محافظ الغربية يجوب طنطا سيرًا على الأقدام لمتابعة أعمال النظافة ورفع الإشغالات    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 20 أكتوبر 2025 في القاهرة والمحافظات    حملات تفتيش وبرامج تدريبية.. أبرز حصاد مديريات «العمل» بالمحافظات    مشادة كلامية.. تفاصيل ما جرى خلال اجتماع ترامب بزيلينسكي    جروسي يدعو إلى استئناف الحوار الدبلوماسي مع إيران    السعودية تثمن جهود قطر وتركيا في توقيع اتفاق فوري لوقف النار بين باكستان وأفغانستان    موعد مباريات اليوم الإثنين 20 أكتوبر 2025| إنفوجراف    الداخلية السورية: القبض على عصابة متورطة بالسطو على البنك العربي في دمشق    ماكرون يتعهد بإعادة المجوهرات المسروقة من متحف اللوفر    سهام فودة تكتب: اللعب بالنار    كيف يحمي الليمون الجسم من الأمراض وحصوات الكلى؟    ارتفاع جديد في أسعار الذهب اليوم الإثنين 20 أكتوبر 2025.. بعد تراجع قصير المعدن الأصفر يعود للصعود مجددًا    هيئة الأرصاد الجوية المصرية تدق ناقوس الخطر: موجة تقلبات جوية تضرب البلاد غدًا وأمطار على أغلب المحافظات    مراقب برج بالسكك الحديدية ينقذ سيدة من الموت تحت عجلات القطار بالمنيا    عمر عصر يكشف أسباب مشادته مع نجل رئيس اتحاد تنس الطاولة وزميله في المنتخب    محمد رياض يتصدر التريند بعد إعلان نجله عن نية تقديم جزء ثانٍ من «لن أعيش في جلباب أبي» والجمهور بين الصدمة والحنين    مدير فيورنتينا: مشهد سقوط خيمينيز للحصول على ركلة جزاء قبيح    خبر في الجول – نهائي السوبر بتحكيم أجنبي.. وثنائي مصري لنصف النهائي    كريم شحاتة: الأهلى حصل على توقيع محمود الجزار    رصاصة فى الانتظار.. أول صورة لمنصة قنص على طريق طائرة ترامب تثير الذعر    الذكاء الاصطناعي ضيفًا وحفلًا في جامعة القاهرة.. ختام مؤتمر مناقشة مستقبل التعليم العالي وتوصيات للدراسة والبحث العلمي    "ترامب التشيكي" يترك الحكومة ويذهب في إجازة!    والد تلميذ الإسماعيلية ضحية زميله: القاتل قطع ابنى وأكل لحمه.. فيديو    معلول يواصل تقديم الهدايا مع الصفاقسي    النرويج تدعم مصر مركزا للطاقة الجديدة والمتجددة..الرئيس السيسى يشيد بمواقف أوسلو الداعمة لقضية فلسطين ويؤكد تطلعه لتعزيز التعاون فى إطار التحضير لمؤتمر إعادة إعمار غزة.. جار ستور: القاهرة تتبع نهجا يتسم بالحكمة    لا تستلم لأحد الخيارين.. حظ برج القوس اليوم 20 أكتوبر    فستانك الأبيض.. هشام جمال يغنى لزوجته ليلى أحمد زاهر فى صاحبة السعادة.. فيديو    تألق لافت لنجوم السينما فى العرض الخاص لفيلم «فرانكشتاين» بمهرجان الجونة    هانى شاكر يغنى "لا تكذبى وجانا الهوى" فى مهرجان الموسيقى العربية    عمرو أديب: تجار السلاح مش عايزين اتفاق غزة يكمل    يضم 8 نسور ذهبية و2480 ماسة.. مواصفات تاج أوجيني بعد أزمة سرقته من متحف اللوفر    شاهد مجانًا.. القنوات المفتوحة الناقلة لمباراة المغرب والأرجنتين في نهائي مونديال الشباب    ميلاد هلال شهر رجب 2025.. موعد غرة رجب 1447 هجريًا فلكيًا يوم الأحد 21 ديسمبر    طارق العشرى: حرس الحدود خلال فترة قيادتى كان يشبه بيراميدز    بعد دعوة الرئيس السيسي.. عمرو أديب: التبرع لغزة مش بمزاجك.. دي في رقبتك ليوم الدين    الجمبري ب1700 جنيه.. أسعار السمك بأسواق دمياط    لدغات عمر الأيوبى.. بيراميدز "يغرد" والقطبين كمان    ارتفاع جديد في درجات الحرارة.. بيان مهم من الأرصاد يكشف حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    «مشروع مربح» يقبل عليه شباب دمياط ..