لأنها المقر المركزى للحكومة والمحور المرورى الأبرز بالعاصمة، يفد إلى وسط البلد يوميا الآلاف لقضاء مصالحهم، أو الذهاب لعيادات كبار الأطباء الكبار ومعامل التحاليل، أو حتى المارين بها فى طريقهم إلى مناطق أخرى، فإن موائد الرحمن فى «القاهرة الخديوية» هى ملاذ من تقطعت بهم السُبل قبل موعد الإفطار وليس الفقراء والمحتاجين فقط. أما الفئة الأبرز من رواد موائد الرحمن بوسط البلد، فهم العاملون بالمنطقة، بداية من «السيّاس» مرورا بأفراد الأمن الخاص وصولا إلى الموظفين الذين تضطرهم الظروف إلى البقاء فى أعمالهم إلى ما بعد الإفطار، ولذلك تشتهر موائد الرحمن فى وسط البلد بتقديم الوجبات الجاهزة، وبعضها تقوم بتوصيلها إلى مقار المؤسسات والشركات. وقبل فترة الستينيات، كانت موائد الرحمن فى وسط البلد حكرا على الملك فاروق، الذى كان يقيم مأدبة هائلة فى ساحة قصر عابدين يفتتحها بنفسه يوميا مع أشهر قراء القرآن الكريم، ويستضيف فيها كبار المسئولين بالقصر والوزراء ونجوم المجتمع من الباشوات والتجار الأثرياء جنبا إلى جنب مع العمال والفلاحين، وفى عام 1967 أعاد بنك ناصر إحياء موائد الرحمن بإقامتها من أموال الزكاة بعد غيابها لسنوات. بعض موائد تقام منذ أكثر من 25 عاما، وأشهرها الموائد التى تنظمها عائلة «زينهم» التى يعمل أفرادها بتجارة التحف والأنتيكات بشارع هدى شعراوى، مثل مائدة الحاج حسن زينهم، ومائدة الحاج على زينهم اللتين تقامان بجوار سور بطريركية الأرمن الكاثوليك بشارع صبرى أبوعلم. وهناك أيضا مائدتا «جراج الساحة» إحداهما يقيمها الأخوان الحاج فؤاد والحاج محمد عبدالنعيم عند الجراج المطل على شارع علوى، والثانية عند مدخل شارع مظلوم ويقيمها الحاج محمد عبدالعزيز مالك أرض الجراج. وغابت هذا العام بعض الموائد الشهيرة فى وسط البلد، مثل المائدة التى كان يقيمها الحاج خالد بشارع الشيخ معروف، وتوقفت لوفاة بعض التجار الذين كانوا يشاركون فى تنظيمها، وفقا لأحد العاملين بمحل «حاتى أبو خالد». وتتنوع موائد وسط البلد من حيث عدد الأفراد بين 150 فردا وحتى 500 فرد مثل مائدة الحاج غريب بسوق التوفيقية. طباخ المائدة.. كل يوم طاجن أحمد مزروع يعمل أحمد مزروع طباخا لموائد الرحمن منذ عام 2006. يأتى من محل سكنه بمدينة طنطا يوميا ليبدأ مهمته فى التاسعة صباحا بمائدة «الساحة» بشارع مظلوم. عن عمله اليومى يقول مزروع: «فى الصباح وبعد أن تأتى الذبائح من مزرعة الحاج محمد صاحب المائدة، أقوم بغسلها جيداً وسلقها وإعدادها فى طواجن، وفى كل يوم أقدم طاجن خضار مختلفا.. مرة بطاطس ومرة كوسة وهكذا»، ويضيف: «أقوم بإعداد نحو 300 وجبة يوميا، تستهلك من 60 إلى 100 كيلو لحم، وإذا تأخر وصول الذبيحة أقوم بإعداد الدجاج بمتوسط 40 دجاجة». الحاج زينهم.. الأجر فى الدعاء من أقدم موائد الرحمن بوسط البلد، مائدة «عائلة زينهم» بشارع هدى شعراوى، ويقول الحاج نصر زينهم أحد أبناء العائلة إن أول من أقام مائدة لضيوف الرحمن كان جده الحاج حسن زينهم عام 1996 وبعد وفاته ظل أبناؤه وأحفاده يقيمون الموائد من بعده ويضيف:«يتم التحضير للمائدة من مساء اليوم الأول من شهر رمضان، ثم تقام بداية من اليوم الثانى أمام وكالة أنباء الشرق الأوسط، وتتكون الوجبات من خضار وأرز ولحوم وفواكه بالإضافة إلى العصائر». ورفض الحاج نصر التصوير أو الحديث عن تفاصيل أكثر، مؤكدا أن المائدة «عمل خير» وأجره فى دعاء الصائم. الطعام فى «مظلوم» والذبائح من «قطور» محمد حسين منذ عام 1998 يقيم الحاج محمد عبدالعزيز مائدة للرحمن داخل جراج «الساحة» بشارع مظلوم، ويشرف عليها محمد حسين المسؤول أيضا عن إدارة الجراج. يبدأ تجهيز المائدة كما يقول حسين مساء اليوم السابق لإقامتها، حيث تذبح العجول البلدى فى مزرعة الحاج محمد عبدالعزيز بقطور بمحافظة الغربية ثم تنقل إلى الجراج، ويتولى ثلاثة طباخين طهى الوجبات، ويضيف حسين: «لا نقدم الدواجن إلا فى حالة تأخر وصول الذبيحة، ثم تفرش المائدة قبل الإفطار بنصف الساعة، وبنسبة كبيرة جداً نعتمد على توزيع الوجبات الجاهزة «تيك أواى» فهناك موظفون ينتهون من عملهم قبل الإفطار بساعتين مثلاً».
