د. أحمد دراج نحن نعرف أن مدنا كبرى في مصر ظلت لوقت قريب- وما زال بعضها- لا يستطيع الإفادة من القمامة وتحويلها إلى سماد وطاقة بدلا من تركها تلوث الهواء أو حرقها فتلوث الجو الملوث أصلا بالكذب والنفاق والتدليس وحرق قش الأرز وعوادم السيارات والمصانع. وفي الفترة الماضية رشح عن مصادر مطلعة أن معظم الصحف الحكومية والقنوات التلفزيونية قد افتتحت وحدات ذات طابع خاص لتدوير الأفكار سابقة التجهيز والمباديء الهدامة لتستفيد من طاقات أصحاب الأقلام المأجورة في المقالات الصحفية، والإفادة من قدرات بعض الصحفيين ومذيعي البرامج الحوارية في إعادة تصنيع الفكر الإقصائي والاسئصالي حسب التوجهات الحكومية للحزب المسمي بالوطني وفرعه في لجنة السياسات. وهذا سبق لم تحققه صحافة أخرى في العالم- حسب علمي- وتقوم الفكرة على إعادة تعليب الأخبار والمقالات البالية والمستهلكة في مطابخ الصحف الحكومية، لعلها تغذي التخلف والتسطيح والتغييب في أوساط الشعب المصري- خصوصا وسط الشباب- بعد النجاح المنقطع النظير في تصنيع البلطجة الحكومية في مؤسسات الدولة وفي الأوساط الشعبية تحت ضغط الحاجة والفقر وتمكن الجهل. والمقارنة بين تدوير القمامة في مصانع حماية البيئة أفضل مائة مرة من تدوير قمامة الأفكار والآراء لعدة أسباب: 1- إن الأولي تحفظ البيئة من التلوث، أما تدوير القمامة في الصحف والمجلات الحكومية فيؤذي عقول وقلوب القراء والمشاهدين. 2- أن المدخلات في مصانع حماية البيئة بقايا الاستهلاك الآدمي، والمدخلات في تدوير القمامة الصحفية أفكار وأكاذيب أصحابها. 3- أن المنتج في مصانع تدوير القمامة هي الأسمدة العضوية التي يستفاد منها في تقوية الأرض الزراعية، وتنتج الطاقة بسعر منخفض، بينما لا تنتج مصانع تدوير القمامة الصحفية سوي السخافات والسطحية والتضليل. فبعد أن فقدت الصحافة المصرية ريادتها المهنية واستقلاليتها النسبية في المنطقة العربية، وتراجعت آلاف الكيلومترات عن طريق النزاهة والشفافية، الذي رسمه جيل الكبار والموهوبين بأقلامهم في الصحافة الرسمية( مع حفظ الألقاب) محمد التابعي والإخوة أمين( علي ومصطفي) عادل حسين ومصطفي شردي، ومن ساروا في طريق الأشواك محمد حسنين هيكل، وحمدي قنديل وسلامه أحمد سلامه وغيرهم ممن لا يزالون يعضون على استقلاليتهم بالنواجذ . بعد هذه القمم الصحفية، اعتلى معدومي المواهب سدة السلطة الصحفية التي كانت قومية (سابقا)، وكون ضعاف الموهبة تحالفا استراتيجيا مع الفساد والاحتكار، وقد أفرز هذا التحالف بؤرا صديدية في المؤسسات الصحفية الحكومية، وحوصرت محاولات التطهير الوطنية والفردية المحدودة، لأن معظم خلايا الجسد الإعلامي صارت مواطنا ومرتعا للوباء، وتحول التسوس في العظام الرئيسة إلى غرغرينا لا يصلح معها سوي البتر. وبمرور الزمن وتأصل حالة التيبس وتحالف الاستبداد مع الغباء استُهلكت قوي بارونات الصحافة القدامى ، ومع خوار القوي استفحلت الكروش واستقلت