أسرار تربية الجمال: أفضلها المغربي (صور وفيديو)    «المؤسسة العلاجية» تنظم برنامجًا تدريبيًا حول التسويق الإلكتروني لخدمات المستشفيات    التحفظ على والد طفل الإسماعيلية المتهم بقتل زميلة وتقطيع جثته    رئيس البنك الأهلى: استمرار طرح شهادة الادخار 17%.. اعرف تفاصيل أعلى عائد    نادي قضاة مصر يهنئ المستشار عصام الدين فريد بمناسبة اختياره رئيسًا لمجلس الشيوخ    ندب المستشار أحمد محمد عبد الغنى لمنصب الأمين العام لمجلس الشيوخ    أزهر كفر الشيخ: مد فترة التسجيل بمسابقة الأزهر لحفظ القرآن إلى 30 أكتوبر    لجنة تطوير الإعلام تتلقى توصيات المؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين    مشاركة زراعة عين شمس في معرض أجرينا الدولي بدورته الخامسة والعشرين    في ظل انتشار الأمراض المعدية بالمدارس، نصائح مهمة لتقوية المناعة    أوقاف الفيوم تعقد الاختبارات الأولية لمسابقة القراءة الصيفية.. صور    محافظ الشرقية يترأس اجتماع اللجنة العامة لحماية الطفل    هل زكاة الزروع على المستأجر أم المؤجر؟ عضو «الأزهر العالمي للفتوى» توضح    هل يمكن العودة للصلاة بعد انقطاع طويل؟.. أمين الفتوى يجيب    ظهور 12 إصابة بالجدري المائي بين طلاب مدرسة ابتدائية في المنوفية.. وتحرك عاجل من الصحة    مصرع فتاة دهسها قطار اثناء عبورها مزلقان محطة ببا ببني سويف    بطرس الثانى وتيموثاوس الأول قصة أخوين توليا سدة الكرسى المرقسى    أسيوط: تركيب كشافات جديدة ورفع كفاءة الطرق بالقوصية ضمن خطة استكمال تطوير مسار العائلة المقدسة    هيئة «التأمين الصحي الشامل» تناقش مقترح الهيكل التنظيمي الجديد    حالة الطقس بالمنيا ومحافظات الصعيد اليوم الأحد 19 أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غدى قنديل تكتب: بين القطيعة والتكيف.. مستقبل العلاقات بين روسيا وأذربيجان
نشر في المصري اليوم يوم 19 - 10 - 2025

فى لفتة استثنائية، اعتذر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين شخصيًّا للرئيس الأذرى إلهام علييف فى قمة رابطة الدول المستقلة، فى العاشر من أكتوبر الجارى، عن إسقاط طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية الأذربيجانية فوق جروزنى -بالخطأ- مما أسفر عن مقتل 38 مدنيًّا فى أواخر عام 2024، لكن مصادر أذربيجانية وغربية نفت هذا الادعاء، مجادلةً بأن أنظمة الرادار الروسية المتطورة تستطيع بسهولة تحديد هوية الطائرة، بل زعم البعض أن موسكو تعمدت تغيير مسار رحلة الطائرة لإخفاء أدلة على هجوم صاروخى روسى، مما تسبب فى سقوطها فوق بحر قزوين.
يكشف هذا عن تحول تدريجى فى نهج روسيا تجاه أذربيجان فى ظل جملة من التطورات ارتبطت بمحادثات السلام بين أرمينيا وأذربيجان بوساطة تركية تُوجت فى واشنطن بإعلان مشترك بحضور الرئيس الأمريكى دونالد ترمب، الذى أعلن نهاية الصراع الذى دام 35 عامًا، وتضمنت الاتفاقية بندًا يسمح لشركة أمريكية بتشغيل ممر زانجيزور 100 عام، فى إطار ممر ترمب للسلام، مع خطط محتملة لإنشاء قواعد جوية وبحرية على طول بحر قزوين، مما يمنح حلف شمال الأطلسى نفوذًا فى هذه المنطقة الإستراتيجية.
