استقبلت مصادر قضائية خطاب الرئيس مبارك الذي ألقاه أمس أمام الجلسة المشتركة لمجلسي الشعب والشورى بنوع من الفتور وعدم الثقة في نية الحكومة تنفيذ ما جاء به خاصة فيما يتعلق بتمرير مشروع قانون السلطة القضائية ، معتبرة أن الخطاب تبنى نوعا من المهادنة ومحاولة لامتصاص غضب القضاة والحد من ثورتهم العارمة التي تفجرت على خلفية الاعتداءات التي تعرضوا لها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة . وطالب القضاة رئيس الجمهورية بإلزام مجلس القضاء الأعلى بفترة زمنية محددة لإبداء رأيه في مشروع قانون السلطة القضائية الجديد الذي أعده نادي القضاة ، مشيرين إلى أن رأي المجلس ليس ملزم وأن القضاة متمسكين بالمشروع دون تعديلات. وأكد المستشار محمود مكي نائب رئيس محكمة النقض ورئيس لجنة متابعة الانتخابات بالنادي أن القضاة يراودهم الأمل بأن يرى المشروع النور قريبا بعدما تأكد بإجماع القضاة في جمعيتهم العمومية الأخيرة أن القضاة مصرون على المطالبة باستقلالهم حتى قبل إجراء الانتخابات لأن ما شاب العملية الانتخابية من عيوب وتجاوزات يرجع إلى عدم الإشراف الكامل للقضاة والتدخل في شئونهم. وطالب مكي بعدم الالتفات إلى رأي مجلس القضاء الأعلى حول هذا المشروع لأن المجلس يتبع الجهاز التنفيذي الذي يسعى لإحكام قبضته علي القضاة ، فرأي المجلس غير ملزم وهو استشاري فقط. وشدد رئيس محكمة النقض على أنه في حال خروج المشروع بعد إجراء تعديلات عليه فإن ذلك سوف يكون مؤشرا على عدم جدية السلطة التنفيذية في رفع قبضتها عن التدخل في شئون العدالة . واتفق المستشار هشام البسطويسي نائب رئيس محكمة النقض مع الرأي السابق ، محذرا من أن عدم تحديد فترة زمنية للمجلس الأعلى القضاء لإبداء رأيه في مشروع القانون هو إضاعة للوقت ، حيث إن رأي هذا المجلس لا يقدم أو يؤخر لأن القضاة متمسكون بالقانون الذي أعدوه كما هو دون تعديل. ونبه البسطويسي إلى أن مجلس القضاء يرغب تعديل ما يتعلق بالمطالبة بانتخاب أعضاء المجلس بدلا من التعيين حتى يستمروا في مناصبهم وكذلك رفضهم مطلب القضاة بعدم تمديد سن التقاعد لأنهم يرغبون في التمديد. من جانبه ، اعتبرت مصادر قضائية ، التي طلبت عدم الكشف عن نفسها ، أن الحزب الوطني الحاكم يسعى لحفظ ماء وجهه خاصة بعد الفضائح التي تورط فيها محليا وعالميا والتي كان للقضاة الفضل في كشفها وهو ما يفسر تركيز خطاب الرئيس على مشروع قانون السلطة القضائية واستقلال القضاء بعد أن أصبح الحزب الحاكم في موقف حرج أمام الرأي العام العالمي بسبب الجرائم التي ارتكبها جهاز الشرطة في حق الشعب عامة والقضاة خاصة. ووصفت المصادر خطاب الرئيس بأنه لا يعدو كونه رسالة " تطمين نظرية" ورد غير مباشر على رسالة التحذير التي بعث بها القضاة للسلطة التنفيذية من الجمعية العمومية الأخيرة وعدم تراجعهم عن مطالبهم والتأكيد على استقلال القضاة ، وهى الأمور التي ركز عليها خطاب الرئيس. واستبعدت المصادر أن تدخل وعود الرئيس حيز التنفيذ العملي وأرجعت السبب في ذلك إلى ما سمته بسياسة المراوغة التي تتبعها الحكومة ليس فقط تجاه القضاة ولكن أيضا تجاه كل القضايا الحيوية التي تتطلب تدخلا مباشرا وسرعة في الإنجاز. وانتقدت المصادر ما أسمته ب " حديث الإفك" من جانب رئيس مجلس الشعب والذي أكد فيه أن الانتخابات البرلمانية كانت تمثل حدثا تاريخيا اتسمت بحياد الشرطة واستقلال القضاء وهو ما يؤكد أن أول قصيدة البرلمان " كفر" وانه ليس متوقعا منه إنجاز أي عمل مطلوب إلا بالصيغة التي تراها الحكومة مناسبة للحزب الحاكم. من جانبه ، أشار مصدر بنادي القضاة إلى أن مشروع قانون السلطة القضائية والذي أكد خطاب الرئيس أمس على إقراره خلال الدورة البرلمانية الجديدة هو حصيلة عمل امتد لسنوات طويلة من جانب شيوخ القضاة الذين وضعوا مشروعا متكاملا للقانون بما يؤكد على استقلال القضاة إلا أن الحكومة تلكأت فيه وقدمت لذلك مبررات غير مقبولة بسببها ظل المشروع حبيس أدراج وزارة العدل وبعد ضغط القضاة تحول من أدراج الوزارة إلى أدراج المجلس الأعلى للقضاء ولم يخرج للنور حتى الآن. وأعرب المصدر عن خيبة أمله وعدم ثقته في كل ما تدلى به الحكومة من تصريحات خاصة بعد أن نقضت الحكومة عهدا اتخذته مع القضاة وبمباركة رئيس الجمهورية من الحفاظ على استقلال القضاة في الانتخابات البرلمانية وهو عهد لم تف به الحكومة التي لم يعد من المنتظر – حسب المصدر – أن تفي بأي وعد تقطعه على نفسها مؤكدا أن التغيير لن يكون إلا باستمرار الضغط والتصعيد ليس من اجل مطالب القضاة ولكن من اجل مطالب الشعب عامة.