سعر الذهب اليوم الأحد 20 يوليو 2025 وعيار 21 بالمصنعية في الصاغة بعد الانخفاض (آخر تحديث)    البلطي بين 90 و100 جنيه.. أسعار الأسماك في مطروح اليوم الأحد 20 يوليو 2025    مسؤولو «الإسكان» يتفقدون المشروعات السكنية بمدينة برج العرب الجديدة    مركز المعلومات بمجلس الوزراء: مصر أصبحت سوقًا أكثر جاذبية لتجميع السيارات    هيئة النظافة والتجميل بالجيزة تشن حملات بأحياء الوراق والمنيرة وإمبابة.. صور    أونروا: السلطات الإسرائيلية تجوع المدنيين فى غزة ومن بينهم مليون طفل    جزر توكارا اليابانية تعرضت لنحو 2200 زلزال منذ 21 يونيو الماضي    الحكومة الكورية الجنوبية تشكل فريق دعم للتعافي من أضرار الأمطار الغزيرة    38 قتيلا في انقلاب سفينة سياحية إثر عاصفة رعدية في فيتنام    بريطانيا فى مرمى دعوى قضائية لعدم إجلائها أطفالا فى حالات حرجة من غزة    رحلة علاجية للخطيب في أوروبا بعد انتهاء معسكر الأهلي في تونس    ماذا سيحدث لو باع ريال مدريد فينيسيوس جونيور؟    طقس مطروح اليوم حار رطب نهاراً ونشاط الرياح أحياناً وإعتدال أمواج البحر    نتيجة الثانوية العامة 2025.. رابط وخطوات الاستعلام فور ظهورها عبر موقع وزارة التربية والتعليم    خلال 24 ساعة.. «الداخلية»: ضبط 115 ألف مخالفة وتكشف 371 سائقًا تحت تأثير المخدرات    زكى القاضى: إسرائيل لا تريد رؤية الفلسطينيين وتسعى لتفنيذ مخطط التهجير    حسين حجاج يهاجم سوزي الأردنية بعد ظهورها برفقة هنا الزاهد.. اعرف الحكاية    حكم استخدام شبكات الواى فاى بدون علم أصحابها.. دار الإفتاء تجيب    الصحة: اعتماد 7 منشآت رعاية أولية من «GAHAR».. والإجمالي يصل ل61 منشأة معتمدة    وحدة السكتة الدماغية بمستشفى القصر العيني تحصل على الاعتماد الدولي    "100 يوم صحة".. خدمات طبية شاملة للكشف المبكر عن الأمراض بالعريش    كريم رمزي يفتح النار على أحمد فتوح بعد أزمة الساحل الشمالي    إنشاء سجل مدنى منقباد الفرعي بقرية منقباد    مدمن شابو.. حكاية مقتل شاب طعنا وإصابة اثنين آخرين ببولاق الدكرور    استشهاد طفلة فلسطينية نتيجة مضاعفات سوء التغذية والجوع    بنك التنمية الصناعية يحصد جائزة التميز المصرفي في إعادة الهيكلة والتطوير لعام 2025    عمرو دياب يتألق ويشعل المسرح ب "بابا" في حفله بالساحل الشمالي    وزارة العمل تُعلن عن وظائف خالية برواتب مجزية    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى نحو مليون و41 ألفا و990 فردا منذ بداية الحرب    إصابة شخصين إثر حادث انقلاب سيارة فى أطفيح    إحالة طرفي مشاجرة نشبت بالأسلحة النارية في السلام للمحاكمة    الصحة السورية تعلن إرسال قافلة طبية عاجلة إلى السويداء    ذكرى رحيل الشيخ محمود علي البنا.. قارئ الملائكة    مصرع 3 أطفال