لا يخفى أن قطاعًا كبيرًا من المصريين، ممن يحسب على "الطبقة المتوسطة" أصبح في عداد الطبقة المعدومة أو ما تسمى ب "محدودي الدخل"، وذلك تأثرًا بالأوضاع المعيشية الصعبة التي أنهكت الكثيرين من هؤلاء الذين كانوا يوصفون بأنهم من "الطبقة المستورة"، حتى إن البعض احترف "التسول"، لأنه لم يستطع مقاومة الظروف الحياتية الصعبة، فلجأ إلى مد يده. في الوقت الذي لم يترنح أو يتزحزح رأس مال المتسول، خاصة ما يُعرف الآن باسم "المتسول المودرن"، الذي يحترف مهنة التسول، بطريقة تبدو مختلفة تمامًا عن الطرق التقليدية في التسول. تكسو ابتسامة خفيفة وجهها، مشوبة بالخجل، بينما يبدو على ملابسها الإناقة، حتى إنك لم تتصور يومًا أنها يمكن أن تطلب منك مساعدتها. تبدأ في التقرب من الشخص الذي تستعطفه، ومن ثم تشرح له ظروفها – أو هكذا تدعي - قائلة له: "كنت أتجول مع أصدقائي في أحد الأماكن، لكن تمت سرقة حقيبتي الشخصية مني، وبها كل ما أملك من نقود وليس معي ما أعود به إلى المنزل". في لحظة تضع نفسك مكانها؛ فتبدأ التفكير بإعطائها أكثر مما يلزم حتى تستطيع أن تعود إلى منزلها، ولن تملك أن تعطيها أقل من 10 جنيهات، وهو ما تسعى إليه منذ اللحظة الأولى من حديثها معك، تتحدث مع أكثر من شخص بنفس الطريقة، لتجمع 100جنيه في بضع دقائق بهذا الأسلوب الجديد. «أم تجرى على تجهيز ابنتها» لم تدَّعِ أنها فقيرة أو "محتاجة" لكي تأكل، ولكن تجعلك ك"أب" أو "أم" تضع نفسك في موضعها، فتجدها تتحدث بصوت مرتفع داخل عربات المترو، عند دخول عربة القطار تتحدث بصوت يخيم عليه الحزن عن ابنتها التي تعيش مها بعد موت والدها، أو ذلك المرض الذي يعوقها عن أداء أي عمل يجلب به أموالًا حلالًا. تقول: "أريد أن أجهز جهاز ابنتي؛ لأنها تريد أن تتزوج بعد بضعة أشهر"، تنفى عن نفسها أن تكون متسولة، وتشير إلى أنه كان لديها المال، لكن ظروف الحياة جعلتها تلجأ لذلك؛ وهو ما يدفعك إلى التفكير اللحظي؛ للتعاطف معها وتقديم المساعدة لها. المتسول البائع يبيع أشياء لا جدوى منها، أو عديمة القيمة، تجده يبيع المناديل مثلًا وما أكثر هؤلاء الذين يتخذون من ذلك حرفة في الطرقات، أو تراه يبيع شيئًا للأطفال، أو يبيع منتجات أخرى ك"فوط" المطابخ، ومعطر الجو، وغيرها من الأشياء التي لا تعرف مصدرها من الأساس، ولكن هي حيلة أو طريقة أخرى من طرق التسول، بينما يعتبرها أصحابها، مصدرًا ل "أكل العيش"، وهي بالطبع تجلب أموالًا كثيرة. متسول قصر العينى من مظهره يوحي أنه صعيدي، فهو يضع عمة على رأسه، وبيده الأخرى يمسك ابنه أو زوجته التي تحمل نفس المعالم والملابس الصعيدية، وتراه يجلس بالقرب من مستشفى قصر العيني منذ سنوات؛ يزعم أنه يجمع لابنه ثمن العملية، وبهذه الحيلة يجمع أموالًا يوميًا وذلك تحت مرأى ومسمع الجميع. التلميذ المتسول التطور الذى تحدثنا عنه في الأمثال السابقة لم يلغِ كثيرًا من المواريث الطبيعية ل"الشحاتين" التي تعودنا عليها، مثل انتشار الأطفال على طرقات الأرصفة والمترو؛ لبيع المناديل، والمذاكرة تحت ضوء اللمبة أمر أصبح بديهيًا، وهو الأمر الذي يلفت عددًا كبيرًا من المارة، ويدفع البعض إلى التعاطف مع هؤلاء الأطفال. البكاء على البضاعة شاع استخدام أسلوب آخر في "الشحاتة"، حيث يلقي طفل صغير بضاعة ما في الشارع متعمدًا، حتى يستدر عطف المارة بعدما لم تعد صالحة للبيع، بينما يجلس الطفل يبكي حاله، بجانب البضاعة الملقاة على الأرض، ما يُليّن قلوب البعض ويدفعهم إلى مساعدته بمبلغ مادي. في الوقت الذي تحدث فيه الدكتور أحمد مجدى، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، عن أن ظاهرة انتشار التسول ليست جديدة، ولكن الجديد بها هو التحول الذي ظهر عليه المتسول نفسه. وأضاف ل"المصريون"، أن "صورة المتسول أصبحت مغايرة للصورة النمطية التي كانت تعرف عنه في السابق، فالآن أصبحت "الشحاتة" عملًا ممنهجًا يوميًا له "تارجت" معين عليه أن يجمعه المتسول؛ لضمان حياة كريمة لنفسه". وتابع: "تلك المهنة تعد من أسرع المهن على الإطلاق، التي تجلب الأموال بطريقة مضمونة وسريعة ودون مجهود أو تعب، وتستحوذ على مبالغ كبيرة من جيوب المصريين". لكن شدد على أن "الحكومة عليها دور كبير في تلك الأزمة الممنهجة بسبب تدهور المستوى المعيشي؛ فجعل كثيرين يبحثون عن الأسهل والأسرع والأضمن، خاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية فجعلت البعض من أبناء الطبقة الأقل من المتوسطة يدخلون إلى تلك المهنة بطرق جديدة وخبيثة". من الناحية القانونية، ينص القانون في مادة رقم 49 لسنة 1933، من قانون العقوبات، على عدد من المواد؛ لمكافحة ظاهرة التسول. فقد حددت المادة "1" أنه يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز شهرين، كل شخص صحيح البنية ذكرًا كان أم أنثى يبلغ عمره خمس عشرة سنة أو أكثر وجد متسولًا فى الطريق العام أو المحال العمومية، ولو ادّعى أو تظاهر بأداء خدمة للغير أو عرض ألعابًا أو باع أى شىء. إضافةً إلى المادة الثانية، والتي يعاقب فيها بالحبس مدة لا تتجاوز شهرًا، كل شخص غير صحيح البنية، وجد فى الظروف المبينة فى المادة السابقة، متسولًا فى مدينة أو قرية لها ملاجئ وكان التحاقه بها ممكنًا. وتحتوي المادة الثالثة على الآتي: "يُعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر كل متسول فى الظروف المبينة فى المادة الأولى، يتضح الإصابة بجروح أو عاهات أو يستعمل وسيلة أخرى من وسائل الغش لاكتساب عطف الجمهور". ويعاقب بالعقوبة المبينة فى المادة السابقة، كل شخص يدخل دون إذن فى منزل أو محل ملحق به بغرض التسول. وبنفس العقوبة كل متسول وجدت معه أشياء تزيد قيمتها على مائتي قرش ولا يستطيع إثبات مصدرها.