تشهد العلاقات بين أذربيجانوإيران فى الفترة الأخيرة تدهوراً متزايداً، ورغم أن الدولتين لم تصلا حتى الآن إلى المواجهة المفتوحة، غير أن التوتر الحادث بين الدولتين يشير إلى احتمال الصدام كل يوم أكثر فأكثر. السبب الأساسى وقبل نزاع كاراباخ كان التعاون الأذربيجانى العسكرى سواء مع تركيا أو إسرائيل فى مجال الطائرات المسيرة. كان استخدام إيران لأراضى ناجورونو كاراباخ لعبور بعض الشاحنات والبضائع، إلا ان أذربيجان أعلنت أن الشاحنات الإيرانية تحمل وقودا إلى المنطقة وهو ما يعتبر مخالفا وفق العقوبات الأمريكية على إيران، كما اتهمت باكو سائقى الشاحنات الأجانب باجتياز الحدود الأذربيجانية بطرق غير قانونية باعتبار أن كاراباخ منطقة تابعة لباكو. وعلى خلفية هذا الجدل تم القبض على شاحنتين كانتا تحملان بضائع متنوعة إلى عاصمة كاراباخ ستيبانكيرت. تصريح للعبور تطورت الأمور بعد ذلك فأصبح رجال الجمارك الأذربيجانيون (الأذريين) يأخذون من كل شاحنة 100 دولار إضافية مقابل السماح لها بالمرور عبر الأراضى الأذربيجانية، بالإضافة لهذا جرت عملية تشديد عمليات التفتيش على الشاحنات مما تسبب فى تكوين طوابير طويلة عند نقاط التفتيش، أحدثت خسائر كبيرة لإيران. وإذا كان فى السابق من الممكن للشاحنات أن تمر بسهولة دون عوائق، فإنه ونتيجة النزاع حول كاراباخ، أصبح الطريق يمر عبر الأراضى الأذربيجانية، وهو ما أعطى باكو حق فرض ضرائب وتطلب من الأجانب ضرورة الحصول على تصريح للعبور. على مدى النزاع حول ناجورنو كاراباخ حافظت طهران على حيادها بين يريفان وباكو، رغم أن عدد الأذريين الذين يعيشون فى إيران ومن مواطنيها أكثر من الذين يعيشون فى أذربيجان نفسها، وهذا ما سمح لإيران بأن يكون لها علاقات جيدة بكل من أرمينياوأذربيجان وحتى مكنها من القيام بدور الوسيط فى بعض الأحيان، وكان الممكن الاستمرار فى هذه السياسة حتى بعد انتهاء الحرب التى نشبت بين أرمينياوأذربيجان فى العام الماضى. أهمية هذه السياسة كان من السهل متابعتها مع انتهاء الحرب بين البلدين، عندما زار جواد ظريف وزير الخارجية الإيرانى آنذاك، كلا البلدين وأعرب عن تضامنه مع كل بلد منهما وعن ضرورة الحفاظ على وحدة وسلامة أراضى البلدين، فى كل بلد يزورها منهما، غير أن الخطاب الإيرانى هذا لم يحقق الاستقرار الطويل فى السياسة الخارجية لطهران وأن حتمية حدوث التوتر كان مسألة وقت. قوة إقليمية فقد تغير موقف إيران من أذربيجان بسبب خروج جزء كبير من كاراباخ من أرمينيا إلى أذربيجان بعد الحرب، كما أن تمركز قوة إقليمية كبيرة فى المنطقة وهى تركيا غير من المعادلة بالنسبة لطهران، فقد كانت أنقرة الحليف الرئيسى لباكو فى حربها من أجل كاراباخ، ولم تكتف فقط بتزويد الأخيرة بالطائرات المسيرة التركية بل وببعض المرتزقة، مما حقق تفوقا لاذربيجان ومكنها من استعادة جزء كبير من ألاراضى التي كانت تحت السيطرة الأرمينية من بداية تسعينيات القرن الماضى. هذا بلا شك زاد من تأثير الرئيس التركى فى منطقة جنوب القوقاز، وحيّد طهران تماما فى عملية إعادة إعمار ناجورنو كاراباخ، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقد وقعت أنقرة مع باكو اتفاقية شوشة التى تتيح لها توسيع وجودها العسكرى فى المنطقة. لم تكتف تركيا بذلك بل استمرت فى زيادة نشاطها فى أذربيجان الحليفة، مقتحمة بذلك مناطق المصالح الإيرانية. ومما سكب الزيت على النار كانت المناورات المشتركة بين أنقرة وباكو تحت مسمى "إخوة أبدية 2021" فى منطقة ناخيتشفان الواقعة عملياً داخل الأراضى الأرمينية والتابعة لأذربيجان، ثم جاءت مناورات "الإخوة الثلاثة 2021" فى منطقة بحر قزوين الذى تطل عليه أذربيجانوإيران ولكن بأى حال ليست تركيا، ولا باكستان الأخ الثالث المشارك فى المناورات، انتقدت طهران المناورات الأخيرة على اعتبار أنها مخالفة للميثاق الموقع والذى ينص على أن بحر قزوين بحيرة سلام بعيد عن الأعمال العسكرية ولا يحق لأى دولة امتلاك معدات عسكرية فيه. حشود ضخمة أمام هذه الاستفزازات لم يكن أمام طهران سوى حشد قواتها فى منطقة الحدود مع أذربيجان شملت الحشود صواريخ ودبابات وقوات دفاع جوى ووضعتها فى حالة الاستعداد