناء محاولتها إنقاذه لأنه مقعد !! قال:إنه سامح مرتكب المجزرة و أنه اختار السلام وطلب إلى النيوزيلنديين إدارة ظهورهم للكراهية أيا كانت دياناتهم وقال يسألني الناس لماذا تسامح أحداً قتل زوجتك الحبيبة؟وأضاف يمكنني الإجابة بأمور كثيرة يقول الله إذا تسامحنا فيما بيننا فإنه سبحانه سيحبنا وقال أن الناس ذووالثقافات المختلفة أشبه بزهور تشكل حديقة رائعة..لا أريد قلبا يغلي كالبركان بالسخط والنقمة والغضب يحرق نفسه وما حوله..أريد قلبا يملؤه الحب والرحمة قلبي لا يريد أن تضيع حيوات أخرى أو أن يقاسي إنسان الألم الذي أقاسيه لهذا أختار السلام ولهذا سامحت.. وهو ما جعل الحاضرين في حاله بالغة التأثرو الانفعال..المطرب البريطانى الشهير(يوسف إسلام) كات ستيفن الذى بلغ الآن 71 عاما غنى أغنيته الشهيرة (قطار السلام) بأسلوب مؤثر..عمدة المدينة قالت أن وقع المجزرة جاء على عكس ما أراد القاتل الذي يعتقد أن المسلمين بصدد غزو الدول الغربية وأضافت أن المجزرة كانت هجوما موجها ضدنا جميعا وهذه الأعمال المدفوعة بالكراهية تهدف إلى تقسيمنا وتمزيقنا ولكن على العكس جعلونا متحدين بالتعاطف والحب..إمام مسجد النورقال:قلوبنا محطمة لكننا لم ننكسرنحن على قيد الحياة..نحن معا وكلنا تصميمعلى ألا نسمح لأحد أن يقسمنا لأسر الضحايا أقول :أحباؤكم لم يموتوا سدى فدماؤهم روت بذور الأمل وقال موجها الى (جاسيندا): لقد قدمت درسا لزعماء العالم..شكرا لك على احتضانك لأسرنا وتكريمك لنا (بارتداء) حجاب بسيط..ماحدث دليل للعالم أجمع على أن الإرهاب ليس له لون أو عرق أو دين..وأضاف جملة بالغة القوة إذ قال: تنامي(نزعة)سيادة البيض تهديد عالمي كبير للإنسانية ويتعين أن ينتهي ذلك الآن قال ذلك في خطبة الجمعة التي تم بثها رسميا . سيكون هاما هنا أن نتذكر الحادث الارهابى الذى حدث فى فرنسا عام 2015 ضد صحيفة شارلي ابدو ونتذكر(مسيرة باريس)التى شارك فيها قادة أكثر من 40 دولة بينهم زعماء عرب(الملك عبد الله ملك الأردن وقرينته ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء التونسي مهدي جمعة) كما حضر أيضا رئيس الوزراء التركي أحمد داودأوغلو والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس أوكرانيا و ورئيس مالي ورؤساء وزراء بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا و وزيرخارجية مصر والإمارات والمغرب والجزائر والأمين العام للأمم المتحدة..ورأينا كيف احتفت وسائل التواصل والإعلام بالحادثة ونذكر شعار(أنا شارلى)وعلم فرنسا الذى وضعه كثيرون على صفحاتهم ..لكن للأسف لم يحدث مثل ذلك في حادثة نيوزيلاندا والتى هى أبشع وأشنع إرهابا ووحشية..ليبق الغرب هو مظهر ومخبر العنصرية والكراهية ضد الأخر المختلف مهما أدعى قادته غير ذلك وفى يقينى أن مرتكب الحادث في نيوزيلاندا ما هو إلا صدى لأصوات كريهة تتزايد وتتنامى ويشجعها قادة ومثقفون وهاهو النائب الاسترالى الذى ضربه صبى بالبيض على رأسه ناهيك عن تغريدات ترامب وتصريحات بومبيو وزير خارجيته الذين يعلنون صراحة كراهيتهم للإسلام والمسلمين في تعميم بغيض لصورة هم في الأصل صانعوها. وهو ما دفع الرئيس التركى اردوغان للقول بأن رد الفعل والتعاطف اللذين أبدتهما رئيسة وزراء نيوزيلندا في أعقاب الهجوم على المسجدين ينبغي أن يكون مثالا يحتذى به وقال في كلمة ألقاها أثناء اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي أشكر نيوزيلندا شعبا وحكومة للتعامل مع الهجوم بحساسية وعزم.. لكنه لم يكن موفقا حين قال إن تركيا ستجعل المهاجم(يدفع ثمن جريمته)إن لم تفعل نيوزيلندا !! ما استدعى إرسال (جاسيندا)لوزير خارجيتها إلى تركيا بعدما أثارت تلك التصريحات خلافا دبلوماسيا بين البلدين. اردوغان قال تلك التصريحات خلال مؤتمردعائى لحزبه في انتخابات(المحليات)وتم عرض تسجيل مصور للقطات من الحادث الاجرامى التى بثها المهاجم على فيسبوك ..وكان إصراره على عرض هذا الفيديو المروع للجريمة غير مفهوم وبدا شعوبيا للغاية بل وقال إن الاعتداء الذي حصل جزءا من هجوم أكبرعلى تركيا والإسلام وحذر الأستراليين الذين سيكونون معادين للإسلام بانهم سيلقون نفس مصيرالجنود الأستراليين الذين قتلوا بأيدي القوات العثمانية في معركة جاليبولي خلال الحرب العالمية الأولى!!؟؟وكان طبيعيا ان يستدعى رئيس وزراء أستراليا السفير التركي مطالبا بحذف تصريحات أردوغان من وسائل الإعلام التركية الرسمية. يبقى أن نعرف أن جاسيندا أرديرن ولدت في 26 /7/1980 وتولت منصب رئيس الوزراء 26 /10/2017. (أصغر رئيسة حكومة في العالم) وتخرجت من جامعة وايكاتو عام 2001 بكالوريوس علوم سياسية وعملت في عدة أماكن لكن أهمهم كان في لندن عام 2008 مستشارة سياسية في مكتب رئيس الوزراء البريطاني توني بلير قبل انتخابات عام 2008 تولت زعامة حزب العمل النيوزلندي وكانت عضوا في البرلمان إذ انتخبت لعضويته لأول مرة في انتخابات 2008 وهى تصف نفسها بأنها ديمقراطية اشتراكية تقدمية ترى أن الرأسمالية فكرة متوحشة و قد فشلت فشلا ذريعا ..وقالت عن الهجرة أن بلادها ترغب في استقبالِ المزيد من اللاجئين والمهاجرين في المستقبل القريب وفى دافوس وطالبت بأخذ البعد الاجتماعي للتطور في الحسبان وليس فقط البعد الاقتصادي وهاجمت سياسات العزلة التي يريد أن يفرضها على العالم قادة مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب(هكذا بالاسم..!!) في توبيخ مهذب له و قالت إنها تأمل أن يعترف قادة العالم بفضيلة السياسات الأكثر تعاطفا. لقد أصبحت جاسيندا ممن أبدعوا للإنسانية تاريخها الشريف. بن عطاء الله السكندري له جملة جميلة في كتابه الرائع(التنوير في إذهاب التدبير): لربما أتت الفوائد من وجوه الشدائد / ولربما أتت الأضرار من وجوه المسار / ولربما كانت المنن في المحن..ولعل شعاع من ضوء هذا المعنى برق سريعا أثناء وبعد الحادث الأليم