العروش ويبست العقول على رأس مؤسسات الصحافة الحكومية. ولما فاحت رائحة خزائن الكروش لجأ المنظرون الجدد لفرع الحزب الوطني(اسما) إلي تغيير شكلي أطاح برؤوس وبقي الخط الاستراتيجي متواصلا فجاءوا بفريق جديد لرؤساء التحرير يحمل سمت الشباب في الوجوه والكهولة في المصداقية والطرح، لأنهم تربوا علي خطى بارونات الصحافة ، ليكملوا مسيرة التبشير المشوه بالعبور للمستقبل، وفريق النجوم هذا أشبه ما يكون بسلاحف النينجا، تجدهم ضيوفا في كل المقاهي الصحفية والفضائية. وهؤلاء هم نجوم الشباك في الصحف والمجلات الحكومية يتزعمهم صحفي كبير سابقا تهجم علي القضاء بالهمز واللمز عندما قال" يجب أن يضبط القضاء دوره ويعف عن الانغماس في السياسة " كما تجاسر على نص الدستور بقوله " القضاة مسئولون فقط عن لجان التصويت أما خارج اللجان فهي مسئولية الأمن رغم وجود نص في القانون يؤكد مسئولية القاضي عن الإشراف علي المجمع الانتخابي بأكمله " وهي عبارات تهبط بصاحبها إلى الدرك الأسفل من التقول والفتنة ، ولم يتوقف الصحفي " المحترم "عند هذا الحد ، بل تهجم بتحد لاتخطؤه العين والأذن على كل ما يخالف توجهاته وأيدلوجيته، وتصدر الإسلام وكل ما يمت للإسلام بصلة قائمة ضحاياه، ونصب من نفسه كاهنا لمحاكم التفتيش فحكمه فوق القانون ورغم أنف الدستور، وأعطي لنفسه الحق في محاكمة الناس على سرائرهم، وكنت أمني ألا يقع في فخ التعصب في هذه السن المتقدمة لعل وعسي. والنجم الثاني نجم من العيار الثقيل وزنا !!، وليس له من أصول وبديهيات حالة الحوار غير الاستخفاف بالآخرين، يلتقط الكلمات من أفواه ضيوفه ويضغط عليها ليشكل منها قضبانا يسجن خلفها من حكم عليهم بالإعدام في غيبة القانون والدفاع، ووصل في غيه وتماهيه مع شيطان الفكرة لدرجة دعم الفكر الصهيوني. وثالثهم أستاذ في المسبك والتقلية ولذلك كانت صحيفته الحكومية مطبخا للوجبات النيئة والمحترقة، صال وجال في ذم الشرف والنزاهة والطهر ، ولأنه فاقد للمصداقية كأقرانه فلن تعكر مقالاته في صحيفته الملاكي صفاء نزاهة القاضية الموقرة المستشارة نهي الزيني ولا يطال هوانه شموخ القضاء الشريف. ورابعهم فريق روز اليوسف للمقالات البهلوانية ، بعضهم حرض القيادات المقاتلة في حزب اللامبدئي إلى إعلان حالة التأهب القصوى والاستعداد للمعركة في هذه الدورة البرلمانية!!!. وليس لهؤلاء ومن على شاكلتهم وزن في عالم الصحافة والإعلام المرئي، لأنهم يفتقدون إلي أخص خصائص الصحفي وهي المصداقية والحيدة والطهارة، اللهم إلا إذا وضعناهم في سياق منظومة الفساد التي تحيط بنا من كل حدب وصوب. هذه بعض النماذج التي دأبت على رجم الرأي والفكر المخالف لمماليكهم وسلاطينهم، لأنهم تربوا على أحادية الحزب، وأحادية الرؤية، فحق لهم أن يشرعوا أقلامهم ويقدحوا ذهنهم لإعادة إنتاج القمامة في صورة مقالات وحوارات يتصعد منها دخان أكثر سمية من الدخان المتصاعد من مقالب القمامة. [email protected]