جاء هذا بالتزامن مع التوجه السياسى الجديد لأرمينيا، والضعف التدريجى لإيران، وتنامى طموحات الصين فى طرق التجارة، ومحاولات أذربيجان العلنية للتوسع خارج نطاق نفوذ روسيا التقليدى، مع توثيق ركائز المحور التركى الإسرائيلى الأذرى، وتلك المؤشرات تدفع إلى رسم خريطة نفوذ جديدة فى جنوب القوقاز.
أذربيجان فى المعادلة الروسية
تحتل أذربيجان موقعًا محوريًّا فى الحسابات الإستراتيجية الروسية، إذ تمثل أحد أهم مفاتيح التوازن فى منطقة القوقاز الجنوبى، فمنذ انهيار الاتحاد السوفيتى، سعت موسكو إلى الحفاظ على نفوذها فى الجمهوريات السوفيتية السابقة بوصفها عمقًا جيوسياسيًّا لأمنها القومى، وكانت أذربيجان جزءًا أساسيًّا من هذا التصور، غير أن السنوات الأخيرة شهدت تحولات جوهرية فى البيئة الإقليمية، خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وتبدل موازين القوى فى جنوب القوقاز، وصعود أذربيجان كقوة إقليمية صاعدة، وهو ما أعاد صياغة العلاقة بين موسكو وباكو من علاقة هيمنة أحادية إلى علاقة تفاعلية قائمة على المصلحة المتبادلة والمرونة التكتيكية.
وفى هذا السياق، يشكل الموقع الجغرافى لأذربيجان أهم عناصر أهميتها لروسيا، فهى تمثل حلقة الوصل بين الفضاء الروسى ومنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، إذ تقع على حدود مباشرة مع روسيا عبر داغستان، وتطل على بحر قزوين الذى يُعد ساحة تنافس بين موسكو وطهران وتركمانستان، كما تتيح أذربيجان لموسكو إمكانية الوصول إلى الممرات التجارية الحيوية، وعلى رأسها الممر الدولى الشمالي- الجنوبى الذى يربط روسيا بإيران والهند عبر الأراضى الأذربيجانية. هذا الممر أصبح أكثر أهمية بعد العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، لأنه يوفر لها منفذًا إستراتيجيًّا لتجاوز القيود المفروضة على تجارتها عبر أوروبا. فضلًا عن هذا، تمثل أذربيجان جزءًا من شبكة ممرات الطاقة والسكك الحديدية العابرة للقوقاز، التى تربط آسيا بأوروبا؛ لذلك فإن أى تحول فى توجهات باكو السياسية ينعكس مباشرة على قدرة موسكو على تأمين طرقها اللوجستية، والحفاظ على نفوذها فى محيطها الجنوبى.
ومنذ تسعينيات القرن الماضى، كانت روسيا الفاعل الأمنى الأكثر تأثيرًا فى جنوب القوقاز، لكن التطورات الأخيرة، وفى مقدمتها انسحاب قوات حفظ السلام الروسية من ناغورنى كاراباخ عام 2024، كشفت تراجع قدرة موسكو على فرض إرادتها العسكرية فى الإقليم، ومع صعود القدرات العسكرية الأذربيجانية بدعم تركى، أصبح ميزان القوة يميل بوضوح لصالح باكو، مما جعل روسيا تعيد تقييم سياستها الأمنية تجاهها. ورغم هذا التراجع النسبى، لا تزال موسكو تنظر إلى أذربيجان بوصفها شريكًا مهمًّا فى تأمين حدودها الجنوبية ضد تهديدات التطرف العابر للحدود، كما تظل أنظمة السلاح الروسية، المنتشرة فى الجيش الأذربيجانى منذ الحقبة السوفيتية، عامل ترابط فنى وعسكرى يصعب تجاوزه.
