يشير تاريخ الحروب عبر التاريخ ان(الثغرة)فكرة معروفة وقديمة والغرض الأساسي منها إحداث إرباك فى قوات الخصم وقطع الإمدادات عنه..وحدوث ثغرة فى منطقة الدفرسوار كان احتمالا متوقعا وقامت القوات المسلحة بمناورة عام 1971وكانت بين فريقين رئيسيين وتم اختيار منطقة الدفرسوار مكانا ممكن للعدو ان ينفذ فيه ثغرة اختراق بين القوات وهو ما حدث حرفيا يوم 14اكتوبر 1973 ,إسرائيل أيضا كانت لديها خطة مسبقة فى حالة عبور الجيش المصرى قناة السويس اسمها (خطة الغزالة) أو برج الحمام تتضمن عبور قناة السويس إلى الضفة الغربية وحصار القوات المهاجمة في الشرق عن قواعدها في الغرب وفتح الطريق نحو الإسماعيليةوالسويس ثم تهديد القاهرة نفسها. كان احتياطى الجيشين الثاني والثالث الميدانيين (فرقتين مدرعة ومشاة)إضافة للقوات الأصلية الموجودة في المقدمة في شرق القناة.. التى عبرت.. قد صنعت واقعا صلبا على الأرض فى سيناء شرق القناة وبما لا يتناسب مع حجمها ونجحت خطة (المآذن العالية) بأكملها فى تحقيق تقدم الى اقصى عمق داخل سيناء(12كم)فى حماية حائط صواريخ الدفاع الجوى والذى بعدها يعرض سلامة القوات لنيران الطيران الاسرائيلى..سيكون علينا هنا أن نستحضر خيانات(حافظ الأسد)حيا وميتا والذى ارسل إلى السادات يستغيث من تهديد القوات الإسرائيلية بدخول دمشق ويطالب بالضغط على اسرائيل من جهة قناة السويس لتخفيف الضغط على الجولان ..وبالفعل اصدر السادات أمرا بتطوير الهجوم شرقًا نحو المضائق رغم تحذيرات القادة العسكريين الكبار - وخاصة الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الاركان- بأنه إذا خرجت القوات خارج مظلة الدفاع الجوي المصرية فستصبح هدية للطيران الإسرائيلي وتم سحب الفرقتين الرابعة والواحدة والعشرين وتم دفعهما شرقًا نحو المضائق .. الفرقتان كانتا مكلفتان بحماية مؤخرة الجيش المصرى من ناحية الضفة الغربية اذا حدثت(ثغرة)أو اختراق وكانت مدربة بالاساس كما قلنا أولا على التعامل مع تلك الثغرة المتوقعة فى الدفرسوار والتى حدث منها الاختراق بالفعل ولكن لم تكن هناك لا الفرقة الرابعة ولا الفرقة الواحد وعشرين ..فشل تطوير الهجوم فشلا ذريعا و سريعا وخسرت القوات المصرية 250 دبابة فى ساعات معدودة و قامت إسرائيل فورا بتنفيذ (خطة الغزالة)وعبرت غرب القناة وحاصرت القوات المصرية الموجودة فى شرقها وذلك بسبب أن القوات التى كان مكلفة بحماية تلك المنطقة هى نفسها التى كانت مكلفة بحماية الضفة الغربية ومؤخرة القوات المسلحة .. بعد فشل تطوير الهجوم رفض السادات طلب الشاذلي بإعادة الفرقتين إلى مواقعهما الرئيسية للقيام بمهام التأمين التي تدربوا عليها أصلا. إلى هنا سيكون علينا ان نذهب إلى اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر(مجلس الحرب) مع قيادة الجيش الاسرائيلى فى 12/10 والذى يتكون من رئيسة الحكومة جولدا مائير /وزيرالدفاع موشيه ديان /رئيس الأركان دافيد إلياعازر /رئيس جهاز الموساد تسيفى زامير فى لمناقشة الخيارات المتاحة ووجدوا صعوبة فى التوصل الى قرار صحيح ..بدوره رئيس الأركان طالب ببحث مسألة وقف إطلاق الناروإعادة تنظيم الجيش نظرا للخسائر الفادحة التي تعرض لها. إلا ان مكالمة تليفونية تلقاها زامير أثناء الاجتماع غيرت مسار كل شىء .. كان الطرف الأخر على التليفون ينقل لزامير خبر تحرك قوات مدرعة مصرية بعدد كبير إلى عمق سيناء وهو ما حدث.. وكانت المدرعات والطيران الإسرائيلي فى انتظارها ودُمر في ذلك اليوم كما ذكرنا أولا ما لا يقل عن 250 دبابة مصرية فى ساعات معدودة..لم يكن ذلك هاما فى حد ذاته بل الأهم هو ان الباب اصبح مفتوحا على مصراعية لتنفيذ (خطة الغزالة) وإحداث اختراق عند الدفرسوار وقطع كل الإمدادات عن القوات المصرية التى عبرت بعد ان فقدت القوة التى كانت تحميها من الخلف فى تطوير الهجوم الذى طلبه السادات بناء على طلب الأسد ويبدو أن الأسد(سيد الخائنين)الذى كان يدافع عن العروبة كل يوم ويخونها كل لحظة قد طلب ذلك ضمن خطة تأمريه والتى بدورها اكتملت بإبلاغ زامير بكشف القوات المصرية التى عبرت وبدأ حركة القوات التى كانت تحميها إلى عمق سيناء..