أشقاء غرقا داخل حوض مياه ببالبحيرة    رسمياً.. فتح باب التقديم للكليات العسكرية 2025 (شروط الالتحاق والتخصصات المطلوبة)    أحمد شاكر: اختفيت عمدا عن الدراما «مش دي مصر».. وتوجيهات الرئيس السيسي أثلجت صدر الجمهور المصري    أستاذ مناهج يُطالب بتطوير التعليم الفني: له دور كبير في إحداث التنمية (فيديو)    توقعات الأبراج حظك اليوم الأحد 20 يوليو 2025.. طاقات إيجابية وتحولات حاسمة بانتظار البعض    دعاء الفجر | اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك    ب9 آلاف مواطن.. مستقبل وطن يبدأ أولى مؤتمراته للشيوخ بكفر الزيات    أحمد شاكر عن فيديو تقليده لترامب: تحدٍ فني جديد وتجربة غير مألوفة (فيديو)    المبعوث الأمريكي يلتقي قائد «قسد» لاستعادة الهدوء في السويداء    موعد بداية شهر صفر 1447ه.. وأفضل الأدعية المستحبة لاستقباله    «دماغه متسوحة.. وطير عربيتين ب 50 مليون».. مجدي عبدالغني يشن هجومًا ناريًا على أحمد فتوح    «اتباع بأقل من مطالب الأهلي».. خالد الغندور يكشف مفاجأة عن صفقة وسام أبوعلي    لويس دياز يبلغ ليفربول برغبته في الانتقال إلى بايرن ميونيخ    جولة تفقدية لرئيس جامعة القناة على شئون التعليم والطلاب    الكونغو الديمقراطية و«إم 23» توقعان اتفاقًا لوقف إطلاق النار    نجم الزمالك السابق: عبدالله السعيد يستطيع السيطرة على غرفة الملابس    الملاك والمستأجرون وجها لوجه في انتظار قانون الإيجار القديم    علاء مبارك يرد على ساويرس: عمر سليمان «كان رجل بمعنى الكلمة»    "عنبر الموت".. شهادات مروعة ..إضراب جماعي ل 30قيادة إخوانية وسنوات من العزل والتنكيل    حنان ماضى تعيد للجمهور الحنين لحقبة التسعينيات بحفل «صيف الأوبر» (صور و تفاصيل)    تجنبها ضروري للوقاية من الألم.. أكثر الأطعمة ضرراً لمرضى القولون العصبي    قافلة بيطرية من جامعة المنوفية تفحص 4000 رأس ماشية بقرية مليج    محمد ربيعة: عقليتى تغيرت بعد انضمامى لمنتخب مصر.. وهذا سبب تسميتى ب"ربيعة"    بلغة الإشارة.. الجامع الأزهر يوضح أسباب الهجرة النبوية    أمين الفتوى: الرضاعة تجعل الشخص أخًا لأبناء المرضعة وليس خالًا لهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كهرمان

فى الأزمنة السحيقة قبل أن يبدأ عدّ السنين وقبل أن يوجد البشر أنفسهم على سطح الأرض، كانت ثمة فراشة رقيقة تحلق فوق الغابة الخضراء، وحينما حطت على جذع إحدى الأشجار الصنوبرية أحست بمادة لزجة كثيفة تلتصق بها وتغمرها وتشدها بقسوة إلى جذع الشجرة، لم تكن تدرى أنها التصقت بمادة صمغية، راحت تتلوى دون جدوى، وحينما أدركت أنها ستقضى نحبها كانت ثمة نظرة حالمة تتشكل فيها معبأة بالحنين إلى العشب الأخضر والورد الأحمر والسماء الزرقاء وماض حبيب يتلون بأجمل ألوان الطيف.
