الحمد لله وحدَه والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده وبعد: فقد قسمت جميع دساتير العالم السلطات إلى ثلاث : السلطة التشريعية (المجلس النيابي) والتنفيذية (الرئيس والحكومة والإدارة المحلية) والسلطة القضائية، أما السلطة التشريعية فهي التي تقرر السياسة العامة للدولة والخُطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة وتمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وقد قدمت لنا الانتخابات النيابية بعد خلع الفرعون محمد حسني مبارك أعضاءً من أفضل مَن ولدت مِصر الكنانة، ولكنهم وُلدوا أمواتًا ؛ لأن المجلس العسكريّ الحاكم أراده مجلسًا (منزوع الدسم) حتى يقضي شهوة الحكم والتسلط والتستر على طواغيت العصر وكان أعضاء مجلس الشعب يعلمون ذلك من خلال المواد غير الدستورية التى أضيفت إلى التعديلات الدستورية التي وافق عليها الشعب ، وحينما أرادوا ممارسة حقوقهم اصطدموا بالمجلس العسكريّ وهم مخطئون ؛ لأنهم كما أسلفت ، اتفقوا معه على ممارسة حقوقهم وهم مقيدون ، ومن الأخطاء الكبرى لأكثر الأحزاب أصواتًا (الحرية والعدالة) مدح حكومة الجنزوري ، الذي كان يجب عزله منذ عقد أول اجتماع لمجلسَي الشعب والشورى في 23/1/2012 ، قابله الشعب بالفرح الشديد والدعاء العريض بالتوفيق والسداد لأول مجلسين نيابيين بعد الثورة المصرية المباركة (المخطوفة) على حكم الفرعون المخلوع ، ونظر الشعب إلى أحوال مجلس الشعب الممثل له ؛ لينتظر خطوات جادة، منها تشكيل حكومة جديدة ومحاكمة أركان النظام الذي مازال قائمًا وتطهير البلاد من المفسدين، فإذا بالمجلس الموقر يحاول ذلك فيواجَه بمقاومة شديدة من المجلس العسكريّ وفلول الحكم المفسد، ثم يفاجئنا بمحاولاته سحب الثقة من الحكومة المشكَّلة لتدمير الثورة، ومن العجائب أنه أعلن مسبقًا أنه سيناقش بيان الحكومة وسيرفضه لإسقاطها، ولم يناقشه في أيام، بل أضاع شهرين من عمر أمتنا الضائعة، وقام المجلس العسكريّ بإجراء تعديل وزاريّ محدود (أربع وزارات شملت الثقافة والتعليم العالى، والقوى العاملة ، ومجلسى الشعب والشورى)، وقد تساءل الناس وتعجبوا من تخلّى المجلس عن تشكيل اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور وممن مدحوا الدكتور كمال الجنزوريّ ، على الرغم من اعتراضات الكثير من المختصين لمعرفتهم تاريخه ومساندته لحكم المخلوع ؛ ولأن كثيرًا من الناس قد تعوَّدوا على الاستعباد والذل والخنوع وترك الوطن ذبيحًا ونهبًا للطامعين والمفسدين ؛ فقد استنكروا الدعوة "المظهرية" لإقالة الحكومة المتجبرة المفسدة ، فإذا كان هناك مَن يسرق أو يفسد في الأرض فهل نتركه لثانية واحدة ؛ بحجة قصر المدة الباقية؟! ، والكل يعترف بحجم الكوارث على يد الجنزوري ومَن يوجهه كأحداث مجلس الوزراء وبور سعيد وأزمات البنزين والحرائق والفوضى الأمنية وقضية التمويل الأجنبيّ وإطلاق شياطين جهاز إرهاب الدولة لتدمير البلاد والعباد وحملات التخوين والإرهاب الفكري الإعلاميّ على الإسلام والمسلمين ، ثم ذبح الرجال والنساء بأسلحة بلطجية الحكام ثم هجوم الجيش على معتصمي "العباسية" ومسجد النور يوم الجمعة 4/5/2012 بعد مؤامرة استبعاد المرشح لرئاسة مصر الشيخ محمد حازم صلاح أبو إسماعيل ، بعد أسابيع من التوتر والمظاهرات والمشاحنات انتهت بمذبحة العباسية والمجلس النيابي لم يتحرك - إلا مَن رحم ربي - لمنع المذبحة قبل وقوعها ، وتم الاستبعاد من قبل لجنة الانتخابات الرئاسية التابعة والخاضعة للفرعون المخلوع ، على الرغم من حصول المرشح على حكم المحكمة الإدارية وشهادة مصلحة الجوازات بعدم حصول أمه على الجنسية الأمريكية ورأينا بأعيننا الاستنكار والشجب والتنديد من بعض الأعضاء لما حدث من مهازل اللجنة المذكورة وما قيل عن المادة رقم 28 (المنسوخة من المادة 76 من دستور 1971) ، وكان مجلس الشعب المنتخب يستجدي الصدقات والرضا والقبول من المجلس العسكريّ المعين من قبل المخلوع ؛ ولذلك يتحمَّل النواب المسؤولية التاريخية والأخلاقية تجاه الانهيار الحادث في البلاد ، ومن ذلك تركهم الدماء السائلة أنهارًا في العباسية وكل أنحاء مصر ، وسفرهم بوفد شعبيّ مبالَغ فيه (124 فردًا) من كل الاتجاهات للرياض لإعادة السفير السعوديّ للقاهرة بعد أزمة القبض على الناشط المصريّ أحمد الجيزاويّ بجدة، وسفرهم خطوة جيدة ولكنها غير مناسبة الآن، ويا ليتهم ناقشوا جميع مشاكل المصريين ومنها اعتقال مصريين هناك، وكان الواجب عليهم عدم تعليق جلساتهم أسبوعًا احتجاجًا على تجاهل المجلس العسكريّ لطلبهم بإقالة الحكومة ، بل العودة للشعب في ميدان التحرير وإعلان عجزهم عن تأدية الأمانة المكلفين بها ، ومطالبة المجلس العسكريّ بالخضوع للإرادة الشعبية بإقالة الحكومة ومحاكمتها عن جرائمها، ، وأين اجتماعاتكم الضرورية بالمجلس العسكري لحل المشاكل؟! وأقول لكم: كفاكم عجزًا وتقاعُساً بعد أن اختاركم الشعب من أجل تطبيق الإسلام ونحن نعلم صدقكم وحسن سيرتكم، وكذلك بعض الأعضاء من الاتجاهات غير الإسلامية، ولكن أصِروا على انتزاع حقوقكم وحقوق شعبكم، "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا اللهَ والرسولَ وتخونوا أماناتِكم وأنتم تعلمون"، "إن اللهَ يأمرُكم أن تؤدوا الأماناتِ إلى أهلِها وإذا حكمتم بين الناسِ أن تحكموا بالعدلِ".