أظن أن الحال الذى آل إليه الثورة العظيمة، يستلزم من جميع القوى السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أن تمتلك شجاعة الاعتراف بالخطأ، ثم تلحقها بنوع من التطهر من الأدران والأوساخ، التى لطخت رداءها السياسى وأساءت إلى مجمل الأداء الثورى وألجأتنا إلى هذا المنعطف الصعب الذى تمر به الثورة.. مع التسجيل أن الأخطاء لم تكن على درجة واحدة من حيث الحجم أو الخطورة. فالتيار الإسلامى (وأبدأ به هنا لأنه الأكبر عددا وصاحب الأغلبية) عليه أن يعترف أنه أخطأ عندما تحالفت بعض أطيافه مع المجلس العسكرى من خلف ظهر القوى الوطنية، وظنت أنها بهذا التحالف ستمتلك الزمام، وتتمكن من السيطرة على مفاصل الدولة الهامة من برلمان وحكومة انتهاء بمؤسسة الرئاسة، لذا فضلت منذ وقت مبكر من عمر الثورة أن تنفصل عن مجمل الأداء الثورى، وأن تعمل بصورة منفردة، ولم تلتفت إلى أن الثورة مازالت تحبو ولم تقف بعد على قدميها وأن النظام السابق مازال موجودا بحده وحديده وخيله ورجله كامنا فى الجحور ينتظر اللحظة المناسبة للوثوب على الثورة ومكتسباتها. هذا التحالف المشار إليه لا يستطيع أحد إنكاره أو الادعاء بخلافه، وقد أدى بدوره إلى تمرير التعديلات الدستورية والإعلان الدستورى، الذى اكتشفنا مؤخراً أنه بمثابة حقل الألغام لا نكاد نفيق من وقع انفجار لغم فيه حتى نفاجأ بمثيله، كما أن التربيطات السرية والاتفاقات التحتية أتاحت للعسكرى أن يفرض أجندته الخاصة على قوى الثورة بدلا من أن يسير وفق ما تراه الثورة متوافقاً مع مبادئها وأهدافها العليا، حتى بتنا أمام مشاهد عبثية هزلية ففلول النظام البائد من حقهم الترشح من باب عدم الإقصاء، أما معارضو مبارك الذين سجنوا بسبب معارضتهم له فليس لهم ذات الحق لأنه لم يرد إليهم الاعتبار! هذه الدروب السرية التى سلكتها بعض أطياف التيار الإسلامى أضاعت الفرصة على الثورة أن ترتب أوضاعها وتعيد صياغة المشهد بما يتناسب مع الثورة العظيمة، التى وعى وتصور كثير من نخبنا الإسلامية. والمحزن أن هذه القوى المتحالفة سر مع العسكرى استيقظت اليوم على وقع الخطيئة بعد أن رأت المكاسب تتفلت من بين أصابعها بداية من تأسيسية الدستور وانتهاء بمجلسى الشعب والشورى اللذين ينتظران قرارًا بالحل قد يصدر قريباً!! وطيف إسلامى آخر انطلق هائماً على وجهه بعد التنحى يحذر من المساس بالمادة الثانية من الدستور، مع أن الأمر برمته لم يثر لا من قريب ولا من بعيد وتحول الاستفتاء على التعديلات الدستورية على يد هذا الفصيل إلى اختيار ما بين الجنة والنار والكفر والإيمان!! القوى السياسية الأخرى الليبرالية أو اليسارية لم تكن أفضل حالا إذ استمرت نخبها القديمة على ذات نهج المكر السيئ ومحاولة التزلف إلى السلطة الجديدة والاستقواء بها ضد خصومها من التيار الإسلامى، كما أنها لم تجد غضاضة من عرض خدماتها على الحكام الجدد، كما كانت تفعل مع مبارك ونظامه.. أما شباب الثورة فتلك مأساة أخرى فقد تاهت بوصلتهم وانحرف المسار بكثير منهم تحت وطأة أضواء الإعلام المبهرة وعمدت سلطة العسكر طيلة الفترة الماضية إلى تشويه صورتهم وتفتيت قوتهم باستخدام سياسة العصا والجزرة. ولكن يحسب لهم أنهم بقوا فى الميادين يهتفون ويحذرون ولكننا لم نصغ لهم وتمترسنا وراء حكمتنا الموهومة حتى أفقنا على وقع الفاجعة والثورة تغتال أمام أعيننا. وقبل أن نبحث عن خطوات تصحيح المسار اللازمة أظن أن علينا جميعا بالتطهر السياسى فهو فريضة الوقت الغائبة (وما أبرئ نفسى إن النفس لأمارة بالسوء) [email protected]