بعد حريق مصبغة بالمحلة.. ما هي معايير السلامة الغائبة التي تسببت في الكارثة؟

لم يكن يوم الجمعة ذاك يومًا عاديًا في حياة عمال إحدى مصابغ المحلة الكبرى؛ غادروا بيوتهم حاملين على عاتقهم أحلامًا بسيطة وآمالًا لأسر تنتظر عودتهم بلقمة عيش كريمة. لكنهم لم يعلموا أن مصيرهم سيُكتب بنيران الإهمال، وأن أصوات ماكينات العمل ستخفت ليحل محلها دوي انفجار وصراخ يمزق سكون الفجر.
حريق مصبغة بالمحلة
ثلاثة عشر روحًا أزهقت في حريق مصبغة بالمحلة؛ بينهم قصص بطولية لرجال من الشرطة والإنقاذ ضحوا بأرواحهم في محاولة يائسة لإنقاذ العالقين بالداخل. هؤلاء الأبطال، جنبًا إلى جنب مع العمال الذين جاءوا يطلبون الرزق، لم يكونوا مجرد أرقام في إحصائيات الكوارث، بل كانت حكايات لم تكتمل وقصصًا لأبناء وآباء وأزواج انتهت حياتهم ليس بفعل القدر المحتوم فحسب، بل كثمنٍ فادح لتجاهل قواعد كان من المفترض أن تكون درعًا يحميهم. إنها أرواح أُزهقت لأن بندًا في لائحة السلامة تم تجاهله، ولأن تكلفة تركيب نظام إطفاء آمن بدت أغلى من حياة إنسان.
فاجعة مصنع «البشبيشي» ليست مجرد حريق التهم جدرانًا وآلات، بل هي صرخة مدوية في وجه كل من يرى في معايير الأمان والسلامة المهنية ترفًا يمكن الاستغناء عنه أو حبرًا على ورق يمكن التحايل عليه.
قواعد السلامة الغائبة.. ونظرة على الإطار القانوني
يُلقي هذا الحادث الضوء على مدى الالتزام بقواعد السلامة والأمان المنصوص عليها في القانون المصري، والتي تهدف إلى حماية أرواح العاملين والممتلكات. وينظم قانون العمل المصري رقم 12 لسنة 2003، في كتابه الخامس، الأحكام المتعلقة بالسلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل.
وتتضمن أبرز هذه القواعد، التي يجب على كافة المنشآت الصناعية الالتزام بها، ما يلي:
* توفير وسائل الوقاية من المخاطر: يلزم القانون أصحاب المصانع بتوفير وسائل السلامة الكفيلة بالوقاية من المخاطر المختلفة، سواء كانت فيزيائية (كالتأثيرات الحرارية، الضوضاء، الكهرباء) أو ميكانيكية (الناشئة عن الآلات والمعدات) أو كيميائية (الناتجة عن تداول المواد الخطرة).
* وفي حالة مصانع الملابس، يشمل ذلك ضرورة تأمين التوصيلات الكهربائية بشكل دوري، وصيانة الغلايات، وتخزين المواد القابلة للاشتعال في أماكن آمنة ومعزولة.
* اشتراطات الحماية المدنية: تفرض الإدارة العامة للحماية المدنية مجموعة من الاشتراطات الإلزامية على المصانع، والتي تعد شرطًا أساسيًا للحصول على التراخيص. وتشمل هذه الاشتراطات:
* أنظمة إنذار وإطفاء الحريق: ضرورة تركيب أنظمة إنذار مبكر للكشف عن الدخان والحرارة، وتوفير عدد كافٍ من طفايات الحريق بأنواعها المختلفة وتوزيعها بشكل مدروس في أرجاء المصنع، مع تدريب العاملين على استخدامها.
* مسالك ومخارج الطوارئ: يجب أن تكون مخارج الطوارئ واضحة، سهلة الوصول، خالية من العوائق، وتؤدي إلى مكان آمن. كما يجب أن تكون هناك علامات إرشادية مضيئة تدل عليها.
* فحص وصيانة دورية: الالتزام بإجراء فحوصات وصيانة دورية لكافة التمديدات الكهربائية والميكانيكية، وأنظمة الإطفاء والإنذار، للتأكد من عملها بكفاءة.
* تدريب العاملين: يجب على أصحاب العمل توفير التدريب اللازم للعمال على طرق الوقاية من الحوادث، وكيفية التصرف في حالات الطوارئ، بما في ذلك خطط الإخلاء واستخدام معدات الإطفاء الأولية.
عقوبات رادعة تنتظر المخالفين
ينص قانون العمل المصري على عقوبات للمنشآت التي تخالف أحكام السلامة والصحة المهنية. ووفقًا للمادة 256 من القانون، يُعاقب كل من يخالف أيًا من أحكام الكتاب الخامس بشأن السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل والقرارات الصادرة تنفيذًا له «بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين».