جمال سلطان الخبر الذي نشرته الصحف المصرية جميعا هذا الأسبوع كان يتحدث عن مشاجرة حدثت على كورنيش الاسكندرية بين مجموعة من الشبان المترفين مصريين وليبيين ، معظمهم يدرس في الأكاديمية البحرية ، وأحدهم كان ضابطا شابا في الشرطة ، ملازم أول ، مجموعتان من الشباب يتنافسان بسيارتيهما ويضيق بعضهما على بعض الطريق باستهتار معتاد في مصر يمكن أن يذهب ضحية له سيدة مسكينة أو شاب قاده حظه العاثر تحت عجلات هذه الشرذمة المستهترة ، المهم انتهى الأمر كما هو متوقع بحدوث مشاجرة بين الطرفين ، أخرج فيها ضابط الشرطة الشاب سلاحه الميري وأطلق الرصاص على الشابين الآخرين ، فقتل أحدهما وأصاب الآخر بإصابة بالغة مجاملة لصديقيه ، وبعد أن انفضت المشاجرة تم تحويل الضابط إلى النيابة التي أمرت بحبسه باعتبار أنه ارتكب جريمة قتل وإصابة قاتلة أخرى ، ولكن المثير للدهشة أن الضابط لم يبق في الحبس سوى ليلة واحدة ، وتم الإفراج عنه صباح اليوم التالي لكي يعود إلى أحضان أبويه معززا مكرما ، ولا أدري أين ذهبوا بجثة القتيل وهو طالب أيضا بالأكاديمية وله أب وأم بكل تأكيد ، ليس الأمر هذا فقط ، وإنما الإفراج عن القاتل تم بدون أي كفالة وإنما بضمان وظيفته ، تماما مثل كونه شتم أحدا أو تساب مع آخرين وانتهى الأمر ، وصدقوني ، حتى الآن وأنا في حالة ذهول وبؤس مما حدث ، ولم أعد أفهم لوغاريتمات العدالة في مصر ، إن الشباب الذين ألقوا الحجارة في الشوارع أثناء الانتخابات ، حجارة ، تم إلقاء القبض عليهم وحبسهم خمسة عشر يوما على ذمة التحقيق ، امتدت حتى الآن والحبس مفتوح بكل تأكيد ، وهذا شخص قتل بالسلاح الناري إنسانا وليس حيوانا ، وأصاب آخر ، ويتم صرفه صباح اليوم التالي ، كيف يدار هذا البلد أيها السادة ، وما هي الرسالة التي يمكن أن تصل إلى عموم الناس من هذا الموقف ، قاتل يتم صرفه بعد ليلة واحدة إلى بيت أبيه وأمه ، وبدون كفالة ، هل هناك أحد في هذا البلد يمكن أن يشرح لنا هذا الذي حدث ، والحقيقة أن نزق الضباط الشبان في الشرطة أصبح نمطا معتادا ومكررا ، فقبل أشهر قتل ضابط شاب شخصا ضايقه بالسيارة في حي جاردن سيتي ، وآخر سحل محاميا ضايقه على كورنيش القاهرة ، وقصص كثيرة بعضها منشور والكثير منها تعرفه مجالس السمر وحدها ، وهو يؤشر إلى أن هناك حاجة غلط في التكوين النفسي والتربوي للطلبة في كلية الشرطة ، وأن هذا التكوين لا يمكن أن يكون فيه ما يرسخ في وجدانهم احترام القانون أو دعم العدالة ، وأصبح معتادا أن تسمع بين الناس الحذر من الضباط الشباب ، لأنهم أكثر رعونة ، وتتعامل مع لواء في الداخلية أبسط مما تتعامل مع ملازم أول أو حتى طالب في السنة النهائية من كلية الشرطة ، هناك خطأ واضح ، أنا لا أريد أن أتحدث عن نوعية الجرائم الأخرى التي شاعت بين الضباط الشباب والتي وصلت إلى حد خطف السلاسل من الفتيات في الشوارع والسرقة بالإكراه ، وهو ما تتحفنا به الصحف القومية كل عدة أيام ، وإنما حسبنا جرائم القتل التي ارتكبت أحيانا من باب المجاملة لصديق أو قريب بالسلاح الميري ، ثم طبطبة الدولة عليهم ربما لتشجيعهم على المزيد من القتل ، هذا مؤشر خطير للغاية ، وتراكمه بدون ردع أو إعادة نظر ستكون عواقبه وخيمة على سلوكيات الجيل الجديد من المواطنين ، ولا بد من إعادة النظر جذريا في المناهج والآليات والأساليب والأفكار التي يتربى عليها الطلبة في كلية الشرطة . [email protected]