جيش الاحتلال الإسرائيلي يقتحم سفينة "مادلين" ويعتقل جميع النشطاء على متنها    الجيش الإسرائيلي يقتحم سفينة مادلين ويختطف المتضامنين المتجهين إلى غزة    «أسطول الحرية»: القوات الإسرائيلية تختطف المتطوعين على السفينة «مادلين»    مواعيد مباريات الأهلي في كأس العالم للأندية بعد الخسارة من باتشوكا    «عايز يضيف».. ريبيرو يتحدث عن انضمام زيزو إلى الأهلي    تشكيل كرواتيا المتوقع أمام جمهورية التشيك في تصفيات كأس العالم    سرعة قاتلة تُنهي يوم عمل مأساويا.. مصرع وإصابة 12 عاملا في انقلاب سيارة على زراعي المنيا    المنيا: وجبة مسمومة تنقل 35 شخصا إلى المستشفى في ملوي    ياسمين صبري: «مش بنافس غير نفسي وأحب تقديم قصص من الواقع» (فيديو)    بعد تصديق الرئيس السيسي.. تعرف على عدد مقاعد الفردي والقائمة لمجلسي النواب والشيوخ بالمحافظات بانتخابات 2025    ترامب يوجه باتخاذ الإجراءات ل تحرير لوس أنجلوس من غزو المهاجرين    الحالات الطارئة من اختصاص المستشفيات وليست العيادات.. أول تعليق لنقابة الأطباء على واقعة وفاة مسنة بعد رفض طبيب الكشف عليها بقنا    ضحى بحياته لإنقاذ المدينة.. مدير مصنع "يوتوبيا فارما" يتبرع بنصف مليون جنيه لأسرة سائق العاشر من رمضان    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد» الاثنين 9 يونيو    الخميس المقبل.. ستاد السلام يستضيف مباراتي الختام في كأس الرابطة    غادر مصابا أمام باتشوكا.. جراديشار يثير قلق الأهلي قبل كأس العالم للأندية    جاهز لكأس العالم للأندية.. تريزيجيه يحصد جائزة رجل مباراة الأهلي وباتشوكا (فيديو)    باتشوكا يهزم الأهلي بركلات الترجيح في البروفة الأخيرة قبل مونديال الأندية    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الاثنين 9 يونيو 2025    اتحاد العمال: مصر فرضت حضورها في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    في جنازة مهيبة.. تشييع جثمان بطل واقعة حريق محطة بنزين العاشر من رمضان بمسقط رأسه    وفاة شخص إثر إصابته بطلقٍ ناري بالرأس في مشاجرة بالفيوم    إصابة سائق وطالب في حادث تصادم بين سيارة ملاكي و«توك توك» بالمنيا    رسميا.. نتيجة الصف الثالث الابتدائي 2025 في مدارس الإسكندرية.. ومتى تظهر بالقاهرة؟    شديد الحرارة و نشاط رياح| حالة الطقس الاثنين 9 يونيو    أوربان يتعهد بالاحتفال حال انتخاب لوبان رئيسة لفرنسا    وزارة الأوقاف تقيم أمسية ثقافية بمسجد العلي العظيم    آمال ماهر تتصدّر تريند جوجل بعد إنهاء تسجيل "اتراضيت".. وعودة قوية تثير تفاعل الجمهور    بدون كيماويات.. طرق فعالة وطبيعية للتخلص من النمل    مكسل بعد إجازة العيد؟ إليك نصائح للاستعداد نفسيًا للعودة إلى العمل    فيديو تشويقي عن افتتاح المتحف المصري الكبير في احتفالية ضخمة 3 يوليو    باتشوكا يتقدم على الأهلي بهدف كينيدي    أسماء ضحايا حادث انقلاب ميكروباص ترعة الدقهلية    فسحة العيد في المنصورة.. شارع قناة السويس أبرز الأماكن    رسميا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 9 يونيو 2025 بعد آخر انخفاض    زيلينسكي: بوتين يسعى لهزيمة أوكرانيا بالكامل    الخارجية الفلسطينية تثمن جهود المتضامنين الدوليين على سفينة كسر الحصار وتطالب بحمايتهم    4 أبراج «بيشوفوا الأشباح في الليل».. فضوليون ينجذبون للأسرار والحكايات الغريبة    بشكل مفاجئ .. إلغاء حفل لؤي على مسرح محمد عبد الوهاب بالإسكندرية    تامر عاشور: أتمنى تقديم دويتو مع أصالة وشيرين    استشهاد 3 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 9 يونيو 2025    مكونات بسيطة تخلصك من رائحة الأضاحي داخل منزلك.. متوفرة لدى العطار    وكيل صحة سوهاج: تقديم الخدمة الطبية ل8 آلاف و866 مواطنا