"أعتقد أننا أصدقاء, فأوراقى أوراقكم...." ... فى صمت الليل أخاطبك, وفى صمت الليل أسمعك, وأكاد أراك, تزورنى من وراء ركوة الفحم, والشاى بين يديك, ينتهى كوب فنأتيك بالثانى. رحلت عنى, لتسكن داخلى, أشيلك فى حنجرتى, ومرسوم أنت على جبهتى, بيننا ما بين السماء والأرض, ما بين الحياة والموت, وبيننا كتاب لا يغسله الماء, كنت تتلوه يقظانا, وتسمعه منى نائما, تصلح ما أخطئ فيه, وتلمح فى الكلام ما لا يذهب إليه عقلى وعلمى المحدود. كنت تقول إنها ستنفرج وإن نداها سيكون كالبحر عوما، وكنت تردد على مسمعى كلما شاهدت ضيقا أو إحباطا فى طفلك الذى ترجوه, بأن زمان الخسيس اجترأ, وأن علامات نهايته اقتربت, والفرج آت, وثق فى نفسك ثقتك فى خالقك, كنت تنفق ما فى الجيب, ويأتيك ما فى الغيب. كنت المعلم, وكنت الأب الخائف المرتجف على فراخه الصغار, لو تأخر أحدنا, تقوم قيامتك, ولا تسكن فوق أريكتك العتيقة حتى يأتيك نبأ سلامته.. كنت تنفق فينا العمر وكنا ننفق فيك الطلبات والحاجات. رحلت وبقيت!... هل تعلم أن الراحلين لا يرجعون؟ ولكنك جئت إلىّ الليلة, وبقيت فى مخارج حروفى, وارتجافات إحساسى بالكلام.. الليلة اشتقت رائحتك, أعرفها وتسكن أنفى, وأفتش عنها فى جلبابك, وأرتديه كلما عصفت الرياح وشعرت بالوهن. كنت ترى ما لا نرى, ورأيت أنت من زمن ما نراه اليوم من محنٍ, لكنى اليوم أواجه الدنيا بخبراتك التى حفظتها, بقصد وبغير قصد, بعلم منك أو دون استئذان, من لفتاتك وسكناتك وغضبك النادر جدا والمعدود, ونبرتك الحزينة والمكسورة كانكسار الصحة واعتلال البدن القوى. يا أيها الراعى الصالح إن الذئاب لا تستحى, وتقترب وتحيط بالغلام الصغير, وما إن يلتقط عصاك تفر.. ما إن يسكن عباءتك تصغر الدنيا ويتقزم البشر الذين لا يستحون. يا أيها الخائف من حساب ربه وبينهما بضع ساعات, والعرق يتقاطر فوق الجبهة, ويغطى الوجه, لا تخف إنه رب كريم, هل تذكر وأنت بين يدى نائم.. وهم يقولون إنك ميت, بينما هم الميتون, هل تتذكر قبلة شفتك، قطرة عودك، ونتاج ظهرك فوق الوجه المبتسم المنفرج المسرور, هل تذكر قبلتى يا حاج, وأنت قريب إلى مولاك, تتعجل طاولة الغسل والماء الدافئ, وسماع سورة يس وصديقك يعاتبك ويكلمك: (ليه يا صاحبى مشيت؟). طيب.. هل تذكر كلماتى. كانت كلماتى ردا لجميل منك وعلم منك وفضل منك. ساعتها قلت لك: لا تخف وأقبل على صاحب روحك وخالقك بقلب مطمئن راجٍ غير متردد, فأنت كفلت اليتيم وحملت الضعيف وأعنت على نوائب الدهر, ولحم أكتافنا من عرقك وكدك, وعلمتنا كتاب ربنا, فلا تخف, ولم الخوف؟ أليس هو ربا كريما غفورا يعلم الذنب ويغفر الذنب يا حاج. لو تذكر كلماتى لعلمت بأنى أدعو الله بأن يحفظها ولدى ويرد جميل جده إلىّ.. أنا الخائف والمتخوف والخواف والمترقب وغير المستعد للحظة دنت, أو هى فى الطريق, لكنها يا أبتاه آتية لا ريب فيها. فى ذكراك, يرحمك رب يس والرحمن وغافر. طفلك [email protected]