احتفل محرك البحث العملاق "جوجل" مؤخراً بذكرى ميلاد مخترع السوستة السويدى جيدون صندباك عبر وضع صورة السوستة على صفحته الرئيسية، التى يشاهدها المليارات عبر العالم يومياً.. وهى سنة استنها "جوجل" للاحتفال بالمخترعين والمكتشفين والمناسبات المهمة بين الفينة والأخرى بوضع صور رمزية على صفحته الرئيسية وربطها بعملية بحث تقود المتصفحين للتعرف على هذه الشخصيات أو المناسبات.. من السهل ملاحظة انحياز جوجل الأمريكى للحضارة الغربية وسعيه لتعريف العالم بإنجازاتها ومساهماتها فى خدمة البشرية، فمعايير اختيار الشخصيات والمناسبات ليست موضوعيةً تماماً بل هى أسيرة للرؤية والخارطة المعرفية الغربية، ويعبر غياب الموضوعية عن نفسه بشكل صارخ حين تتجاهل جوجل مناسبات كبيرةً تهم حوالى ربع سكان العالم مثل شهر رمضان وعيدى الأضحى والفطر بينما تحيى ذكرى شخصيات مغمورة لا تتعدى شهرتها المجتمعات الغربية.. لكن هل يحق لنا أن نلوم جوجل على هذا الانحياز ونطالبهم بالشفقة علينا وإفراد مساحة من الاهتمام بنا بينما هم أصحاب هذا الإبداع ومن حقهم أن يستثمروه بما ينسجم مع قيمهم وثقافتهم ويروج لها.. كيف كان الحال لو كنا نحن أصحاب جوجل.. ألن نكون منحازين بدورنا إلى أنفسنا على افتراض أننا كنا سنفكر بنفس الطريقة الإبداعية.. جوجل يعلمنا درساً فى غاية الأهمية وهو أننا نستطيع أن نروج لثقافتنا وقيمنا بهدوء دون ضجيج وصراخ.. فهذه الشركة العملاقة تمارس الدعاية للحضارة الغربية بطريقة إبداعية ولطيفة بعيدة عن الفجاجة والأسلوب المباشر المكشوف.. جوجل بطريقة غير مباشرة تقول لنا عبر هذه الدعاية الصامتة كم أنتم مدينون للغرب بالحضارة التى تتنعمون بها، وتصور لنا بأن الغرب هو محور هذا العالم ومركزه.. ليس من الحكمة تجاهل التأثير الذى تستطيع شركة جوجل إحداثه فى عقولنا ومشاعرنا، فتكرار مشاهداتنا لهذه الدعايات سيرسخ فى عقولنا الباطنة مشاعر الإعجاب والإدانة بالفضل للحضارة الغربية.. هكذا إذاً يخدمون حضارتهم بهدوء وسلاسة.. فى المقابل أستحضر طريقة تفكير فريق منا، وهى طريقة قائمة على الصراخ والفجاجة بل والسذاجة أحياناً إذ يفكر بعضهم بأن يخترع محرك بحث منافس لجوجل يسميه جوجل أو يوتيوب الإسلامى أو فيس بوك العربى!! وكأنه يكفى أن تطلق صفة إسلامى أو عربى على أى شىء حتى تكسو الحضارة البشرية ثوباً إسلامياً.. أولاً من ناحية أدبية وأخلاقية لا يحق لنا سرقة فكرة سبق غيرنا لإبداعها وإن كانت الغيرة تشتعل فينا من التفوق الغربى علينا فإن علينا أن نبدع أفكاراً جديدةً كما أبدعوا أفكاراً جديدةً، أما استنساخ الفكرة القائمة فهو لا يزيد عن كونه سرقةً لجهود الآخرين.. ثانياً فإن إقناع العالم بقيمنا لا يكون بأسلوب فج مباشر.. أرأيتم لو أن جوجل سمى نفسه جوجل المسيحى أو جوجل الغربى.. هل كنا سنعجب به بنفس الإعجاب الذى نبديه الآن، أو كان قادراً على إحداث نفس الأثر فينا.. كان كثيرون سينفضون من حوله وسيبقى حوله المتعصبون الغربيون.. أما بهذا الاسم العالمى فإنه قد استطاع أن يغزو عقول وقلوب المليارات وصار بإمكانه أن يؤثر فيهم بسهولة وسلاسة وبجرعات مخففة تتسلل إلى لا شعورهم دون مقاومة. إن البحث عن وسائل إبداعية بات ضرورياً لنكون قادرين على تسويق ثقافتنا وقيمنا وديننا للناس.. والله أعلم.. [email protected]