مؤخرًا بمستشفيات المحافظة    هجوم روسي مكثف بطائرات مسيّرة يستهدف كييف ومناطق أوكرانية أخرى والدفاعات الجوية تتصدى    حدث بالفن | شيماء سعيد تستعيد بناتها وحلا شيحة تحلم ب يوم القيامة    جولات ميدانية مفاجئة وإشادات وزارية بأداء المنشآت الصحية في المنوفية    الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع الأسعار تحرم المصريين من الأضحية فى زمن الانقلاب    تعديلات تشريعية جديدة.. الدولة تعزز التمثيل النيابي للشباب والمرأة وذوي الهمم    مؤسسة أبو هشيمة عضو التحالف الوطني توزع لحوم الأضاحي بمحافظة بني سويف.. صور    الوفد النقابي في جنيف: مصر نموذج للدفاع عن كرامة العمال    فضيلة الإمام الأكبر    5 أيام يحرم صومها تعرف عليها من دار الإفتاء    تنسيق الجامعات 2025، قائمة الجامعات المعتمدة في مصر    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    محافظ أسيوط: لا تهاون مع مخالفات البناء خلال إجازة عيد الأضحى    النسوية الإسلامية «خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» السيدة هاجر.. ومناسك الحج "128"    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة يوليو و«تهنيج» فكرة المقاومة
نشر في المصري اليوم يوم 25 - 07 - 2010

لم تكن القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل مجرد هم أساسى من هموم أعضاء تنظيم الضباط الأحرار الذى قام بثورة يوليو، بل مثلت واحدة من البوابات الكبرى التى دخلت عبرها فكرة الخنوع والاستسلام إلى الوجدان المصرى ليصبح من أضعف الشعوب قدرة على المقاومة وأقلها سعياً نحو التغيير. ورغم اختلاف أسلوب تعامل حكام مصر ما بعد الثورة مع هذه القضية، إلا أنهم اتفقوا جميعاً على توظيفها لغرض واحد أساسى، هو قتل روح المقاومة وسحق فكرة التغيير لدى المصريين.
والسر فى ذلك هو وعى رجال الثورة أو الحركة – سمها ما شئت – بأن الصراع مع إسرائيل يشكل مفتاحاً لشرعية النظام. فحسم هذا الصراع (بالحرب أو بالسلم) يضمن استقرار الأوضاع، أما غير ذلك فهو نذير بالتغيير لأى سلطة تحكم.
وكلنا يعرف أن حرب فلسطين عام 1948 كانت المحرك الأول للتغيير فى هذا البلد. وفى خضم معاركها نبتت فكرة إنشاء تنظيم الضباط الأحرار فى ذهن الرئيس جمال عبدالناصر. وما إن انتهت الحرب بالنكبة وتأسيس دولة إسرائيل حتى بدأ التنظيم فى التخطيط للقضاء على الملكية، وكان لرجاله ما أرادوا صبيحة يوم الثالث والعشرين من يوليو.
ومنذ وصوله إلى كرسى الحكم عام 1954 آمن عبدالناصر بأولوية قضية الصراع مع إسرائيل كمصدر لشرعية النظام الثورى الجديد، وكان يرى أن الحرب هى السبيل الوحيد لإغلاق هذا الملف الذى يثير روح المقاومة لدى المصريين ويعد السر الأكبر فى اندفاعهم نحو التغيير، كما حدث مع رجال الثورة أنفسهم، لكن الرياح جاءت بما لا تشتهى السفن، وانتهت معركته مع العدو بهزيمة مدوية فى 1967، كانت أولى نتائجها أن سبق عبدالناصر الشعب وأعلن تنحيه عن الحكم بعد إحساسه بسقوط شرعيته ليعيدها الشعب إليه ثانية فى مظاهرات 9 و 10 يونيو!.
وقد عملت الهزيمة عملها فى نفوس المصريين وأصابتهم بقدر كبير من الإحباط والانكفاء بسبب مظاهرات الكذب الإعلامى التى سبقت الحرب ورافقت ساعاتها الأولى ليفاجأ الناس بعدها بهزيمة مرة ابتلعوها فى حلوقهم وخلفت فى قلوبهم شرخاً وجرحاً عميقاً وأصابت قدرتهم وإحساسهم بجدوى المقاومة فى مقتل لتسود بينهم نغمة معبرة عن العجز والسخرية من الذات والرضاء بما قسمته الأقدار «الثورية» لهم.
كان السادات يعلم – منذ أن تولى الحكم عقب وفاة عبدالناصر - أن ملف الصراع مع إسرائيل هو أكثر ما يهدد استقراره على الكرسى، فما كان منه إلا أن بادر بحرب إسرائيل فى أكتوبر من عام 1973 بهدف تحريك الأمور والخروج من دائرة اللاسلم واللاحرب.
