صلاح حافظ عند الحديث عن الغاز الطبيعى بمصر يتوجب علينا تعقب ما حدث منذ البداية. وكاتب هذه السطور بحكم تخصصه فى مجال الإستكشاف وأول نائب لرئيس هيئة البترول للاتفاقيات البترولية (1985 – 1991)، شارك بصورة رئيسية فى إدخال بند الغاز المعمول به حالياً فى الاتفاقيات البترولية، وتابع جميع مراحل الاستكشاف والإنتاج. عند تقلدى لهذا المنصب كانت التعليمات واضحة تماماً، وهى إنهاء المفاوضات الخاصة ببند الغاز فى الاتفاقيات البترولية لمعاملته معاملة الزيت الخام، وإدخال مكون جديد لتشجيع البحث فى المياه العميقة والترويج لطرح مناطق فى مزايدات عالمية للبحث عن البترول والغاز الطبيعى فى مناطق تواجده. كان هناك بالفعل بعض الاكتشافات للغاز الطبيعى فى مناطق أبوقير - أبوماضى - الرزاق فى الصحراء الغربية وأبرم بموجبها اتفاقيات خاصة مع الشركات لتشجيعهما على الاستثمار لتنمية هذه الحقول وبناء خطوط الأنابيب ومصانع البوتاجاز اللازمة. كانت هذه الإنشاءات البداية الحقيقية للبنية التحتية لاستخدام الغاز الطبيعى فى مصر. وكان هناك مشروع مهم فى منطقة خليج السويس لتجميع الغازات المصاحبة من الآبار المنتجة للزيت الخام وتوصيلها إلى الشبكة القومية التى كانت قد بدأت فى مصر. كانت هذه البداية لاستغلال الغاز الطبيعى فى مصر فى وقت كانت فيه الدول الأخرى فى أفريقيا والبلدان العربية تحرق الغاز المصاحب وتغلق حقول الغاز عند اكتشافها مصادفة. وتطور الوضع بعد ذلك لجذب عمليات الاستكشاف عن الغاز بإدخال بند فى الاتفاقيات البترولية عام 1984، بموجبه تدفع هيئة البترول تعويضاً لشركات البحث إذا اكتشفت الغاز باحتياطى 7 مليارات متر مكعب يعادل المبلغ المستثمر فى عمليات البحث، بالإضافة إلى فوائد بنكية وبحد أقصى ضعف المبلغ الاحتياطى 14 مليار متر مكعب. ولا يصرح بالتصدير إلا إذا وصل إجمالى الاحتياطى القومى إلى 12 تريليون قدم مكعب. ويمنعا لتصدير فى أنبوب لتفادى التصدير لإسرائيل. وتبين بعد إبرام عدة اتفاقيات أن هذا البند ليس جديراً بجذب استثمارات الشركات للعمل فى المناطق التى بها احتمالات غاز طبيعى. وعليه تقرر تغيير بند الغاز مرة أخرى لمعاملته معاملة الزيت الخام من حيث اقتسام الإنتاج واسترداد التكاليف. وكانت المعضلة فى هذا التوجه أنه ليس هناك تسعير ثابت للغاز الطبيعى، وأن هذه السلعة لا تخزن وبالتالى يجب تنميتها فور اكتشافها وتكون لها سوق للاستخدام الفورى. فكان يجب دراسة متأنية لاستنباط طريقة للتسعير وحل المشاكل اللوجيستية من أجل الاستفادة منها وفى الوقت نفسه الحفاظ على مصالح الأطراف فى الاتفاقية. فكان القرار أن يحسب سعر الغاز على أساس الفرصة البديلة، وهى القيمة الحرارية للمازوت بأسعاره عالمياً، الذى كان مخططاً أن يحل محله الغاز الطبيعى ويطبق تخفيض قدره 15% مقابل استخدام الشبكة القومية للنقل والتسويق. أما باقى النقاط اللوجيستية فقد تناولها البند الجديد بصورة غاية فى الحرفية والتفاصيل. استكملت المفاوضات مع شركة شل، التى وقعت أول اتفاقية عام 1988، التى كانت البداية الحقيقية لعصر الغاز الطبيعى فى مصر. قوبل هذا البند باستحسان كبير فى الأسواق العالمية وأخذ به فى بلدان كثيرة وأصبح اسمه النموذج المصرى لبند الغاز. توالت الطلبات على مناطق جديدة فى الأحواض الترسيبية الغازية حتى وصل عدد الاتفاقيات البترولية إلى أرقام قياسية لم تتحقق فى أى وقت آخر. نائب رئيس الهيئة المصرية العامة للبترول الأسبق رئيس جهاز شؤون البيئة الأسبق