لم يواجه وزير مصرى فى تاريخ العلاقات مع واشنطن مثل تلك الحملة الأمريكية الشرسة والمجنونة، التى واجهتها وما زالت تواجهها الوزيرة فايزة أبو النجا، بسبب جرأتها فى طلب إحالة ملف التمويل الأجنبى، والأمريكى خصوصًا، لمنظمات سياسية "تتستر بالعمل الأهلى" إلى القضاء، صحف أمريكية كبيرة شنت حملة شعواء على أبو النجا، وأفردت صفحات على أيام متوالية فى هجائها والتشهير بها، وشخصيات أمريكية رفيعة هاجمتها بضراوة، وكان من أعجب "النكات" التى أطلقوها عليها فى الإعلام الأمريكى أن فايزة أبو النجا من "الفلول"!!، فالأمريكان الآن يتحدثون عن "الفلول"، وقد تذكروا أن فايزة أبو النجا كانت وزيرة فى عصر مبارك فقط بعد أن ضبطتهم متلبسين باختراق الأمن القومى المصرى وسلمت ملف"عملائهم" إلى القضاء، بمن فيهم نجل وزير أمريكى، أما قبل ذلك فكانوا ينسون ذلك. والحقيقة أن فايزة أبو النجا حدوتة مصرية أكثر من رائعة، ولا نقول ذلك لأنها اتخذت هذا الموقف الوطنى المشرف والشجاع فقط، ولكن لأن تاريخها كله يؤكد على وطنيتها وإخلاصها لبلدها وعلى كفاءتها كأحد أنجح أبناء الدبلوماسية المصرية، وأن لجوء نظام مبارك إليها فى بعض الأعمال لم يكن من باب المجاملات ولكن لكفاءتها الشديدة ومهنيتها غير المسيسة فى إنقاذ مصر ومصالحها الدولية على أكثر من صعيد ، ففايزة أبو النجا كانت أحد أبرز أعضاء اللجنة المصرية التى خاضت صراعا قانونيا ودوليًا معقدًا أمام المحكمة الدولية من أجل انتزاع "طابا" من الهيمنة الإسرائيلية، وكللت جهودها المضنية مع فريق العمل بالنجاح، وفايزة أبو النجا هى المرأة المصرية التى حفظت ماء وجه مصر فى إفريقيا على مدار سنوات طويلة، فى ظل إهمال عمدى من أجهزة ووزارات كان من المفترض أن تدرك أن إفريقيا هى عمق مصر الاستراتيجى، ولا يوجد امرأة مصرية تحظى بمثل ما تحظى به أبو النجا فى إفريقيا من هيبة واحترام بالغين، حتى أن التقارير الدولية تصنفها ضمن أقوى عشر سيدات فى إفريقيا، من حيث التأثير والنفوذ، وعندما رشح بطرس غالى كأمين عام للأمم المتحدة ألح فى طلب فايزة أبو النجا لتكون مستشارته للشؤون الإفريقية فى المنظمة الدولية الأهم، لأنه يعرف قيمتها وخطورتها، كما كان لهذه السيدة حضورها القوى فى الدبلوماسية المصرية من خلال مشاركتها فى لجان المنظمة الدولية للتجارة العالمية ولجان نزع السلاح ولجان الحقوق الاجتماعية والحريات العامة وحقوق الإنسان، ومئات المؤتمرات الدولية الرسمية الرفيعة والحساسة. باختصار، هذه السيدة، بهذا التاريخ، ليست من النوع الذى يمكن أن يتلاعب به الأمريكان أو غيرهم بسهولة، أو يرعبونه بحملات التخويف، لأنها تعرف من خبرة عشرات السنين فى دهاليز الدبلوماسية كيف تدار اللعبة، وكيف يتم الاختراق، وكيف تمارس السفارات الأمريكية نفوذها، وإذا كان دورها فى الداخل كان مهمشًا، فذلك لأن القرار السياسى فى عصر مبارك كان يستبد بكل شىء، وخاصة بالعلاقة فى الشأن الأمريكى، فلما كسر سقف الهيمنة، سمعت كلمتها، واحترمت الدولة تقريرها وشهادتها وتم نقل الملف كله بيد القضاء الآن. والذى يقرأ شهادة فايزة أبو النجا أمام جهات التحقيق، وهى الشهادة الخطيرة للغاية التى نشرتها "المصريون" وجميع الصحف المصرية أمس باستثناء المصرى اليوم فقط، التى امتنعت عن نشرها لأسباب مجهولة يدرك رصانة كلامها ودقته، ومدى اتساع أفق الرؤية التى تجعلها نافذة لما وراء سطح المواقف والتصريحات، كما يدرك شجاعتها وثباتها فى مواجهة "الغارة" الأمريكية على شخصها وعلى مصر، ويمكن أن يفسر أسرار ذلك الهجوم المتوتر والعصبى من الإدارة الأمريكية وقطاع غير قليل من الإعلام الأمريكى عليها، ومن المتوقع أن تمتد حملة التشهير بها من واشنطن إلى "عملاء القاهرة" وصحفهم وفضائياتهم، وهو الأمر الذى يستدعى من كل الشرفاء فى هذا الوطن إعلان تضامنهم مع الوزيرة الشجاعة، ودفاعهم عن موقفها، وحمايتها بكل السبل من حملة التشهير الأمريكية. [email protected]