قبل ثلاثة أشهر تقريباً – وحين خسر حزب المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر الانتخابات البرلمانية المحلية في أكبر وأهم الولايات الألمانية ، التي استمر الحزب الاشتراكي الديموقراطي صاحب اليد الطولى فيها لأكثر من أربعين عاماً ، أقدم المستشار شرودرعلى طرح الثقة في حكومته في البرلمان الألماني، لرغبته الذاتية وباختيار كامل في تقديم موعد الانتخابات البرلمانية الاتحادية، ليعطي الشعب الألماني حقه في التصويت على برنامجه المختلف شعبياً وسياسياً عليه، وستحسم نتيجة الانتخابات قضية استمراره، أو الرحيل مبكراً عن دار المستشارية تاركاً الحكم لمن يختاره الشعب - هذا بالرغم انه كان يستطيع الاستمرار لأكثر من عام كامل كمستشار وحتى موعد الانتخابات البرلمانية الدورية عام 2006 وبذا أعطى شرودر لنظم الحكم في العالم أجمع، وخاصة في العالم الثالث درساً جديداً في الديموقراطية وحكم الشعب ، في تصور ليست له أية علاقة على الاطلاق بالعبقرية الألمانية بل باحترام السياسي لنفسه حين يتعلق الأمر برفض الشعب لسياساته ، ومدللاً وبشكل واضح على ان السياسي حتى ولو لم يمتلك من الاخلاق الا بعضها، ومن المبادئ الا ما يتعلق مباشرة بمصالحه - الا ان عليه ان يمتلك نظرة عادلة وموضوعية لمصلحة البلد التي يحكمها – فقط ولو من باب الحرص على ما سيُسجّل عنه يوما ما في كتب التاريخ فرضت تلك المقدمة نفسها، لتزامن انتخابات الحكومة الجديدة في المانيا، مع " الانتخابات البرلمانية المصرية " مع الاعتراف مسبقاً بظلم المقارنة بين الممارسة السياسية – وليست الديموقراطية فقط – هنا وهناك. فرض الناخب الألماني - عبر صوته - التشكيل الحكومي الحالي بين الحزبين الكبيرين في المانيا – الخصمين اللدودين السابقين الحزب الاشتراكي الديموقراطي والتحالف المسيحي المشكل من الحزبين المسيحيين الديموقراطي والاجتماعي، واستمر التفاوض بين تلك الاحزاب لشهرين كاملين بغية التوصل إلي اتفاق الحد الأدنى الذي يسمح بائتلاف حكومي يستطيع تحقيق بعض ما ورد ببرامجهم الانتخابية للالتزام أمام الناخب ولو ببعض ما وعدوا بتنفيذه حال فوزهم في الانتخابات وفي يوم الثلاثاء الماضي انتخب البرلمان الألماني أول مستشارة في تاريخ المانيا البروفيسور في الفيزياء انجيلا ميركل، التي تركت حقائق المعمل والمختبرات للتعامل مع حقائق السياسة باعتبارها فن الممكن من أجل مصلحة الشعب وحده ! فرضت تلك الحقائق نفسها على كل المتابعين لما حدث ويحدث في مصر باسم الانتخابات والديموقراطية، ففي حين لم يستطع جيرهارد شرودر البقاء في منصبه لحظة واحدة بعد فقدانه الأغلبية في ولاية واحدة، وهي ولاية نورد هاين ويستفاليا ، وقناعته بأنه لن يستطيع الوفاء بوعود السابقة ، وبرغم ما يسوغه له القانون والدستور وموعد الانتخابات من حق البقاء في السلطة حتى موعد الانتخابات الدورية . في مصر الصورة على النقيض تماماً ، فالرئيس مبارك وبرغم وعوده المتكررة - قبل ربع قرن - الخاصة بعدم بقائه لأكثر من دورتين رئاسيتين على الأكثر – قاتل ويقاتل من أجل الاستمرار حتى نهاية العمر. فماذا يمكن تسمية ذلك؟ في المانيا أقسمت انجيلا ميركل ومن قبلها شرودر وغيره أمام الشعب الألمانية وعلى الهواء مباشرة قبل استلام خطاب التكليف الحكومي على احترام الدستور والقانون والعمل بضمير خالص على خدمة الشعب الألماني ومصالحه، وارساء مبدأ العدالة في الحكم ، كقاعدة تحكم البقاء أو الرحيل عن سدة الحكم، وتماماً مثلما كان الرئيس مبارك قد أقسم أمام مجلس الشعب لحظة توليه الحكم قبل ربع قرن، فلماذا وفى شرودر بوعده دون مبارك ؟ جاءت ارادة الناخب في المانيا بحكومة تحكم بأسمه، فلماذا لا يحق للناخب في مصر ممارسة نفس الحق.؟ لم يفهم أغلب – وربما كل - السياسيين الألمان، وغير الألمان – والمتابعين والمراقبين هنا للشأن المصري، ولن يفهموا – ما حدث ويحدث في مصر من بلطجة وعنف وتزوير لإرادة الناس باسم الديموقراطية بعكس بعض المصريين من أبواق النظام في مصر وحلنجية الطبل خانة الذين يصورون - بأريحية شديدة والمعية منقطعة النظير- ما يحدث في مصر للعالم من شرقه وغربه على عكسه تماماً – وكأن العالم كله قد أصيب فجأة بالعمى والصمم ، لا يرى ولا يسمع – ليدلل هؤلاء مرة أخرى على غباء منقطع النظير فيما يجب وما لايجب في مهنة القلم، ومتصورين ان العالم كله سيرتجف رجفة الموت حين يهددون بأن القادمين من حملة شعار الاسلام هو الحل سيحيلون العالم كله – وليس مصر فقط - إلي مصنع وبؤرة للإرهاب!؟ .ناسين ان تلك الاسطوانة نفسها لم تؤد الا إلي الاضرار بمصالح ومصداقية الكثير من دول وشعوب العالم – حين اعتمد عليها الغرب في تحريك الجيش في الجزائر لاجهاض نتائج الانتخابات الديموقراطية هناك ، والتي جرت فيها بالمعايير الغربية المتعارف عليها لم تعد الرؤى في الغرب بعدما حدث في الكثير من مناطق العالم هي نفسها، وتغيرت الكثير من المفاهيم حول مصالح وارادة الشعوب، وتباين مناهجها وثقافاتها وبالتالي نظم الحكم فيها، الا ان الرؤى في مصر لم تتغير لدى البعض – ظلت على حالها ، سواء بين أوساط الحاكمين فيها في السلطة والمعارضة ايضاً – زوراً وبهتاناً بإسم الشعب، أو بإسم جماهير الحزب أو بين أزلامهم وخدمهم المنتشرين كالطفيليات وفق قانون العبيد في أغلب وسائل الإعلام الحكومية نسى هؤلاء – وحدهم - انه حين يُفرض على الجميع الاختيار بين الاسلام هو الحل أو " الصهينة هي الحل أو الأمركة هي الحل، والفساد والمحسوبية، والرشوة والدكتاتورية وحرق الأجيال، وتوريث الحكم هو الحل ، فسيختار الناس أو معظمهم ووببساطة منقطعة النظير شعار " الاسلام هو الحل " – حتى هؤلاء الذين يختلفون مع من رفعوا هذا الشعار ، أو لم يفهموه كفهمهم له في بلد كمصر، ومجتمع كمجتمعها قد يستطيع بعضهم – الى حين - فرض منطق الصهينة والأمركة والدكتاتورية والفساد باعتبار ان كل ذلك هو الحل، لكن ذلك لا يمكن له ان يستمر، ليس فقط لفساده، بل ايضاً لأن دوام الحال من المحال..والا لكان شعب مصر قد استمر حتى الآن ووفق رغبة الوالي قراقوش آنذاك في الامتناع عن أكل الملوخية.! فهل نتعلم الدرس قبل فات الأوان