أقرأ هذه الأيام السيرة الذاتية لسير «ونستون تشرشل»، أحد ابرز القادة السياسيين البريطانيين الذين ظهروا على الساحة السياسية خلال الحروب التي اندلعت في القرن العشرين.. إضافة لكونه مؤرخا وكاتبا وفنانا متميزا. وقد كان رئيس الوزراء الوحيد الذي حصل على جائزة نوبل في الأدب، ومشهور بأنه انحدر من سلالة عائلات الدوقات الأرستقراطية بمالبورو، وهى أحد فروع عائلة سبنسر الأشهر في بريطانيا. رغم كل مؤهلاته التي سردتها، فإن ونستون تشرشل ضرب أرقاما قياسية في الفشل لم يسجلها رجل في التاريخ! فقد كانت حياته منذ كان صغيرا سلسلة من الإخفاقات: فشل وهو تلميذ في المدرسة، وفشل وهو ضابط في الجيش البريطانى، وفشل وهو زعيم المعارضة، وفشل وهو زعيم حزب المحافظين، وفشل وهو وزيرا، وفشل وهو رئيس وزراء! كان يقترب دائما من قمة النجاح، وفجأه تزل قدمه، ويتدحرج إلى القاع. لم ييأس أبدا رغم كل الصدمات وقصص الفشل التي تعرض لها. كان يقف على قدميه من جديد، ويبحث عن طريق آخر للنجاح. فُتحت له أبواب حزب المحافظين وهو شاب لأنه كان ابن أقوى رجال الحزب، وكان أصغر نائب انضم لمجلس العموم.. وعندما ضاق بالجلوس في المقاعد الخلفية، دخل حزب الأحرار، وحارب حزب والده. واختاره حزبه وزيرا للبحرية، ولمع اسمه إلى أن أمر الأسطول البريطانى بالهجوم على مضيق الدردنيل، وغرق الأسطول كله وأُقيل الوزير الشاب من منصبه. وعاد مره أخرى إلى حزب المحافظين وعُين وزيرا للمالية. وارتكب أكبر غلطة مالية في تاريخ إنجلترا، وهى عدم خروج الجنيه من قاعدة الذهب، وخسرت بريطانيا ألوف الملايين بسبب سوء تقدير الوزير الشاب. لم يُحبط واستمر إصراره وحماسه.. وفى يوم من الأيام استرد مكانته الشعبية، وأصبح المرشح الأول لرئاسة الوزارة. وفجأة راح يطالب بالسماح للملك «إدوارد الثامن» بالزواج من مطلقة أمريكية «مسز سمبسون».. فثار عليه الشعب، ووقع مرة أخرى! قام من جديد، وبدأ يهاجم هتلر، فاسترد مكانته واختير وزيرًا للبحرية. وفشل الأسطول في كل المعارك التي خاضها، واجتاح هتلر فرنسا.. وأقال النواب رئيس الوزراء، وسلموا الحكم لتشرشل. لكن خلال عامين من حكمه أصيبت بلاده بهزائم كثيرة، فوقع، ثم قام مرة أخرى وقاد بلاده إلى النصر.. لكن شعبه خذله وأخرجه من الحكم باعتباره رجل حرب لا رجل سلام. عاد من جديد إلى الحكم وهو أصم لا يسمع، وحكم خمس سنوات ثم استقال وهو مُصر على أنه كان يستطيع أن يستمر في الحكم لسنوات طويلة!. [email protected]
