هذا أول مقال فى 2010 لابد أنك تساءلت مثلى: ما الجديد الذى سيحمله هذا العام؟ هل ستحدث انفراجة؟ هل سيتغير شىء؟ هل من مفاجأة؟. الصحف والفضائيات مشغولة بحصاد سنة مضت: إنجازات هنا وكوارث هناك، وهذه مصيبتها ومصيبتنا جميعاً. لا أحد يريد أن يبتكر نبوءة. لا أحد يحلم بمستقبل. كلنا فى الهم «سلفيون». لماذا لا نطوى صفحة هذه السنة ونفتح صفحة جديدة؟ لماذا نبدو خائفين، مرعوبين من أى «شطحة»، وكأن لدينا ما نخاف عليه ونخاف منه؟. لماذا ضاق خيالنا إلى حد لم يعد لدينا سوى واحد من بضع سيناريوهات معروفة: إما ثورة جياع فاشية، أو نكون محظوظين ويبقى كل شىء على ما هو عليه؟. الأسئلة كثيرة، وجديدها قديم، فماذا عن أجندة 2010؟. فيها خانتان محددتان سلفاً: انتخابات البرلمان وكأس أمم أفريقيا. الأولى محسومة: فيلم أكشن ستتحطم فيه بيوت ونفوس بشرية، ثم يخرج «البطل» سليماً و«المزة» فى يده (وما تفهمنيش غلط: لا الحزب الوطنى هو البطل، ولا المزة تبقى مصر). أما الثانية فعلمها عند الله، ثم حسن شحاتة، والإحساس العام يقول إنها ستكون كارثة، وسنخرج من البطولة من دون كرامتنا (برضه ما تفهمنيش غلط: لم أقل كما حدث فى معركة الجزائر). ألن تكون فى أجندة 2010 خانات أخرى جديدة؟ لن تكون، فأنا كغيرى من المصريين، مت إكلينيكياً. أنا وأنت وكل المصريين يتحدثون عن تردى أحوال بلدهم، وعن ضرورة وحتمية حدوث كذا وكذا لينهض، ثم يذهب كل منا إلى حال سبيله، وكأن البلد شىء ونحن شىء آخر! لن تكون هناك خانات جديدة فى 2010، فمصر مرت- حتى كتابة هذا المقال على الأقل- بكل أنواع الكوارث والإنجازات، وتحتاج فى ظنى إلى «سوفت وير» جديد.. إلى حاكم جديد وشعب جديد وتاريخ جديد وقيم جديدة. مصر ليست ميتة.. بدليل أننا أحياء، ولا تافهة.. بدليل أنها جزء من الحسبة الكونية، ولا فقيرة.. بدليل أن فيها لصوصاً وقتلة. كل ما فى الأمر أن مصر أصبحت «51٪ وحشة» و«49٪ حلوة»، فلماذا لا نراهن على «تكة» صغيرة لتنضبط المعادلة ونعيش فى بلد طبيعى.. بلد آدمى كما خلقه الله؟. لماذا لا يصحو كل منا ويتوضأ ويقف بين يدى الله، ثم يتمتم: «نويت أحب مصر»؟. ألا يصلح الحب رهاناً؟.. ألا يستحق هذا البلد أن نحبه ونصلى من أجله؟. هل هذه مسألة صعبة؟. هل جعنا وتخلفنا وتوحشنا إلى هذا الحد من الكفر بالبلد وبأنفسنا؟. وإذا كان المصريون القابعون تحت خط الفقر معذورين.. فما عذر أولئك الذين يتمغطون فوقه؟.. لماذا أصبحت بضاعتهم كلاماً فى كلام.. وعلام يراهنون؟. قالها محمد عبدالوهاب: «حب الوطن فرض عليا»، فضحكنا وسخرنا وأضعنا كل شىء: الوطن والحب والفرض وعبدالوهاب!. نحن مع الأسف أسوأ ما فى سلفيتنا: لا نتعلم من خطأ ولا نراكم إنجازاً. حتى غناؤنا أضعناه فى «التريقة» على أنفسنا. قالها عبدالوهاب، ولا أرى ما يستحق أن أستهل به عاماً جديداً سوى ما قال: «حب الوطن فرض عليا».. فأقم الصلاة: مصر ليست بلد جمال عبدالناصر ولا أنور السادات ولا حسنى مبارك. مصر ليست بلد وزير ولا خفير. مصر أبقى من ناسها.. وأجمل من كل ما أراه. مصر تستحق أن أحبها لأنها هى التى علمتنى فنون الشعر والرسم والحكى.. هى التى حفظتنى كتاب الله، وعلمتنى أن الله «فوق» وهى «تحت»، لذا سأحبها حتى وأنا فى ذروة نقمتى وغضبى وإحباطى. وإذا لم يكن فى استطاعتى أن أحبها لأنها بخلت على بحصة من خيرها الوفير.. فسأحاول أن أغيرها. سأقترح فكرة لتغييرها. ولو «رسماية بالطباشير». سأنظر إلى نصف الكوب الممتلئ، وأقول لجارى فى الشقة.. لزميلى فى الشغل.. للفكهانى والحلاق والمكوجى وسائق التاكسى وعسكرى المرور والبنت التى أحبها.. لرفيقى فى زنزانة المعتقل إذا لزم الأمر: مصر حلوة قوى من «فوق»، لأن الله يريدها حلوة.. لكنها أحلى من «تحت»، لأننا «نؤمن» بها.