فضلًا عن هذا، تُعد أذربيجان أحد أهم الفاعلين فى سوق الطاقة الإقليمية بفضل احتياطياتها من النفط والغاز، وموقعها كممر لأنابيب الطاقة باتجاه أوروبا وتركيا. ومع أن روسيا منافس مباشر لها فى مجال تصدير الطاقة، فإن موسكو تدرك أن التعاون مع باكو يخدم مصالحها على المدى الطويل، فالشركات الروسية، وعلى رأسها لوك أويل وغازبروم، تنخرط فى مشروعات للطاقة داخل أذربيجان، سواء فى مجال الاستكشاف أو النقل، كما أن التكامل فى البنية التحتية للطاقة بين البلدين يساعد روسيا على الالتفاف على العقوبات الغربية، من خلال إعادة تصدير بعض المنتجات، أو استخدام الموانى الأذربيجانية كمنافذ بديلة.
مؤشرات التوتر بين باكو وموسكو
شهدت العلاقات الروسية الأذربيجانية تحولًا واضحًا منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، حيث بدأت أذربيجان تتبنى سياسة أكثر استقلالية عن موسكو، بعدما كانت تنسق معها ضمن إطار التحالف الأمنى الذى جمع جمهوريات ما بعد الاتحاد السوفيتى، لكن مع تراجع القدرات الروسية فى المجال الأوراسى، بدأت باكو تعيد تعريف موقعها كقوة إقليمية صاعدة، وقد أثار هذا التحول توترًا فى العلاقة مع موسكو، لعل شواهده برزت فيما يلى:
خلافات دبلوماسية: شكلت التوترات الأخيرة بين البلدين، خاصةً قضية سقوط طائرة ركاب أذربيجانية فى ديسمبر (كانون الأول) 2024، وما تلاها من تحقيقات واعترافات لاحقة، ووعود بتعويضات، اختبارًا للثقة بين باكو وموسكو. كذلك أدى اعتقال ووفاة مواطنين أذربيجانيين خلال عمليات أمنية داخل روسيا، واقتران ملف القنصليات وحقوق المواطنين بمسألة السيادة، إلى دفع باكو إلى اتخاذ إجراءات رمزية، مثل مقاطعة ثقافية لبعض الفعاليات الروسية، واستدعاءات دبلوماسية؛ ما عمق هوة الثقة، ووضع العلاقة فى خانة إدارة أزمة بدلًا من التعاون التاريخى بين البلدين.
الملف الأمنى فى كاراباخ بعد انسحاب القوات الروسية: يشكل ملف ناغورنو كاراباخ أحد أبرز محاور التباين الحالى بين موسكو وباكو، فبعد انسحاب قوات حفظ السلام الروسية من الإقليم فى 2024، فقدت موسكو إحدى أهم أدواتها للنفوذ فى جنوب القوقاز. تعاملت أذربيجان مع هذا الانسحاب على أنه فرصة لاستكمال سيادتها على الإقليم، وتعزيز تحالفها الأمنى مع تركيا، فى حين رأت روسيا أن باكو تهمش دورها التاريخى كضامن للأمن الإقليمى، وترافق ذلك مع تصاعد الاتهامات الروسية غير الرسمية لأذربيجان بأنها تخلت عن التوازن، وفتحت المجال لأنقرة لتوسيع وجودها العسكرى والاستخبارى فى القوقاز.
التباين فى مفهوم الأمن الإقليمى: يبرز تباين جوهرى فى رؤية الدولتين لمفهوم الأمن الإقليمي؛ فبينما تصر موسكو على أن استقرار القوقاز يجب أن يمر من خلال منظومات الأمن الجماعى التى تقودها روسيا، كمنظمة معاهدة الأمن الجماعى، ترفض باكو هذه المقاربة لأنها تقيد سيادتها، وتُفضل بدلًا منها شراكات مرنة ثنائية ومتعددة مع تركيا وإسرائيل، والصين كذلك، وتتجلى هذه الفجوة فى غياب أذربيجان الكامل عن الترتيبات العسكرية الروسية الرسمية، رغم موقعها الجغرافى الحساس على حدود إيران والبحر الأسود.