واستطاع السادات تحقيق النصر، لكن ذلك لم يمنع نظام الحكم من ترديد نفس النغمة التى سادت لدى البعض بعد هزيمة يونيو واتسع مداها بعد حرب أكتوبر من خلال الحديث عن عدم استطاعتنا مواصلة الحرب إلى ما لا نهاية، وأنه ليس من السهولة بمكان أن نحارب إسرائيل المدعومة من دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. ويبدو أن السادات كان مدركاً لخطورة اشتعال روح المقاومة لدى المصريين فأراد وأدها بالسلام خوفاً من أن تؤدى إلى تكريس فكرة التغيير فى الداخل، وربما كان ذلك هو السبب الذى دفع عبدالناصر بعد هزيمة يونيو 67 إلى التفكير فى الحل السلمى.
لكن الظروف الدولية وانتصار أكتوبر ساعدا السادات على السير فى اتجاه هذا الحل فبادر بزيارة إسرائيل، وقام بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، ثم معاهدة السلام عام 1979. وتعشم الرجل أن يغلق الملف عند هذا الحد لتذوب فكرة المقاومة وعدم جدوى التغيير بالمواجهة، خصوصاً أن النظام حينذاك كان دائم التذكير بأن حرب عبد الناصر مع إسرائيل من أجل تحرير فلسطين لم تنته بتحرير أرضها، بل باحتلال أرض سيناء!. وبعد عامين من توقيع المعاهدة كان القدر يخبئ للسادات ولنا مفاجأة كبرى عام 1981 عندما وقع حادث المنصة الشهير واغتيل الرئيس فى يوم نصره، وكان المبرر الأبرز الذى ذكره قاتلوه وهم يدافعون عما قاموا به: أنه عقد صلحاً مع إسرائيل وذهب إلى أرض العدو رغم احتلاله لفلسطين.
وفى بداية توليه للحكم عام 1981 استثمر الرئيس مبارك النغمة التى سيطرت فى عصر السادات وأكد تمسكه بجميع الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، وأن خيار السلام هو الخيار الوحيد للتعامل مع ملف الصراع العربى - الإسرائيلى. وظل مدار ما يقرب من ثلاثين عاماً يكرر لهذا الشعب أنه حماه من أى مغامرات عسكرية كان من الممكن أن تؤدى إلى إهدار دماء أبنائه. وكان الشعب على الخط تماماً مع الرئيس وهو يؤكد فى كل مناسبة أن السياسة الحكيمة للرئيس هى التى حمت الأمة من الدخول فى حروب لا طائل منها، وأنه لولا السلام لكان وضعنا أشبه بوضع سوريا العاجزة عن استعادة مرتفعات الجولان بسبب تعنتها فى قبول الحل السلمى!.
هكذا سادت نغمة بين المصريين خلال العقد الخامس والسنوات التى مرت من العقد السادس من تاريخ الثورة بأن الاستسلام أسلم وأن المقاومة لا تجدى، وأن نتيجتها سوف تكون الدق على الرؤوس بآلة الحرب الإسرائيلية التى لم ترحم النساء والأطفال والشيوخ الذين يقاومون فى غزة. وما أكثر التصريحات التى تكررت على لسان السيد الرئيس وذكر فيها أنه رجل عسكرى ويفهم معنى الحرب جيداً والآثار التى يمكن أن تترتب عليها لذلك يحرص على تجنيب المصريين ويلاتها. والمعنى الظاهر لهذا الكلام جميل وجيد، لكن باطنه يعنى قتل روح المقاومة والرغبة فى التغيير وتقديس الاستقرار حتى ولو كان لأوضاع من الواجب تغييرها!.
هكذا تم «تعليق» أو «تهنيج» فكرة المقاومة، وتكريس روح الضعف والاستخزاء، والقبول بفكرة أن الحياة بلا كرامة وبلا مقاومة أجدى من مواجهة آلة عسكرية أو شرطية لا ترحم، وأن الأفضل أن «تبوس» اليد التى لا تستطيع عضها. وحتى ونحن نتحدث عن مسألة انتقال السلطة – بعد عمر طويل للرئيس – يزايد الكثيرون فى الداخل والخارج على أن الأفضل أن يرث «جمال مبارك» عرش أبيه، لأن فى ذلك الضمانة الوحيدة لعدم انقضاض بعض المجاهيل أو المتشددين على الحكم وما يمكن أن يؤدى إليه ذلك من تهديد للاستقرار فى العلاقة بين مصر وإسرائيل.
فالوريث أفضل لأنه سوف يسير فى حياته تبعاً للنهج السياسى للأب وسوف يحافظ على استقرار الأوضاع. ويتناسى هؤلاء جميعاً أن موت فكرة مقاومة أعداء الخارج – فى وجدان أى شعب - يؤدى إلى وفاة فكرة التغيير فى الداخل، وقد كان من الممكن أن نقتنع بأن هذه المعادلة التى كرستها ثورة يوليو ذات معنى لولا الدرس الذى لقنه الشيخ حسن نصر وجماعة حزب الله لإسرائيل فى حرب تموز 2006 التى رفرفت عليها راية المقاومة عالية خفاقة.. وبالعودة يا ثورة، إذا كان للثورة «عودة» فى حياة هذا الشعب!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.