القصوى مما خلف حالة من التوتر بين إيران من ناحية وتركياوأذربيجان من ناحية أخرى. لكن لا يجب بعد الحشود الضخمة على الحدود مع أذربيجان اعتبار أن إيران مصرة فقط على المواجهة، لا، فقد أرسلت نائب وزير الخارجية قاسم سادجابور إلى عاصمة أذربيجان باكو، حيث أكد هناك على أن مصلحة بلاده فى تنمية علاقات الشراكة بين البلدين، وكان أيضاً فى نفس الوقت يوجه رسالته هذه إلى تركيا. وكانت الخطوة التالية من إيران بعد ذلك تكثيف الوجود العسكرى، وكأن طهران تقدم الجزرة وتلوح بالعصا. ومع تصعيد التوتر، دخلت إسرائيل، التى تمتلك علاقات مستدامة مع باكو على مدى أعوام طويلة، على الخط خاصة أن أذربيجان لها علاقات عسكرية متجذرة مع المجمع العسكرى الصناعى الإسرائيلى، فالجيش الأذربيجانى منذ فترة يستخدم المسيرات والصواريخ الإسرائيلية والمدرعات وغيرها من الأسلحة، وظهر ذلك فى حرب كاراباخ الأخيرة، بالإضافة لذلك الكثير من الشركات الإسرائيلية تعمل فى أذربيجان، ناهيك عن أن الدولة العبرية أحد كبار مستوردى النفط الأذربيجانى. لكن ما أدى إلى التصعيد الإيرانى الأخير هو قيام إسرائيل وفق بعض المتابعين للعلاقات بين باكو وتل أبيب، قيام الأخيرة بإرسال بعض وحدات التجسس الأليكترونية لأذربيجان، القلق الإيراني هنا كان فوق العادة، فالكل يعرف التراشق والتنافس بين إيران وإسرائيل، ودعم قدرات إسرائيل وتمكينها من جمع معلومات عن إيران من مكان استراتيجى مجاور لها بل امتداد (أذربيجان) لها هو أمر غير مقبول. ورقة ضغط لهذا السبب لجأت إيران لتأمين نفسها ومحاولة التقاط ورقة ضغط، وكما نشرت صحف موالية لإيران عن ظهور حركة مقاومة إسلامية جديدة تحت اسم "الحسينيين"، وكما أشارت الصحف أنه وفق شعار هذه المنظمة فإنها لها علاقة بالمنظمات الشيعية التابعة لطهران، وأكدت أن المنظمة لها علاقة مباشرة بحرس الثورة الإيرانى. وكما تقول بعض المصادر إن "الحسينيين" حتى الآن يعبرون عن أنفسهم من خلال بعض التغريدات على وسائل التواصل الاجتماعى وتنظيم بعض الفعاليات فى العالم الافتراضى، فهل يتطور الأمر ليظهر "حزب الله" جديد فى أذربيجان. مع جهود طهران هذه يظهر لاعب جديد وهى العدو اللدود لأذربيجان، وأرمينيا التى أطلقت بعض التصريحات الداعمة لتصرفات طهران، وأثناء لقاء جمع سفير إيران فى العاصمة الأرمينية يريفان بنائب رئيس الوزراء الأرمينى سورين بابيكيان، تقدم الأخير بالشكر لإيران على موقفها الذى وصفه بالبناء فى المنطقة، وكما نشاهد أنه على خلفية الخلاف مع أحد طرفى النزاع فى جنوب القوقاز يقوى الارتباط بالطرف الآخر، ويؤثر على علاقات الشراكة الثنائية بالإيجاب، وهو ما سيتيح لإيران أن تدعم قواعدها لدى أرمينيا جار أذربيجان اللدود. من المشهد الحالى نجد أن دول جنوب القوقاز تجلس على برميل بارود، وهو ما جعل مندوبي هذه الدول تعقد اجتماعات على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أعربوا فيه عن رغبتهم فى إبرام اتفاقيات سلام، غير أن العالم لم يشهد أى تحرك على الأرض حتى الآن. لكن هناك تفاؤل حذر اعتماداً على علاقات طيبة بين إيراهيم رئيسى الرئيس الإيرانى الجديد ونظيره الأذربيجانى إلهام علييف، وربما تكون الأحداث الأخيرة وفق مراقبين إشارة إلى بذل المزيد من الجهد لتقوية العلاقات، وفى نفس الوقت من الصعب تصور أن إيران ستسلم المنطقة بسهولة سواء لتركيا أو لإسرائيل. روابط اقتصادية وثقافية الرقم الصعب فى هذه المعادلة هو روسيا، فهى زعيم المنطقة وهى التى أوقفت الحرب بين أرمينياوأذربيجان، ولها روابط اقتصادية وثقافية مع المنطقة متينة وممتدة لعشرات السنين، والطريف أن الأطراف المتصارعة على منطقة جنوب القوقاز هى من الحلفاء لروسيا بداية من تركيا والشراكة الاستراتيجية مع روسيا والمشروعات المشتركة غير المحدودة معها، ثم تأتى إيران وهى حليف لروسيا فى سوريا وعلى مستوى الدولتين، وإسرائيل وروسيا والتنسيق بينهما فى سوريا، ولا يخفى على موسكو رغبة رئيس الوزراء الأرمينى نيكول باشينيان فى استبدال الدور الروسى بأى دور آخر سواء أوروبيا أو حتى إيرانيا. روسيا لم تقل كلمتها بعد فى الصراع الدائر، وإن كانت كلمتها سيكون لها الفصل فيه.