«كهف الجارة» تحفة طبيعية فى قلب الصحراء

أقصى ما يعرفه عنه المصريون هو أنه مجرد كهف فى منطقة الصحراء الغربية، ولكن الألمان يعرفون عنه كل شىء. كهف الجارة تحفة طبيعية، ومن روائع المناطق الأكثر جاذبية فى الواحات، فهو يقع على بعد 240 كم جنوب شرق الفرافرة فى منطقة جبلية وعرة، ويصل عمره إلى 40 مليون سنة، ويعتبر من أندر الكهوف فى العالم، ويتميز بوجود رواسب كلسية مدلاة من سقفه صعودا وهبوطا على شكل أوراق الشجر، وأخرى على شكل أوراق ثمرة الخرشوف ويوجد فى سقفه «غنمة» تشبه فن الرسم الدقيق على الزجاج أو المعدن.
ويوجد مدخل الكهف على مستوى سطح الأرض ولا يبدو لرواد الصحراء أنه كهف، ويصل قطر مدخله إلى 18 شبرا فقط وعمقه 25 مترا، وتملأ الرمال الناعمة مدخله، ويوجد فى الداخل قبة كبيرة يتدلى منها ما يعرف بالشمعدان أو خيوط النسيج أو شجرة عيد الميلاد، وعلى أرضية الكهف من الداخل توجد بصمات محفورة لأرجل الثعالب التى تسكنه بالنهار وتخرج منه ليلا بحثا عن الغذاء وسط الصحراء.
ورغم أن البدو اكتشفوا هذا الكهف خلال أعمال التجارة بالمنطقة قديما حيث كانوا يلجأون إليه فى أوقات الراحة خلال الترحال من الواحات إلى وادى النيل، وكذلك خلال موسم الحج، إلا أن الاكتشاف الرسمى له كان عام 1874 وتم تسجيله باسم العالم الألمانى «جيهاردر رولفز»، أثناء رحلته التى سجلها فى كتابه «ثلاثة أشهر فى الصحراء الليبية» وكان فى طريقه للوصول إلى واحة «الكفرة» الليبية، عندما قاده دليله فى الرحلة إلى مكان يدعى الجارة. وبعد مرور قرن من الزمان أعاد العالم الألمانى كارلو برجمان اكتشاف الكهف بمعرفة البدو عام 1989، وتم أول مسح أثرى له على أسس علمية للرسوم الموجودة بالكهف فى العام 1990 على يد مجموعة من المتخصصين فى هذا المجال من كولونيا وبرلين والقاهرة. وبداية من عام 1999 وحتى عام 2002 تمت دراسة الرسوم والزخارف بصورة مكثفة ضمن مشروع علمى متكامل.
حين تدخل إلى كهف الجارة تستقبلك شنطة بلاستيكية تعرف ب«الشنطة الألمانية» حتى يتمكن الزائرون من تسجيل أسمائهم وبياناتهم، ويوجد بالكهف كتاب يحتوى على تاريخ اكتشافه وصور مكتشفه الألمانى وأسماء وأعضاء البعثات الألمانية التى لا تنقطع بمعاونة البدو.
ويطالب إسلام محمود أحد منسقى رحلات السفارى بالواحات بإعلان منطقة الكهف محمية طبيعية أسوة بكهف «وادى سنور» بمحافظة بنى سويف والذى تم إعلانه فى السنوات الماضية محمية طبيعية، موضحا أن زيارة الكهف أصبحت مطلبا أساسيا فى برامج سياحة السفارى بمنطقة الفرافرة. ويوضح أن كهف الجارة يعد دليلا على الحياة الرخوة والمياه الوفيرة التى سادت منطقة الصحراء الغربية فى العصور الغابرة، فالكهف ذو أبعاد سحرية نشأ كنتيجة طبيعية للماء النقى ومناخ الصحراء الجاف عبر ملايين من السنين، وهو يخالف كل كهوف العالم فى تكويناته وشكل رسوبياته الرائعة.
ويشير إسلام إلى أن الأشكال الرسوبية الهابطة والصاعدة تبدو أشبه ما تكون بشلالات مياه متجمدة، وهى نتيجة لملايين من الأمتار المكعبة من المياه الأرضية التى تسربت خلال رمال الصحراء منذ ملايين من السنين وخلقت هذا الكهف الأرضى ثم جرى ترسيبها وتكثيفها بفعل الحرارة الشديدة، وتمثل الرسوم الجدارية فى الكهف الأنشطة المعتادة لإنسان تلك المنطقة مثل الصيد واللعب، مؤكدا أن هذه الرسوم ترجع إلى عصر الهولوسين الرطب؛ ففى ذلك الوقت سكن تلك المنطقة صيادون ومارسوا أيضا مرحلة جمع والتقاط الثمار، وتوحى الرسوم بأن منطقة الجارة كانت يوما مأهولة بالسكان وتدب بالحياة والرخاء.