كانت السيارة تقطع الطريق على ذلك الدرب الصحراوى غير الممهّد، وتتجه بنا إلى قلب الصحراء، لنتعرَّف على كنز جديد من كنوز مصر التى لا تنضب، فعلى مسافة 70 كم، شرق مدينة بنى سويف، تصل بنا السيارة فوق طريق ممهد إلى نزلة سنور، حيث نتحوّل منه إلى درب صحراوى طويل يستعمله عمَّال محاجر الألباستر، ليصل بنا على مسافة 28 كم إلى محمية كهف وادى سنور. وتعود قصة اكتشاف هذا الكهف إلى عام 1992 عندما كان عمَّال العمدة سعد الله الخمسينى، صاحب أحد محاجر الألباستر فى المنطقة، يبحثون عن أحجاره الخام هناك، وخلال تفجيرهم للصدوع الصخرية المحيطة بالمكان، ظهرت لهم فوهة صغيرة لمدخل كهف عميق فى الأرض، حيث سارع الخمسينى بإبلاغ المسؤولين عن البيئة فى المنطقة، وبفحص الكهف تبيّن أنه يرجع إلى العصر الأيوسينى الأوسط، أى منذ نحو 40 مليون سنة تقريبًا، وقد تم الإعلان رسميًّا عن كهف سنور كمحمية طبيعية بقرار من مجلس الوزراء رقم 1204 لسنة 1992. ويحتاج الوصول لكهف سنور إلى هبوط منحدر صخرى وعر وشاق يمتد لمسافة 700 متر تقريبًا، حيث يظهر الكهف فى نهايته، والذى يمتد فى باطن الأرض على هيئة نصف دائرة بعمق 120 مترًا، ويصل اتساع الكهف إلى 15 مترًا تقريبًا، حيث يحتوى الكهف على تجويفين كبيرين، على يمين ويسار مدخله، ويحتوى الجزء الأيمن منه على تكوينات كِلْسية تأخذ أشكالًا مختلفة من الكمثرى والشعاب المرجانية، وكذلك على كميات كبيرة من التكوينات الكلسية الصاعدة ستالاجميت على أرضية جدار الكهف، وعند التقائها النوازل الصخرية ستالاكتيت تشكّل أعمدة تشبه جذوع الأشجار. ولقد نتج كهف سنور من تأثير عوامل الإذابة للحجر الجيرى الأيوسينى الموجود فى منطقة الجبل ذاتها، نتيجة التفاعلات الكيميائية للمياه الجوفية تحت سطح الأرض، واختلاطها بالحجر الجيرى منذ العصر الأيوسينى، وهذه التفاعلات قد أنتجت رخام الألباستر الذى يعدّ أجود أنواع الرخام فى العالم، ولهذا يعدّ كهف وادى سنور أحد الكهوف الفريدة من نوعها على مستوى العالم، إذ لا يوجد له مثيل فى العالم سوى كهف واحد فى ولاية فيرجينيا فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، إضافة إلى ذلك فلقد عُثر على سد أثرى يعود إلى العصر الرومانى على مسافة 2.5 كيلومتر جنوب شرق الكهف، ورغم أن كهف سنور يعدّ كنزًا جيولوجيًّا فريدًا من نوعه فى مصر، خصوصًا أنه قد تم الإعلان عنه كمحمية طبيعية، فإنه -ومع الأسف- لا يحظى بالاهتمام الكافى من قِبل البرامج السياحية المصرية والعالمية، والتى اعتادت البرامج السياحية التقليدية فى الأقصر وأسوان، بل ولا يخلو الذهاب إليه من قدر كبير من المشقة والخطر، حيث يحتاج الكهف إلى طريق ممهّد ومزوَّد بوسائل الاتصال والنجدة، ويحتاج الكهف نفسه إلى عدد من التجهيزات اللازمة للزيارة وخدمات الإعاشة، كالسلالم والكهرباء والإضاءة والمياه، حتى يصبح دُرة جديدة من الدرر التى تُزيِّن جبين مصرنا الغالية.