في الدعاء الكريم: ((ربنا لا تُزِغْ قلوبنا بعد إذ هديتنا...)) تأمل لفظ (تُزِغْ)... وانظر لمن زاغت قلوبهم وانحرفوا تعلم خطورة الأمر..
تدبّر لفظ (تُزِغْ)... وتفكر في حال من زاغوا وتاهوا تدرك بشاعة الأمر..
الزيغ يا سادة هو: الميل عن الاستقامة والانحراف عن الحق والعياذ بالله... ومنه قولنا: زاغت الشمس أي مالت وانحرفت... والوَزَغ الدفع شيئا شيئا؛ نقول: وَزَغَ به: أي رماه دُفعةً دُفعة... وهذا يعني أن الزيغ يكون قليلا قليلا حتى يضل ضلالا كاملا والعياذ بالله!
والمعنى: ربنا لا تُمِل قلوبنا عن الهدى بعد إذ هديتنا... ولا تملها عن الهدى بعد إذ أقمتها عليه...
تأمل بدء الدعاء الكريم بلفظ (ربنا) حيث تصدّر الدعاء الكريم بربوبيته تعالى التي هي أفضل وأعلى الغايات...
وتأمل كذلك نسبة الهداية إلى الله جل في علاه... (بعد إذا هديتنا) قمة الاعتراف بالفضل والعجز معا...
وتأمل باقي الدعاء (وهب لنا من لدنك رحمة) فهذا الهدى المحبوب المطلوب ودفع ذاك الزيغ المكروه المخيف المهروب منه إنما هو (رحمة) من الله جل وعلا... والرحمة من آثارها التوفيق، والدوام على الهدى في الدنيا، والنعيم الأبدي في الآخرة
ولا يغيبنّ عنك حلاوة لفظ (هَبْ) فالأمر إنما هو هبة ومحض فضل وتكرم منه سبحانه والهبة هي العطية الخالية عن الأعواض والأغراض...
وتأمل مناسبة التوسل إليه سبحانه باسمه تعالى (الوهّاب) وهو اسم كريم على وزن صيغ المبالغة المعروفة في اسمائه الحسنى... مثل الفتّاح، الرزّاق... يعني إنك أنت المعطي عبادك التوفيق والسداد للثبات على دينك وتصديق كتابك ورسلك...
ولا تنس أيضا جمال لفظ (من لدنك) حيث جُعلت الرحمة من عنده؛ لأن تيسير الأسباب، وتكوين الهيئات منه جل وعلا... تفضلاً وتكرماً، وفيها معاني التعظيم والإجلال للَّه تعالى، وهذا من حسن الدعاء، والأدب مع الله تعالى...
ونتعلم من هذا الدعاء الكريم أمورا مهمة جدا... منها: - أن سؤال اللَّه تعالى الثبات على الإيمان هو أعظم مقاصد الشريعة المطلوبة - ينبغي للعبد أن يستحضر دوماً نعم اللَّه تعالى عليه، وخاصة نعمة الدين - التوسل إلى اللَّه تعالى بأسمائه وصفاته - أهمية التوسل إلى اللَّه تعالى بنعمه (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) - إنّ الإنسان لا يملك قلبه؛ لأنه بين إصبعين من أصابع الرحمن يُقلِّبه كيف يشاء، فيسأل اللَّه ألاَّ يزغه - أن التخلية تكون قبل التحلية، يعني يُفرغ المكان من الشوائب والأذى، ثم يطهر، دلَّ عليه قوله: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا) ثم قال: (وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) - أن العطاء يكون على قدر المعطي؛ لقوله تعالى: (وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً)، هذا من باب التوسل بحال المدعو، ومن باب التوسل بصفات اللَّه - أنه لا يستغنى أحد أبدا من المخلوقين عن الله تعالى... وأن كل الخلق لا غنى لهم عن دعاء ربهم في جلب المنافع، ودفع المضار.
وقد كان حبيبك صلى الله عليه وسلم يكثر من دعائه: (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) ومن دعائه: (اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ)..
فأكثر - يا أخي - من هذا الدعاء متأملا إياه متفكرا فيه...