سلطت العديد من الصحف العالمية الضوء على وفاة بطرس بطرس غالي، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، وأشاروا إلى إسهاماته في السياسة الدولية، ومواقفه أثناء توليه فترة الأمانة العامة للأمم المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة. وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أنه رغم موافقة واشنطن على تعيينه فلم تسر الأمور على ما يرام بين الطرفين حين أسفرت عملية للأمم المتحدة في الصومال بقيادة الولاياتالمتحدة عن وقوع خسائر بشرية أمريكية فادحة. وأوضحت أن الأزمة بين «غالي» وواشنطن تفاقمت أثناء عمليات للأمم المتحدة في يوغوسلافيا، وبعد فشل الأممالمتحدة في وقف مذابح التطهير العرقي في رواندا في 1994. كما حدث خلاف في أروقة الأممالمتحدة، بخصوص تنفيذ عقوبات الأممالمتحدة بحق نظام الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، الذي غزا الكويت عام 1990 وتم إخراجه منها بتحالف دولي قادته الولاياتالمتحدة قبل عام من تولي «غالي» قيادة المنظمة الدولية. وبعنوان «صعود وسقوط بطرس غالي في الأممالمتحدة»، ذكرت مجلة «تايم» الأمريكية أنه كان على رأس الأممالمتحدة في فترة تميزت بالحروب في أوروبا والإبادات الجماعية والمجاعات في أفريقيا. ورأت المجلة أن «غالي» هو «خلطة عجيبة»، إذ فاز برئاسة الأممالمتحدة بدعم أفريقي، لكنه ليس أسود، كما أنه عربي مسيحي متزوج من يهودية، ويمثل العالم الثالث مع لمسة باريسية أنيقة ومعقدة، وهو ابن عائلة ثرية وحفيد رئيس وزراء مصر الأسبق . وتحدثت المجلة عن تقدمه في العمر، إذ كان يبلغ 69 عامًا، واعتزازه بنفسه الذي يصل لدرجة التكبر، وصداقته لفرنسا، كلها أمور جعلت واشنطن تأخذ موقفا لسبيا مسبقا تجاهه، ولتهدئة تلك المخاوف، وعد «غالي» بعدم السعي لإعادة انتخابه بعد فترة ولايته الأولى. وأشارت إلى أن العالم وضع أمالًا كبيرة عليه، خاصة فيما يتعلق بإصلاح المنظمة لأنها كانت تعاني نقصا في التمويل وسوء الإدارة، موضحة أنه دخل المنظمة في لحظة كان فيها العالم ينظر للأمم المتحدة بضرورة الاضطلاع بدور قيادي في تعزيز الأمن العالمي، لكن المهام التي واجهها كانت شاقة، وهي الحروب الأهلية والمجاعات في الصومال، والصراع العرقي والقومي في يوغوسلافيا، والصراع نفسه في البوسنة والهرسك، والإبادات الجماعية في رواندا. وذكرت أنه بعد أقل من عام على توليه منصبه، واجه «غالي» سيلا من الشكاوى بسبب عدم قدرته على حسم مشاكل العالم التي أعادت اختراع نفسها بعد الحرب الباردة، كما فشل في إصلاح الأممالمتحدة التي تعاني من الديون ما أثار غضب الولاياتالمتحدة التي كانت آنذاك ولا تزال أكبر ممولي المنظمة، كما اتهم بتبنيه مواقف متناقضة لإدانته الدول الغربية في مجلس الأمن فيما يحدث في يوغوسلافيا في حين تجاهل الأزمة الإنسانية في الصومال. وأكدت «تايم» أن الولاياتالمتحدة لم ترغب أن تعطي «غالي» فرصة، خاصة بعدما سلط الضوء على الانتهاكات التي ارتكبتها الولاياتالمتحدة الذي أدى إلى معركة كارثية من مقديشو والتفكك العنيف ليوغوسلافيا السابقة، كما أعرب عن شعوره بالإحباط بسبب تقاعس العالم في رواندا. واتفقت صحيفة «جارديان» البريطانية، مع «تايم» في أن «غالي» الذي بدأ فترة ولايته في عام 1992 مع نية وحماس واضحين في الإصلاح، انتهى به الأمر بسبب خلاف مع الولاياتالمتحدة على صراعات الصومال والبوسنة، موضحة أنه خدم المنظمة الدولية، لكنه كان مقتنعا بأنه كان ضحية السياسة الداخلية الأمريكية التي قوضت جهوده لتحسين فعالية الأممالمتحدة كمنظمة عالمية في عصر ما بعد الحرب الباردة. وأشارت الصحيفة إلى أن «غالي» دائما ما كان يتم التجريح فيه باستمرار