العقوبات الغربية على روسيا: تتعارض مصالح البلدين اقتصاديًّا على أكثر من مستوى؛ فمن جهة، تحاول موسكو استخدام أذربيجان كمنفذ خلفى لتجاوز العقوبات الغربية من خلال التجارة غير المباشرة وإعادة التصدير، لكن باكو تدرك أن انخراطها العميق فى هذه القنوات قد يعرضها لضغوط غربية شديدة، ويضر بمكانتها كمركز طاقة إقليمى موثوق به. كما أن التنافس على ممرات النقل الإستراتيجية، مثل الممر الشمالي- الجنوبى، والممر الأوسط عبر بحر قزوين، أظهر تضاربًا بين رؤية موسكو التى تريد ضمان السيطرة على خطوط الإمداد، ورؤية أذربيجان التى ترى نفسها دولة عبور مستقلة، وليس مجرد جسر لمصالح روسيا.
الانفصال الثقافى عن روسيا: يشهد البعد الثقافى تباينًا متصاعدًا بين باكو وموسكو؛ إذ تتجه أذربيجان نحو تعزيز هويتها التركية الطورانية، وتخفيف حضور المكون السلافى فى المجال العام والتعليم والإعلام، حيث أغلقت باكو وقلصت نشاط عدد من المؤسسات الثقافية الروسية، وبدأت وسائل الإعلام الأذربيجانية تتبنى خطابًا أكثر تحفظًا تجاه روسيا. يعكس هذا المسار الثقافى تحولًا أعمق بأن روسيا لم تعد تمثل المرجعية الرمزية لأذربيجان؛ بل تحولت تركيا إلى الشريك الحضارى الأقرب، ما يُفقد موسكو أحد أعمدة نفوذها الناعم فى المنطقة.
التنافس على النفوذ فى بحر قزوين: تزايدت مؤخرًا مظاهر التنافس فى مجال الطاقة والأمن البحرى فى بحر قزوين، فعلى الرغم من توقيع اتفاقية قزوين عام 2018 التى حددت الإطار القانونى لتقاسم الموارد، فإن الخلافات بشأن حقوق التنقيب وخطوط أنابيب الغاز ظلت قائمة، إذ ترى أذربيجان أن من حقها تطوير مشروعات طاقة مستقلة بالتعاون مع الغرب، فى حين ترى موسكو أن أى مسار خارج التنسيق معها يمثل تهديدًا لمصالحها الإستراتيجية فى المنطقة.
تغير التحالفات الإقليمية: زاد تباين موسكو وباكو مع اتساع علاقات أذربيجان مع تركيا وإسرائيل، والولايات المتحدة، فى مقابل اقتراب روسيا من أرمينيا وإيران، وأصبح كل طرف ينظر إلى شبكة تحالفات الآخر بعين الريبة؛ حيث ترى موسكو أن التقارب الأذربيجاني- التركي- الإسرائيلى يمثل تهديدًا لمجالها الأمنى، فى حين تخشى باكو من التقارب الروسي- الإيرانى الذى قد يُستخدم كورقة ضغط عليها فى ملفات الطاقة والحدود الجنوبية.
مستقبل التحالفات الأذرية
إن التقارب بين أذربيجان وتركيا وإسرائيل ليس جديدًا، لكن الشكل الذى يتخذه فى الآونة الأخيرة يحمل دلالات إستراتيجية متغيرة، ويؤثر تأثيرًا ملموسًا فى ديناميات العلاقة مع روسيا، فمنذ استعادة باكو سيطرتها على ناغورنو كاراباخ، تعززت ثقة أذربيجان بقدراتها العسكرية والدبلوماسية، ما دفعها إلى تعميق شراكاتها الجديدة، التى وضعت موسكو أمام تحدٍّ يتمثل فى تراجع نفوذها التقليدى، وإعادة صياغة الأدوار الإستراتيجية فى القوقاز الجنوبى.
ومع تنامى التعاون مع تركيا وإسرائيل، ظهرت أذربيجان كلاعب وسيط إستراتيجى قادر على إطلاق مبادرات دبلوماسية بين خصوم إقليميين، ولعل أبرز مثال على ذلك استضافة باكو جولات من المفاوضات بين أنقرة وتل أبيب بهدف تخفيف التوترات المتعلقة بملف سوريا منذ سقوط بشار الأسد فى ديسمبر 2024، هذا الدور الوسيط يعزز مكانتها الدولية، ويمنحها هامش مناورة أكبر تجاه موسكو، حيث تُصبح لباكو قدرة على المزج بين الشراكات الجديدة مع الحفاظ على بعض القنوات الرسمية مع روسيا.