حينما أبصرها للمرة الأولى وقعت تعويذة السحر: شخصت عيناه وتسمرت قدماه ثم تبعها كالمسحور. لا يدرى لماذا قفزت صورة جده لخاطره منذ أول لحظة؟ تتوسط الجدار وكأنها تتوسل إليه ألا ينساه أبداً. كان مريضاً فى أيامه الأخيرة. شاحب الوجه مرهف الملامح. فى عينيه تعبير حاول - لردح من الزمان - اقتناصه. الأرجح أنه كان يموت ويعلم أنه يموت، وإلا فما سر تلك النظرة العميقة التى تتجاوز الكاميرا بل والعالم أجمع؟
دلفت السيدة إلى أحد محال الملابس النسائية فمضى خلفها متظاهراً بمشاهدة الفاترينة ووجيب قلبه يشتد. ربما لم يرها من قبل، ربما لا يعرف اسمها، ولكنه يعرفها حق المعرفة، معرفة تفوق الرؤية والمشاهدة.. ولكن متى وأين؟
غادرت المحل فتتبعها، راحت تتسكع وتتأمل واجهات المحال التجارية، لم يتصور نفسه يتبع سيدة قط؟ لم يكن سريع التأثر بالنساء ولا عرف ذلك الشىء الذى يسمونه الحب. ربما حذرا من كلمات متناثرة سمعها عن مصير جده الراحل الذى قضى نحبه عشقاً قبل أن يتم الثلاثين.
لم يتحدث أحد صراحةً حرصاً على مشاعر الجدة الموغلة فى الصمت، ولكنها كلمات متناثرة رسخت فى ذاكرته. قِيل إن جده عشق امرأة أخرى. وقِيل إنها كانت ساحرة وإلا فما تفسير هيامه الحزين بامرأة مستحيلة؟ يضيع، يذبل رويداً كشجرة أعلنت رغبتها الصريحة فى الموت، باكياً بين يدى زوجته كلما شاهد انكسارها، ولكن لماذا يتذكره الآن؟
وفكّر كيف يبرر تتبعه إياها لو رآه أحد - وهو الرجل الوقور - فى هذا الموقف المشين؟ سيقول إنه يعرفها منذ عهد بعيد. وجهها منقوش كالوشم على روحه، وشم يستحيل إزالته، لو رأتها الطيور الجارحة لهجرت الصيد ولزمت التغريد، ولو رآها السندباد لأحرق سفنه.
يتذكر - ودقات قلبه تتسارع – صورة وجدها فى كتاب سميك يخص جده، صورة مخبأة بعناية لامرأة لا يعرف اسمها، كانت ترتدى أزياء هذه الأيام ولاريب أنها كانت أنيقة بمقاييس الأربعينيات، تأمل وجهها طويلاً، كانت عيناها متسعتين بشكل مدهش، ورغم سحر النظرة فقد كان هناك ظلٌ من قسوة، ربما نقلت شفتاها المزمومتان إيحاءً بالحزم، مع تلك الخصلة المتهدلة على جبينها فى إهمال متعمد، بشكل غامض أحس بأن هذه المرأة حبيبة جده وقاتلته.
وانتبه من خواطره حينما خرجت تحمل لفافة كبيرة أنيقة فى يديها. وانتابه القلق حين أدرك أنها توشك أن تُفلت منه.. هل يحادثها؟ إنه لم يجسر من قبل على مخاطبة سيدة لا يعرفها، والأهم ماذا يريد منها بالتحديد؟
كانت الشمس تغمر الطرقات، والمارة يتجاوزونه مسرعين إلى غاياتهم المجهولة، هو وحده يستشعر الحيرة الموحشة والقلق القاتل.
لم يحاول أبداً أن يعلن اكتشافه لصورة حبيبة جده. بشكل ما اعتبرها سره الصغير المشترك مع جده الذى لم يره أبداً، وأسعده أن يجمعهما شىء. أحيانا كان يغلبه الحنين فيقوم بإنزال صورة جده الحالمة من قلب الجدار ويضعها بجوار حبيبته القاسية.
