كما قلت في مقال سابق ، من استمع لتصريحات السفير الأمريكي بالقاهرة ريتشارد دوني ، بعد لقائه مع الرئيس مبارك في نهاية الأسبوع الماضي ، يعتقد وكأن المتحدث هو الرئيس مبارك شخصيا ، فالرجل تبنى وجهة نظر الرئيس في "الديمقراطية الدوائية" . أقصد ديمقراطية "النقطة نقطة" مثل دواء الأذن والأنف والحنجرة ! قد يعتقد البعض أن اللقاء عكس "تطابق" وجهتي النظر فيما يتعلق بأسلوب إدراة الحراك السياسي المتنامي في مصر الأن . وهذا بالتأكيد غير صحيح ، فالرئيس مبارك لايطيق الأمريكيين وكذلك واشنطن تبادله ذات الشعور ، فلا الأول يأمن للثاني ، ولا الأمريكيون مقتنعون ب "أهلية " الرئيس لحكم مصر . الطرفان قدما لبعضهما "تنازلات" كبيرة ، لقاء أن يراعي كل طرف مصالح الطرف الآخر . الفرق بين الإثنين هو في مضمون ومعنى "المصالح" ، فالرئيس مبارك تكاد مصالحه لاتتجاوز "أجندة عائلية" ضيقة باتت مفهومة ، ويريد ترتيب الأوضاع الداخلية ، لتمريرها ، مع تأمين "ليلة العمر" من أي "كرسي" أمريكي مفاجئ في "الكلوب" . والطرف الأمريكي له مصالح مركبة ومتداخلة بين "مصالح بوش" الشخصية ومصالح اليمين المحافظ المتطرف والمتصهين في العراق ، ومصالح واشنطن الوطنية في كل من "فلسطين" و "النفط العربي " والإسلامي . وفي تقديري وربما أكون مخطئا ، أن الإخوان المسلمين في مصر ، يتحملون جزءا من مسؤولية طرح النظام المصري الحالي ، كبديل وحيد "لاشريك له" لحكم مصر ، سواء في صيغته الحالية " مبارك الأب" ، أو في شكله المتوقع "مبارك الإبن" . من يريد أن يطرح نفسه كبديل لما هو قائم ، عليه أن يفهم أن "الداخل" بكل تفاصيله وتضاريسه ، لايمكن فصله عن " الخارج " ، مهما تجملت القوى المتصارعة على السلطة ، بمفردات السيادة والاستقلال الوطني . الرئيس مبارك نجح في اقناع الأمريكيين والقوى الغربية الأخرى ، بأنه الوحيد في مصر الذي يملك الكثير ليقدمه في المناطق الساخنة التي تهم الولاياتالمتحدة في العراق وفلسطين والسودان ، والغريب حقا أن هذه المناطق هي ذاتها التي تملك فيها جماعة الإخوان المسلمين أوراقا أكبر وأقوى مما يمتلكه الرئيس مبارك ، مثل ورقة حماس في فلسطين ، والحزب الإسلامي بالعراق ، وإخوان السودان ذات النفوذ الواسع والمؤثر على القرار السوداني الداخلي . ومع ذلك تركت الجماعة للنظام حرية الحركة والاتصال بأريحية بكل هذه القوى ، لتطويعها لصالح الإدارة الأمريكية ، فيما لم تستغل نفوذها على حماس وعلاقاتها الوثيقة بإخوان العراق ، وبشكل يوحي بأنها "البديل السياسي" الإقليمي القوي الذي بيده الكثير من الأوراق التي يمكن أن يلاعب بها واشنطن متى شاء . بل إن الجماعة ربما وأقول ربما تكون قد فشلت أيضا في اقناع النظام المصري ، بأنها قادرة على افشال تزلفه لواشنطن عبر حماس والعراق والسودان ، إذا استمر في التصعيد الأمني ضد كوادرها ونشطائها . النتيجة الآن بلا شك كارثية على مستوى الوطني ، إذ إن من المحتمل أن يحكمنا في مرحلة ما بعد مبارك ، نظام مستنسخ من الذين حكمونا على مدى الثلاثين عاما الماضية ، بعد أن خسرت القوى الوطنية المصرية المعارضة لنظام حكم الرئيس مبارك ، قوة التأثير الحقيقي والفعلي للإخوان ، على النظام لحمله إماعلى الاصلاح الحقيقي وإما على الرحيل هذا من جهة ومن اخرى ، انتهى الأمر الآن إلى ما يشبه الاتفاق بين واشنطن والنظام المصري ، على التخلص من أي تعبير سياسي شرعي للإخوان في المرحلة القادمة ، وهو ما بدأ يجاهر به رئيس الورزاء ، صراحة وبلا حياء . فهل تعلم الإخوان الدرس ؟! [email protected]