بعد نجاح الثورة المصرية فى إسقاط أعْتَى النظم الاستبدادية فى العالم العربى وخلع الطاغية حسنى مبارك الذى جثم طويلاً على صدور الشعب المصرى.. كنا نظن أنَّ الطريق أصبح مُعَدًّا لإقامة دولة حديثة قائمة على العدل وسيادة القانون.. لكن فوجئنا جميعًا بأنَّ الطريق إلى ذلك ملىء بالألغام والعثرات والعقبات، رغم عِلْمنا بصعوبة المرحلة "الانتقالية" من الاستبداد إلى الحرية.. لكن ما جرَى على أرض الواقع فاق الخيال؛ من انتشار الفوضى، وإطلال فلول الاستبداد بين آنٍ وآخر على المشهد السياسى، والأخطر من كل ذلك غياب القانون، وتفخيخ المشهد الثورى بالمجازر بدايةً من مذبحة محمد محمود مرورًا بمجزرة بورسعيد ونهاية بمذبحة العباسية.. مما زاد قلق العامة والمثقفين بشأن مستقبل الثورة واكتمال بناء الدولة. وحتى لا يكون كلامنا دخانًا فى الهواء يجب أن نعترف أننا جميعًا مسئولون عما آلت إليه الثورة اليوم.. بدايةً من العسكر الذى لم يتناغم مع الثورة واستغل ثقة الجميع فيه فحاول استنساخ نظام مبارك بإطلاق أذرعه التخريبية من البلطجية والفوضويين وافتعال الأزمات والكوارث. نعم الكل مسئول بما فيهم القوى السياسية والإسلامية التى رسَّخت عملية الاستقطاب والانقسام فى المجتمع؛ فسَعَت بسرعة البرق عقب نجاح الثورة مباشرة لِجَنْى الثمار وحصد المكاسب دون مراعاةٍ لتغليب مصلحة الوطن على المصالح الحزبية الضيقة، وكانت الكارثة الأكبر أن ترَك الإسلاميون المشهد الثورى فأصبح مسرحًا للعبث وإراقة الدماء، وكان ذلك جليًا فى مذبحة محمد محمود، وظهر للعامة أنَّ الإسلاميين مُغْرِقون فى الانتهازية، وهم ليسوا كذلك بالطبع؛ فهم من ضحَّوا طوال عقود عديدة بأنفسهم وأموالهم، وكانوا رأس الحربة ضد الدكتاتورية وامتلأت السجون بهم.. لكن الصورة بَدَت كذلك انتهازية فى حصد مقاعد البرلمان وترك الدماء تسيل، واستفرد العسكر بالثوار وتَمَّ سحقهم دون تدخُّل من الإسلاميين. لكن عذرنا للإسلاميين أنَّهم قليلو الوعى بالتجربة السياسة، فضلاً أنَّ أغلب الإسلاميين نتاج عقلية عاشت قرونًا من الظلم والكبت والسجون، وكلها أمور تؤثر فى تفكير الرجال. ومضت المؤامرة تلو المؤامرة من الفلول والعسكر للالتفاف على الثورة بإطالة الفترة الانتقالية ووضع الألغام والعراقيل فى طريق نقل السلطة لرئيس مدنِى يختاره الشعب، حتى فوجئنا باستبعاد المرشح الأكثر شعبية وهو حازم صلاح أبو إسماعيل وشعر الناس أنَّ الرجل دارت عليه مؤامرة باختلاق جنسية والدته الأمريكية- اختلفنا أو اتفقنا على صحة المؤامرة- لكن تبقى حرية الاعتصام والتظاهر حقًّا مشروعًا، بالإضافة للشفافية والنزاهة وسيادة القانون فى التعامل مع الأزمة.. لكن تسفك دماء المعتصمين أمام وزارة الدفاع لمجرد الاحتجاج ويطلق عليهم بلطجية فيُقْتَل العشرات ويصاب المئات، ثُمَّ نرَى على شاشة التلفاز هذه القوة المفرطة فى مواجهة المتظاهرين وتنتهك كل القيم من ضربٍ للنساء، واقتحامٍ لمسجد النور، واعتقال للمصلين.. إنَّها جرائم بشعة يجب أن نتوقف أمامها جميعًا للتحقيق فيها ومحاسبة من يملك القوة الغاشمة التى بطشت بهذا الشعب وسفكت دمه دون حرمة. ورغم ضبابية وكآبة المشهد إلا أنَّنا واثقون من اجتياز المرحلة الصعبة فالثورة سوف تسير إلى نهاية الطريق الذى دفعت الشعوب ثمنًا باهظًا من أجله.. لكن ذلك يتطلب تضافر الجهود وتكاتف الأيدى نحو هدف واحد هو اكتمال بناء الدولة بانتخابات حرة نزيهة، أيًّا كان هذا الرئيس.. المهم أن يكون وطنيًا ورئيسًا لكل المصريين.