يعنى جهز طائرات تضربها فهى بلا غطاء دفاع جوى..وجهز قوات لتنفيذ الاختراق(المدروس الف مرة من الطرفين) على الضفة الغربية للقناة(الدفرسوار)..سيذكر التاريخ الذى يكرر نفسه فقط على أيدى المغفلين أن هزيمة 1967 كانت قد بدأت بقصة تهديد سوريا بهجوم اسرائيلى كاذب..هذه الرواية ذكرها تسيفى زامير فى حوارمع جريدة(يسرائيل هيوم)عدد الجمعة 29/9/2017 وذكر أيضا ان مصدر المعلومة التى تلقاها على التليفون لم يكن أشرف مروان(بابل)كما كانوا يسمونه وإنما كان مصدرا رفيعا آخر في مصر ونقلت الصحيفة عن نائب رئيس قسم بحوث المخابرات العسكرية الإسرائيلية خلال الحرب قوله:عرفت هذا العميل عن قرب وأضاف أنه في اليوم الذي تلقى فيها الموساد هذه المعلومة عاد رئيس الأركان العازار إلى الجبهة وقال(الآن أعرف ما علي عمله)ونعرف نحن ما حدث بعدها وعبروا إلى غرب القناة ونجحوا فى احتلال المنطقة بين السويسوالإسماعيلية لكن لم تتمكن تلك القوات من الاستيلاء على مدينة الإسماعيلية وهو ما وضعها فى مأزق صعب وجعلها محاصرة من قبل قوات من الجيش والمقاومة الشعبية والموانع الطبيعية .. وقرر الشاذلى تحريك 4 لواءات مدرعة من الشرق إلى الغرب لقتالهم تحت مظلة الدفاع الجوى لكن السادات والمشير أحمد إسماعيل رفضا فكرة الانسحاب من الشرق إلى الغرب خوفا من انهيار معنويات الجنود..القوات الإسرائيلية التى فى غرب القناة فشلت فى دخول مدينة السويس أيضا(حافظ سلامة والمقاومة)وكانت شبه محاصرة تماما وكان من الممكن تصفيتها بالكامل ,6 لواء مدرع بقيادة اخطر جنرالات الجيش الإسرائيلي(شارون/أدان/ماجن)..لكن السادات تلقى تحذيرا أمريكيا من الإقدام على هذه الضربة المرعبة..ووافق على وقف اطلاق النار تمام السادسة من مساء يوم 22 اكتوبر..وفهم الجواد الجامح المجنون أنه قد خسر الرهان كما يقول فاروق جويدة وانتحى جانبا وجاء بعده الفريق الجمسى الذى رأس الوفد المصرى فى مفاوضات الكيلو 101 وتم الاتفاق على فض الاشتباك الأول في يناير سنة 1974..وخارج إطار الثرثرة المعهودة يمكن للتاريخ أن يسجل أن قرار السادات بتطوير الهجوم لتخفيف الضغط على سوريا هو الذى افتتح المسيرة المظلمة إلى كامب ديفيد..(أتيت ولكنى لم أصل) الفريق فوزي وزير الحربية الأسبق ذكر في كتابه(حرب أكتوبر دراسة ودروس) أن تسلط الرئيس السادات وتدخله في الشؤون الميدانية دون علم أو معرفة تحول إلى قوة ضغط غير قابلة للنقاش أو المراجعة كان لسيطرة السادات علي القرار النهائي في القوات المسلحة عام 1973 مع وجود قائد عام للقوات تأثير ضارعلى أسلوب القيادة والسيطرة كما في إدارة العمليات ويضيف وكان للإيصالات المتبادلة بين السادات وكسينجر والتى تؤكد أنه لم يكن ينوي الإستمرار في التقدم شرقا بعد حصوله علي تغيير الموقف في الجبهة..ويضيف : وانتهي الصراع بين مصر وإسرائيل في أكتوبر73 بوجهه العسكري عن حصار الجيش الثالث الميدانى بينما انتهي الصراع الدبلوماسي الذي أعقب المعركة بصلح السادات المنفرد مع إسرائيل وتوقيع معاهدة (كامب ديفيد)التي تركت سيناء منزوعة السلاح وزادت من رقعة الأمن الجغرافي الإسرائيلي في الوقت نفسه الذي هددت فيه أمن مصر بصفة دائمة كما فرضت إسرائيل نفسها كدولة تسيطرعلي المنطقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأصبحت كلمتها اقوى كلمة فى المنطقة .. انتهى كلام الفريق أول محمد فوزى مدير الكلية الحربية ووزير الحربية الأسبق . كما قلت فى أول مقالة من هذه المقالات الثلاث.. لم تدرس حرب أكتوبر بمقدماتها وأحداثها ونتائجها دراسة كافية وافيه تساوى ما حدث فيها من بطولات تذيب الفولاذ فى قوتها وتضحياتها سواء من الجنود والقادة أومن المقاومة الشعبية فى السويسوالإسماعيلية ومدن القناة . أيضا لم نعرف بالقدر الكافي دور المعلومات وكيف تحركت من : إلى .. وواضح ان دورها كان هاما كما رأينا فى تطوير الهجوم والثغرة. ومن قبل فى استشهاد أبو الأبطال عبد المنعم رياض. وفى كل الأحوال يبقى لدينا فى سجلات التاريخ حربا عظيمة أضاءت العتمة التي تركتها هزيمة كل يوم 1967 وجنودا أبطال قاموا من الرماد..وقادة كبار نهضوا من الغياب..وشعبا أبيا أصيلا تجاوز التاريخ بقوة إرادته وصلابة عزيمته.