مرة أخرى تصطدم إيران ومشروعها (المقاوم) مع إسرائيل التى تستغل الفرصة لتصفية القضية الفلسطينية وتقوم بعدوان وحشى على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة كأحد تداعيات معركة تكسير عظام تحضيراً لنظام إقليمى يسعى كل طرف إلى تحديد ملامحه. تسعى إيران فى إطار تحقيق طموحاتها إلى تعزيز نفوذها الإقليمى وتحسين مركزها التفاوضى فى أى حوار مزمع مع الولاياتالمتحدة والدول الغربية المفاوضة لها حول وقف تخصيب اليورانيوم وثمنه، وذلك عبر حيازة أوراق إقليمية هى بالضرورة عربية، فعززت تحالفها مع سوريا وحزب الله فى لبنان وحركة حماس فى قطاع غزة، واتجهت إلى مد نفوذها إلى منطقة القرن الأفريقى والساحل الشرقى لأفريقيا، حيث أعلنت عزمها إرسال قطع بحرية إلى باب المندب (المدخل الجنوبى للبحر الأحمر المؤدى إلى قناة السويس) وفى خليج عدن بدعوى المشاركة مع الجهود الأمريكية والأوروبية فى مكافحة القرصنة أمام السواحل الصومالية. وبعثت إيران خلال الفترة الماضية رسائل إلى الولاياتالمتحدة والأوروبيين تفيد بوجودها فى جميع الملفات فى الشرق الأوسط، وبصعوبة تعامل الأطراف الدولية مع أى ملف فى المنطقة دون المرور عبر بوابة طهران، وعليه فإن التفاهم معها يجب أن يتجاوز الملف النووى الإيرانى إلى ملفات إقليمية أخرى.. العراق ولبنان والقضية الفلسطينية، ومن ثم تحسين عرض الحوافز -الذى قدمته الدول الغربية فى الصيف الماضى إليها وتضمن اعترافاً بأنها صاحبة نفوذ مؤثر فى المنطقة وإقراراً بأن لها دوراً إقليمياً- وذلك بهدف الحصول على أثمان إقليمية أكبر تلبى طموحاتها.. إذا لم تختر الولاياتالمتحدة المواجهة. من بين هذه الرسائل (فى الملف الفلسطينى) إجهاض جهود مصر لعقد حوار وطنى فلسطينى، واستجابت حركة حماس للضغوط الإيرانية، كما رفضت تجديد «اتفاق التهدئة» مع إسرائيل الذى انتهى العمل به يوم 19 ديسمبر الماضى، ولوحت بممانعة التمديد للرئيس محمود عباس (أبومازن) بعد انتهاء ولايته فى الثامن من الشهر الجارى لحين إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة. كما بعثت قطر وسلطنة عُمان رسائل غير مباشرة بنفس المعنى للإدارة الأمريكية (لصالح إيران) برفضهما المشاركة فى اجتماع كانت قد دعت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس نظراءها فى الدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن وألمانيا ودول مجلس التعاون الخليجى الست ومصر والأردن والعراق إلى عقده بنيويورك يوم 16 ديسمبر الماضى لبحث موضوع أمن منطقة الخليج، وبررت البلدان رفضها المشاركة بغياب إيران عن الاجتماع. لكن إسرائيل سعت إلى تجهيز الملف للإدارة الأمريكيةالجديدة بطريقة أخرى، ووفرت لها حركة حماس الفرصة، فقد سعت إسرائيل إلى التخلص من المقاومة وحرمان إيران من ورقتها الفلسطينية، وإعادة السلطة إلى غزة، وفى النهاية تقليل الأثمان التى يمكن أن تدفعها هى والإدارة الأمريكية لمحور إيران - سوريا - حزب الله - حماس من أجل تسوية «مقبولة» للقضية الفلسطينية وتسويات أخرى فى القضايا الإقليمية ذات الصلة بالوضع فى الإقليم وفى مقدمتها وقف إيران تخصيب اليورانيوم وانسحاب إسرائيل من الجولان. وزيادة على ذلك منع قيام «إمارة» إسلامية على حدودها تماماً مثلما اعترضت على رغبة الرئيس الأمريكى جورج بوش فى إسقاط النظام السورى (العلمانى) حتى لا يحل مكانه -على حدودها- نظام عسكرى أو إسلامى وأبدت لواشنطن مخاوفها من تحالف نائب الرئيس السورى عبدالحليم خدام -الفار إلى باريس والذى كان مرشحاً كبديل فى دمشق- مع جماعة الإخوان المسلمين فى سوريا. تثير الطموحات الإيرانية انزعاج مصر كون هذه الطموحات تخصم من أدوار مصر الإقليمية لاسيما فى القضية الفلسطينية ذات الاتصال المباشر بالأمن القومى. وعطفاً على هذه القضية (المدخل) فإن الخصم من دور مصر والإضرار بالتالى بنفوذها ومصالحها فى المنطقة يعنى جعلها قوة إقليمية من الدرجة الثانية فى الإقليم. وهو أمر لا يمكن لمصر القبول به ولا تستحقه. ومصر كذلك لا يمكن أن تقبل بأن تكون دولة من الدرجة الثانية فى نظام إقليمى تهيمن عليه إسرائيل حتى ولو بالوكالة، لكن مصر لا تطرح شيئاً مقابل هذا أو ذاك بل المزيد من الارتباك السياسى والإعلامى. تستدعى الأوضاع والصراعات الإقليمية من حولنا وعدم ثبات التحالفات حتى من جانب أقرب الأطراف -ولا أقصد هنا الفلسطينيين والسوريين- إجراء السياسة الخارجية مراجعة والإقدام على التفاعل مع الآخر وطرح مبادرات وتصور عربى لمستقبل النظام الإقليمى أساسه زوال الاحتلال الإسرائيلى جذر المشاكل فى المنطقة، فلا حماس تم القضاء عليها ولا الدور التركى الذى تم استدعاؤه من جانب معسكر الاعتدال أنصف هذا المعسكر، ولا تصحيح الأوضاع يتم عبر بوابة منيعة محفوفة بالمخاطر فى لبنان أو بخطوات محدودة مثل زيارة مبارك لجنوب السودان، كما يستحيل أن تكون مصر فى المقدمة بينما من يتولى المسؤولية فى بعض المواقع (المنافسة) جىء بهم من القاع وهم إما فاسداً أو عاجزاً أو جاهلاً. مصر لو قالت استمعت إليها 21 دولة عربية و55 دولة إسلامية و52 دولة أفريقية وما يزيد على أكثر من مائة دولة فى حركة عدم الانحياز.. مصر دولة كبيرة وتستحق أن تكون قائدة فى إقليمها. [email protected]