غير أن تنامى تزويد إسرائيل لأذربيجان بأسلحة وتقنيات متطورة، إلى جانب التعاون العسكرى التكتيكى مع تركيا، عزّز قدرة أذربيجان فى النزاعات المحلية والإقليمية، ما يقلل اعتمادها على تركيا فقط، أو على الأسلحة الروسية التقليدية؛ ومن ثم يتحول دور روسيا إلى طرف يجب أن ينافس أو يفاوض على شروط الشراكة العسكرية والتقنية، وهذا التغير يعنى أن موسكو قد تضطر إلى تقديم عروض تنافسية أفضل، أو استخدام دبلوماسيتها على نحو أكثر مرونة لتبقى شريكًا مرغوبًا فيه لدى باكو.
بالإضافة إلى هذا، فإن تعزيز التعاون التجارى والطاقوى بين أذربيجان وتركيا وإسرائيل يشكل تهديدًا اقتصاديًّا مباشرًا لموسكو، لا سيما فيما يرتبط بتصدير الغاز الأذربيجانى إلى سوريا عبر تركيا، والتعاون فى مجالات الطاقة والتكرير. هذا التوسع يعطى لباكو مصدر دخل متنوعًا، ووزنًا اقتصاديًّا متزايدًا؛ ما يقلل قدرة موسكو على التحكم فى شبكة الطاقة الإقليمية، أو استغلالها كنقطة نفوذ فى ظل العقوبات الغربية.
وفى الإطار الجيوسياسى الأوسع، قد تُعد الشراكة الأذربيجانية الإسرائيلية عامل استقرار؛ فهى تُكمل الموقف الإستراتيجى التركى فى القوقاز، وتتماشى مع أجندة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسى الرامية إلى احتواء روسيا وإيران، لكن فى المقابل، تُؤجج هذه الشراكة أيضًا المخاوف الإقليمية؛ إذ ترى طهران فى هذا التعاون تهديدًا وجوديًّا، فى حين تراه موسكو علامة أخرى على التعدى الغربى على ما لا تزال تراه جوارها القريب، ومع تزايد ترابط الامتداد الجيوسياسى بين الشرق الأوسط والقوقاز، تضع شراكة أذربيجان مع إسرائيل باكو فى قلب قوس إقليمية جديدة تربط أنقرة وتل أبيب وواشنطن، هذا المحور الثلاثى لا يُغير معادلة القوة التقليدية فحسب؛ بل يُرسخ أيضًا مكانة أذربيجان بوصفها لاعبًا محوريًّا فى تشكيل البنية المستقبلية للأمن الأوراسى.
مما سبق يمكن القول إن الأهمية الإستراتيجية لأذربيجان لدى روسيا لم تتراجع؛ بل تغيرت طبيعتها، فروسيا لم تعد قادرة على فرض معادلتها الأمنية فى القوقاز، وأذربيجان لم تعد ترى نفسها جزءًا من المجال الروسي؛ بل تحولت إلى شريك إقليمى فاعل يفرض على موسكو التعامل معه بمنطق المصالح لا السيطرة، حيث تتمثل الأهمية اليوم فى أبعاد جديدة تتجاوز الجغرافيا والطاقة إلى الممرات التجارية، والمجال الرقمى، والدبلوماسية الإقليمية المتعددة الأقطاب. ورغم الضغوط التى تواجهها روسيا فى محيطها الجنوبى، تظل أذربيجان ركيزة ضرورية لأمنها القومى، وممرًا إستراتيجيًّا نحو الخليج وآسيا الوسطى؛ ومن ثم فإن الحفاظ على هذا الدور يتطلب من موسكو إعادة تكييف سياستها الخارجية وفقًا لمتغيرات البيئة الإقليمية، وهو ما سيحدد مستقبل العلاقة الروسية الأذرية خلال العقد المقبل.
*باحثة دكتوراه فى العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة
ينشر بالتعاون مع CAES مركز الدراسات العربية الأوراسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.