تقدم عدد من أعضاء مجلس الشعب باستجوابات للمشير محمد حسين طنطاوى بصفته رئيساً للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتقدم البعض الآخر باستجوابات بصفته وزيراً للدفاع. والمستقر بالفقه الدستورى والقانونى أن جميع سلطات الدولة كرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء (السلطة التنفيذية) ومجلسى الشعب والشورى (السلطة التشريعية) والقضاء (السلطة القضائية) هذه السلطات الثلاث لا تستمد صلاحياتها وسلطاتها إلا من الدستور مباشرة، والدستور هو الذى ينظم هذه السلطات ويحدد العلاقة فيما بينها تحقيقاً للمبدأ الدستورى المستقر بالفصل بين السلطات، وعلى ذلك فإن هذه السلطات لا تستمد كيانها وصلاحياتها وسلطاتها من قوانين أو لوائح، بل تتكفل القوانين واللوائح بتفصيل كيفية ممارسة هذه السلطات وآليات مباشرتها، أما المبادئ العامة ومصدر السلطات جميعاً فهو الدستور الذى يضعه الشعب. وبخصوص مجلس الشعب فقد كانت المادة 86 من دستور 1971 تنص على أنه: «يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع ويقرر السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك كله على الوجه المبين بالدستور». ونفاذاً لهذه المادة فقد تكفل دستور1971 بتفصيل سلطات مجلس الشعب كسلطة تشريعية ورقابية، فسلطات التشريع منصوص عليها فى المواد 109، 110، 111 والسلطات الرقابية منصوص عليها فى المواد 124 (حق السؤال وتحويله إلى استجواب) والمادة 125 (حق الاستجواب) والمادة 126 (مسؤولية الحكومة أمام مجلس الشعب) والمادة 127 (تقرير المسؤولية وسحب الثقة من الحكومة) والمادة 128 (الجزاء على سحب الثقة) والمادة 129 (طرح موضوعات للمناقشة) والمادة 130 (إبداء الرغبات فى الموضوعات العامة) والمادة 131 (تشكيل اللجان الخاصة ولجان تقصى الحقائق). هذا ما كان يحكم ويحدد صلاحيات مجلس الشعب قبل الإعلان الدستورى وقبل إلغاء دستور 71، أما بعد صدور الإعلان الدستورى – والذى يحكمنا - فإن الأمر قد اختلف اختلافاً جوهرياً وذلك على النحو التالى: 1- نصت المادة 33 من الإعلان الدستورى على أن «يتولى مجلس الشعب فور انتخابه سلطة التشريع (لم يوضح كيف) ويقرر السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية». وهذا النص منقول حرفياً عن المادة 86 من دستور 71 ولكن حُذفت الجملة الأخيرة والمهمة والتى تحدد كيفية مباشرة التشريع والرقابة إذ نصت هذه الجملة من المادة 86 لسنة 71 على أن «وذلك كله على الوجه المبين بالدستور». وحذف هذه العبارة كان أمراً حتمياً لعدم وجود أحكام تنظم كيفية التشريع والرقابة فى الإعلان الدستورى. 2- نصت المادة 56 من الإعلان الدستورى على أن «يتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد وله فى سبيل ذلك السلطات الآتية:...» ونص على جميع السلطات التى كانت مخولة لرئيس الجمهورية فى دستور 1971. كما نصت المادة 57 على أن «يتولى مجلس الوزراء والوزراء السلطة التنفيذية كل فيما يخصه». ومفاد المادتين السابقتين أن الإعلان الدستورى قد فرق بين سلطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة (سلطات رئيس الجمهورية) والسلطة التنفيذية التى يتولاها فقط مجلس الوزراء والوزراء. ولما كان صريح نص الفقرة الأخيرة من المادة 33 من الإعلان الدستورى ينص على أن «يمارس مجلس الشعب الرقابة على السلطة التنفيذية» والتى أوضحها صريح نص المادة 57 وقصرها على مجلس الوزراء والوزراء فإن ولاية مجلس الشعب الحالى دستورياً تنحسر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ولا تمتد إليه أو إلى رئيسه، ويكون تقديم الاستجوابات إلى المشير خارجاً عن سلطات وصلاحيات هذا المجلس، ولا يجوز دستورياً تقديمه عملاً بنص الإعلان الدستورى الذى لم يأت مجلس الشعب الحالى إلا تطبيقاً لأحكامه. 3- أما من تقدموا باستجوابات للمشير بصفته وزيراً للدفاع فإن تشكيل الحكومة الحالية يخلو من منصب وزير الدفاع حتى يمكن استجوابه وبعبارة أوضح أنه لا يوجد الآن فى مصر وزير للدفاع حتى يوجه إليه استجواب. والمفاجأة الأكبر أن نص الإعلان الدستورى - والذى تُستمد منه جميع السلطات – قد خلا تماما من أى وسائل أو أدوات للرقابة البرلمانية كالسؤال والاستجواب وسحب الثقة، وبالتالى تكون يد مجلس الشعب الحالى مغلولة بحكم الدستور الحاكم الآن (الإعلان الدستورى) عن ممارسة هذه الأدوات. فليس أمام أعضاء مجلس الشعب إلا انتظار الأحكام التى ستنظم صلاحياتهم وتحدد أدواتهم فى التشريع والرقابة والتى سينظمها الدستور الجديد بعد وضعه وإقراره من الشعب، وليعتبروا هذه الفترة – لحين وضع الدستور الجديد – فترة انتقالية من مرحلة إلى مرحلة. إن مصر دولة تحكمها النصوص الدستورية والقانونية وجميع أعضاء مجلس الشعب الحالى ارتضوا خوض الانتخابات عملاً بهذه النصوص ونجحوا فى ظلها، فعليهم احترامها والالتزام بها وسحب جميع هذه الاستجوابات.