بينما كانت الحرب العالمية مندلعة على أشدها وكانت الطائرات الألمانية تقصف لندن، فوجئ ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا بحكم صادر من إحدى المحاكم البريطانية يلزم حكومته بإغلاق أحد المطارات الحربية وإيقاف العمل به لأنه يتسبب في إزعاج المصلين بإحدى الكنائس القريبة من المطار، في وقت حرب تقرر وبشكل حاسم مصير بريطانيا. واستجاب تشرشل لحكم المحكمة وأغلق المطار وعلق على ذلك، قائلًا "من الأفضل لإنجلترا أن تخسر الحرب، ويقال إنها دولة تحترم القانون من أن تكسب الحرب وهي دولة لا يحترم فيها القانون". وتعتبر هذه القصة مفتاح شخصية سليل عائلات الدوقات الأرستقراطية بمارلبورو، وهو السياسي والكاتب والفنان والمؤرخ والخطيب المفوه؛ كلٌ في ذاتٍ واحدة، وهو رئيس الوزراء الوحيد الذي حصل على "نوبل" في الأدب، كما أنه يُعد أحد أبرز القادة السياسيين الذين ظهروا على الساحة السياسية النصف الأول في القرن العشرين. كان والده اللورد راندولف وزيرًا للخزانة، وكانت والدته جيني جيرودر عضوًا بارزًا في المجتمع الأمريكي. أُرسل الشاب تشرشل في مهام للجيش المملكة المتحدة في الهند والسودان، وخاض حرب "البوير" الثانية كضابط بالجيش البريطاني، وألف تشرشل الكثير من الكتب ذكر فيها تجاربه التي شهدها في حملاته وحروبه. تقلد تشرشل العديد من المناصب السياسية، حيث رأس وزارة الصناعة والتجارة ووزارة الداخلية، وعُيّن أميرًا للبحرية البريطانية عن حزب "الأحرار الأسكويثي" حتى معركة هربرت هنري أسكويث جاليبولي العنيفة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من قوات التحالف والقوات العثمانية، ما أدى إلى رحيله عن الحكومة. وعمل بعد الحرب العالمية وزيرًا للخزانة البريطانية في ظل فترة حكم حكومة "المحافظين"، التي رأسها السياسي ستانلي بلدوين من عام 1924 حتى 1929. وفي ثلاثينيات القرن الماضي حذر مبكرًا من الخطر النازي، وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية عُين مرة أخرى أميرًا للبحرية البريطانية، وبعدها تولى رئاسة الوزراء. رفض تشرشل أي استسلام أو هزيمة أو أي حل سلمي في الحرب العالمية، ما شجّع المقاومة البريطانية في الأيام الأولى من الحرب العالمية الثانية عندما واجهت بريطانيا وحدها هتلر. وفي خطاباته السياسية والإذاعية، ألهب تشرشل حماس الشعب؛ ليظل رئيسًا لوزراء بريطانيا حتى انتصرت بلاده على ألمانيا النازية. وأصبح تشرشل زعيمًا للمعارضة بعد فوز حزب "العمل" البريطاني بالحكومة برئاسة كليمنت أتلي، وهزيمة حزب "المحافظين" في انتخابات عام 1945. وعنما توفي منحته الملكة إليزابيث الثانية شرف أن يحظى بجِنازة رسمية، وشهدت تلك الجِنازة واحدة من أكبر تجمع لرجال الدولة حول العالم. ووُصف تشرشل ب"أعظم بريطاني على مر العصور" في استطلاع أُجري عام 2002.