مرة تجاسر وأخرجها من إطارها، أمسكها فى عناية بيده اليمنى وباليد الأخرى أمسك صورتها، بحرص وضعهما متقابلتين واحتال لتتلامس الشفتان، كان واثقاً أنه يتوهم، ولكن ملامح جده ازدادت رهافة وبروزا، وعكست عيناه صفاءً مشعاً، وخُيل إليه أنه يتنهد!. تملكه الفضول مدققاً فى صورتها التى لم تتغير سماتها.. النظرة المشوبة بقسوة، الشفتان المزمومتان بحزم، وخصلة الشعر المتهدلة فى إهمال متعمد.
تفتح باب سيارتها، تضع اللفافة على المقعد المجاور، توشك أن تذهب كسحابة عابرة أمطرت ومضت، صبت العشق على الأرض السجينة وتحررت من طاقة مجهولة.
يذكر أنه كان يقود سيارته ذات صباح شتائى ممطر، وبرغم المطر المنهمر لمح - بطرف عينه - شجرة برتقال مثمرة فتوقف، لم يكن قد رأى برتقالاً من قبل إلا لدى الفاكهى، خرج من سيارته وراح يتأمل ثمرات البرتقال البكر مغسولة، براقة، عاشقة. بدا له المشهد غير أرضى ومعجزاً، واستنشق رائحة الخلق الأولى.. ترى لماذا يتذكر هذا المشهد الآن؟
يتذكره لأن ما يفعله معجزة بمقاييس رجل خجول مثله. يقف جوار نافذة السيارة حيث تجلس فى مقعد القيادة. تعبث بحقيبتها الأنيقة. تهم بوضع المفتاح حين تلاحظه، ترفع إليه عينين متسائلتين فتربكه النظرة، يبتلع خجله ويتمتم بصوت مرتبك:
- أرجو المعذرة.
- هل تعرفنى؟ قالت فى صوت واثق.
- أعرفك؟ نعم أعرفك. وجهك شاهدته مراراً، قبل أن تولدى يا ليلى (لماذا قال هذا الاسم؟). حينما كنت جنيناً بلا ملامح يتخلق فى رحم أمك كنت أعرفك، شاهدتك على معابد الفراعنة، ورأيتك تبتسمين فى غموض فى لوحة الجيوكندا.
رمقته فى اهتمام حذر وقالت مرة أخرى:
- لم تجاوبنى، هل تعرفنى؟
ليلى (الآن عرفت اسمها). أيتها السحابة العابرة التى لا تعبأ بعشق البرتقال السجين. أعرف العينين القاسيتين، والشفاه المضمومة على حزم، والخصلة المتأرجحة فى إهمال متعمد. وأعرف أيضاً أنك ساحرة وإلا فكيف غادرت صورة قديمة لتتجسدى امرأة من جديد؟ ولماذا يشحب وجهى الآن شحوب جدى فى أيامه الأخيرة؟
تمالك نفسه بصعوبة وابتسم كالمعتذر:
- آسف.. يبدو أننى أخطأت.
رمقته فى ثبات وهو يبتعد، أدارت مقود سيارتها، حررت فرامل اليد، داست برقة على محرك السرعة، انسابت السيارة فى نعومة وهى تنظر إليه نظرة أخيرة، ثم ابتسمت فى غموض.
مضى يتجول فى الطرقات كالمخمور، يخشى أن يصارح نفسه بالحقيقة المذهلة. كانت المرأة التى زلزلت كيانه وتبعها مأخوذاً تشبه حبيبة جده إلى حد مروع، إلى الحد الذى يخشى أن يقول: إنها هى!!.
يعرف الآن نهاية القصة لأنه شاهدها من قبل. لقد أورثه جده ذلك الحنين الفائق لها وأورثه أيضاً حظه العاثر.
كانت الشمس توشك على الغروب وفريق العمل يتأهب لمغادرة الموقع حينما هتف عالم الآثار مبهوراً وهو يلوح بقطعة نادرة من الكهرمان اكتشفها لتوه تشتمل على فراشة قديمة موغلة فى القدم تحجرت منذ ملايين السنين، ولكن العهود الغابرة لم تنل من نظرة حنين تتحدى الموت، تتحدى السنين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.