من قبل الحزب الجمهوري، وكذلك بين منتقديه الديمقراطيين، ومع ذلك أقنع نفسه، وهو ربما ما يكون خطأ تماما، أن الرئيس بيل كلينتون قرر التخلي عنه لاعتقاده أنه سيفقد الأصوات المؤيدة لحملته لإعادة انتخابه. ووفقا للصحيفة، عززت التجربة رأي «غالي» بأن الولاياتالمتحدة، القوة العظمى الوحيدة الباقية، لم تكن قادرة على توفير قيادة ثابتة كما أنها تفتقر إلى الالتزام الضروري لتحويل الأممالمتحدة إلى أداة موثوقة للأمن الدولي، لذا كرس «غالي» نفسه للدافع عن مصالح البلدان النامية، وخاصة تلك الناطقة بالفرنسية. ولفتت الصحيفة إلى أن فرنسا كانت دائما تؤيده وتدافع عنه لأنه كان قد درس القانون الدولي في جامعة «سوربون»، ولأن الفرنسية كانت لغته المفضلة، ولأن فرنسا، إلى جانب مصر، كانت بلد المفضلة، وكان الروس والصينيين على ثقة بأنه سيكون رجلا قويا وليس دمية الغرب، موضحة أن الأمريكيين كانوا يعتبرونه عجوزا عندما رشح نفسه لانتخابات عام 1991، وأسوأ من ذلك، متعجرف جدا، وقريب جدا من فرنسا، ومشغولة جدا بالمشاكل التي تعاني منها القارة الأفريقية. ومع نهاية الحرب الباردة، كان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الاب يريد تحقيق رؤيته لنظام عالمي جديد، وتساءل عما إذا كان «غالي» لديه القدرة على التحمل والديناميكية لتوجيه الأممالمتحدة إلى منطقة مجهولة، وأيدت كندا هذا الرأي، وكان موقف البريطانيين فاترا، لكن الرئيس الفرنسي، فرانسوا ميتران، هو من دافع عن «غالي» وضغط بشدة للإعادة انتخابه، لكن بعد سلسلة الاقتراع السري في مجلس الأمن، حصل «غالي» على موافقة 14 دولة من دول مجلس الأمن ال15، إذ رفضت واشنطن التصويت له. وذكرت صحيفة «اندبندنت» البريطانية، أن «غالي» خدم في الأممالمتحدة 5 سنوات لا تنسى، وأشارت بعد استعراض مشواره وشهاداته، إلى أن فترة ولايته تميزت بالاختلافات والصدامات مع الأممالمتحدة التي رأت أنه لا يجب أن يبقى في منصبه لولاية أخرى. وأوضحت أن «غالي» ساعد في تنظيم عملية كبيرة لإغاثة الصومال أثناء المجاعة، لكن تمت مهاجمته لعدم تحرك الأممالمتحدة في مذبحة رواندا 1994، وعدم الدفع بما فيه الكفاية لوقف الحرب الأهلية في أنجولا في التسعينات. وأشارت «بي بي سي» في تقريرها إلى أن الولاياتالمتحدة كانت غاضبة من معارضته لتدخل «الناتو» في أزمة البوسنة والهرسك. وتطرقت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، إلى عدم تجديد ولاية «غالي» قائلة إن الأممالمتحدة احتاجت دعم واشنطن لعمليات حفظ السلام، لكن «غالي» قال إنه حاول أكثر من مرة مقابلة الرئيس الأمريكي وغيره من المسئولين لمناقشة ما يصفه بالارتباك في سياسة واشنطن الخارجية لكن غالبا ما يتم رفض مقابلاته. وأوضحت أن «غالي» هو الشخص الوحيد الذي تولى منصب الأمين العام للأمم المتحدة ولم تجدد له فترة ثانية، وذلك بسبب إصرار إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، على عدم ترشحه بسبب خلافات سياسية معه. وأشارت إلى دور «غالي» في الضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة، وساعد في تسوية النزاعات السياسية والبيئية في أفريقيا، وساعد في 1990 على إطلاق سراح نيلسون مانديلا الزعيم الأسود الذي كان مسجونا في جنوب أفريقيا. ووصف موقع «ميل أند جارديان أفلايكا» الأفريقي، الراحل بأنه المحارب القديم الذي تجرأ على معارضة الولاياتالمتحدة، ما دفعها لرفض التجديد له لفترة ولاية جديدة في المنظمة الدولية، واضطرت حينذاك إلى طرح اسم كوفي أنان كبديل أفريقي ل«غالي».وأكد الموقع أن معارضة واشنطن لتوليه فترة ولاية ثانية في الأممالمتحدة كان سببها «عدائه لإسرائيل واعتراضه على هجماتها الوحشية في لبنان».