بعد ما كتبت مقالي "هل فهم الإخوان الدرس" ، والذي أخذت فيه على الحركة ، ترك المساحات التي يملكون فيها أوراقا اقليمية قوية ، للنظام "يبرطع" فيها ويستغلها في استمالة القوى الغربية لصالحه ، مثل ورقتي حماس في فلسطين والحزب الإسلامي في العراق ، ونفوذ الجماعة في السودان .. بعد أن كتبت هذا المقال بأيام تسربت إلينا في "المصريون" أخبار تقول إن اتجاها قويا يقوده الشاطر وبشر داخل الجماعة يتبنى فكرة فتح قنوات اتصال علنية مع الأمريكيين وعدد من العواصمالغربية ، بعد أن تبين لها أن حساسيتها المسرفه تجاه مثل هذا "الحوار" مع الغرب ، استغله النظام لتهميش قيمتها السياسية الإقليمية في نظر دوائر صناعة القرار في واشنطن وأوروبا ، ما جعل النظام في عيون الغرب ، يظهر بمظهر القوة الوحيدة في مصر ، القادرة على التأثير في مجريات الأحداث خاصة في فلسطين والعراق . وهي النظرة التي تراجعت معها أهمية الجماعة كلاعب دولي ، تتزلف إليه القوى الغربية ، وتعمل على حمايته من بطش النظام بالداخل. والحال أن الجماعة والقوى الوطنية المصرية بالتبعية خسرت كثيرا بسبب هذه الحساسية الإخوانية المفرطة ، تجاه الوعي بأهميتها الإقليمية ، وتوظيف هذه الأهمية وهذا الثقل السياسي ، في خدمة الحركة الوطنية المصرية اجمالا ، فيما يتعلق بملف الإصلاح الديمقراطي في مصر . والإخوان يتحملون هذه المسؤولية أكثر من غيرهم ، لأن بقية القوى السياسية المصرية ، لاتملك ذات الثقل وذات الأهمية لاداخليا ولاخارجيا ، ولذا كان الأمل معقودا على الجماعة لقيادة قاطرة المواجهة مع النظام في هذا الإطار . موقف الرئيس مبارك في ملفي العراق وفلسطين كان ضعيفا ، وهما الملفان اللذان يعتمد عليهما في تسويق أهمية نظامه الإقليمية ، وما يرتبط بهذا التسويق ، من مطالب وتنازلات ومقايضات على رأسها مقايضة الإصلاح ب"دور ما" في حل مشاكل الأمريكان في العراق وفلسطين ، ومع ذلك تحول هذا "الضعف" في غياب الإخوان إلى قوة! تخويف القوى الوطنية المصرية وبما فيها الإخوان من فكرة "الاستقواء بالخارج" لم يستفد منه إلا النظام ذاته الذي كان يعتمد بشكل واضح وفج وصريح على مبدأ الاستقواء بالخارج على شعبه وعلى قواه الوطنية . ولعلنا نتذكر رحلات الرئيس مبارك إلى العواصمالغربية لاقناعها بخطورة "الديمقراطية" على الشعب المصري وكذلك فعل رئيس وزرائه ، ولايزال نجله جمال يقوم بذات الدور مع الأمريكيين ، وبلغ الحال في مصر أن يلتقي السفير الأمريكي بالقاهرة ، مع شخصيات غير سياسية ، ولكنها ذات صلة بالفصل في القضايا والخصومات السياسية مع النظام ، مثل النائب العام الذي التقى مع ريتشارد دوني بالقاهرة مؤخرا ، ولم تعلن الحكومة أية تفاصيل بشأن ما دار بينهما من محادثات! . هناك فرق كبير بين ما يقوم به أقباط المهجر على سبيل المثال وبين ما تمارسه القوى الوطنية المصرية حاليا :أقباط المهجر يتبعون سبيبل نموذج قرضاي الأفغاني وأحمد الجلبي العراقي ، وهو التغيير الدموي للنظام باستدعاء قوات أجنبية ، وتدمير البلاد وقتل العباد بطائرات الأباتشي الأمريكية . أما القوى الوطنية المصرية ، فهي تتبع سبيل التغيير السلمي عبر أدوات وآليات مشروعة تبيحها القوانين المحلية والدولية ، وينبغي أن يكون لها مشروع سياسي وأجندة تشمل رؤيتها في التعاطي مع القضايا الداخلية والملفات الإقليمية التي تتقاطع عندها مصالح مصر مع المصالح الدولية ، وعليها أن تعرض هذه الرؤية على الرأي العام المحلي والدولي كذلك باعتبارها "قوى بديلة" للنظام السياسي القائم. فالتعاطف الدولي بالغ الأهمية لنجاح قوى التغيير بالداخل ، وهذا التعاطف "الهام" لا يأتي فقط مدفوعا بمشاعر إنسانية محضة لتعرض تلك القوى للبطش والقمع الرسمي للدولة ، وإنما بدافع الإحساس بقيمة وأهمية انتصار قوى الإصلاح سواء على المستوى المحلي أو الدولي .. هناك فرق كبير بين "الدروشة" و"السياسية" .. وأتمنى أن تعى القوى الوطنية المصرية وعلى رأسها الإخوان المسلمون الدرس . [email protected]