تولى بطرس بطرس غالي، الأمانة العامة للأمم المتحدة في فترة من أصعب الأوقات التي كان يمر ها العالم ولاسيما أفريقيا، بأسوأ فتراتها، فخلال الأعوام التي عمل فيها هناك منذ 1992 وحتى 1996 حاول إيقاف عدد كبير من المذابح التي تحدث من حوله في العالم، إلا إن محاولاته لم تكن تنتهي دائماُ بالنجاح. ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تقريراُ تحدثت فيه عن محاولات غالي حل مشكلات أفريقيا التي كان على رأسها أزمات رواندا، البوسنة، والصومال. وصفت الصحيفة الأمريكية غالي، بأنه دبلوماسي مستقل وقوي الإرادة، تولي منصبه في الأممالمتحدة بعد فترة قليلة من سقوط الاتحاد السوفيتي، ومرور العالم بحالة من الفوضى السياسية التي كان يبحث فيها عن السلام. واجه غالي مهاما شاقه بعد توليه منصب الأمين العام، خاصة عد اندلاع عدد من الحروب الأهلية في عدد من البلدان مثل الصومال و يوغوسلافيا، بالإضافة لأزمة رواندا الأسوأ بين عرقي الهوتو والتوتسي والتي انتهت نهاية مأساوية بحادث قتل جماعي لما يقرب من 800 ألف شخص. أزمة رواندا .. «الهوتو والتوتسي» كان كلا من قبيلتي الهوتو والتوتسي يعيشان في رواندا سوياُ لفترة طويلة، كانت الهوتو تعمل في الزراعة بينما تعتمد التوتسي تعمل على تربية الأبقار والحيوانات. أدى تواجد القبيلتان سويا لوجود عدد من الصفات المشتركة ينهم فيما يخص العادات واللغة، تعاقبت عليهم الحكومات والتي كان من ضمنها الاحتلال البلجيكي الذي عامل القبيلتان على أنهم أقل منهم درجة، ثم حكومة "حزب حركة اعتناق الهوتو"، التي قامت بمذابح ضد التوتسي تحت مسمى «الثورة الاجتماعية الزراعية»، حتى الانقلاب العسكري على يد وزير الدفاع جوفينال هابياريمانا الذي ينتمي لعرق الهوتو واضطهد دوره «التوتسي» وحرمهم من التعليم والوظائف، مما أدى إلى تكوين الجبهة الوطنية الرواندية خارج البلاد والتي هدفت بشكل أساسي لقلب نظام حكم الهوتو، الأمر الذي التي دفع مع الوقت لقيام الأهلية عام 1990. استمرت الحرب حتى عام 1993، وتعتبر واحدة من أكثر الحروب التي انتهكت حقوق الإنسان، فكانت الميلشيات تقتل الأشخاص في الشوارع والمنازل أمام الجميع. وبحسب ال«نيويورك تايمز»، في ذلك الوقت كان هناك ما يقرب من 60.000 شخص ينتمي لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في أفريقيا، وأراد غالي من هذه القوات أن تتدخل لوقف أعمال العنف إلا إن كثير من الحكومات تراجعت وعلى رأسها الولاياتالمتحدة، وامتنعت أن تشرك قواتها في مثل هذه الإبادات. وتقول الصحيفة الأمريكية، إنه عندما تم الإعلان عن قيام مذابح جماعية في رواندا امتنع عدد كبير من الحكومات عن المشاركة مع قوات الأممالمتحدة في إدخال قواتها كقوات لحفظ السلام داخل رواندا وهو الأمر الذي اعتذرت عنه حكومة كلينتون الحاكمة «في ذلك الوقت» فيما بعد، كما اتهمت حكومات ألمانيا، فرنسا، بريطانيا والبلجيك بمطالبته التدخل وسط أفريقيا قائلة إنه طالبهم التدخل وسط ظروف مستحيلة. وأعلنت الحكومة الرواندية في وقت لاحق عن مقتل 1.17 مليون شخص خلال 100 يوما. «التطهير العرقي في البوسنة» ذكرت الصحيفة الأمريكية، أن من بين أخطر القضايا التي واجهها غالي أثناء فترة وجوده داخل الأممالمتحدة، الاضطهاد الذي واجهه المسلمين في البوسنة في الفترة ما بين 1992 إلى 1995 والذي سُمي ب«التطهير العرقي». واجه المسلمين في ذلك الوقت أنواعاً كثيرة من التعذيب والاعتداءات مما أدى لتهجير عدد كبير منهم خارج البلاد، ولوقف هذه الحرب طلب الأمين العام في ذلك الوقت يوسف بطرس غالي 35.000 جندي للتدخل كقوات لحفظ السلام، إلا إنه لم يحصل سوى على 8.000 فقط، وهو عدد قليل جداً حسب الصحيفة الأمريكية لوقف القتال. وتعد «مذبحة سربرنيتسا» من أكثر الدلائل على تطور القضية ووصولها إلى حد كبير، ففي إبريل 1993 تم إعلان بلدة سربرنيتسا كمنطقة آمنة وقام البوسنيون بتسليم أسلحتهم في حماية قوات حفظ السلام، إلا إن ذلك لم يحول دون الهجوم الذي حدث بعد ذلك من قوات صربيا و أدى لمقتل حوالي 8 آلاف شخص، دون تدخل من القوات الهولندية التي تواجدت كعناصر لحفظ السلام ثم تخلت عن المدنيين هناك. «معاهدة كامب ديفيد» شارك الأمين العام السابق في حل عدد من المشكلات السياسية والدبلوماسية، ليس فقط في أفريقيا ولكن في كل العالم، وكان على رأس عدد من الوفود الدبلوماسية بين مصر وعدد من الدول الأخرى على رأسها أفريقيا. وكان لغالي، دور محوري فيما يخص معاهدة كامب ديفيد عام 1979، حيث تقول الصحيفة الأمريكية إن علاقات غالي ووجوده المتكرر في البيت الأبيض ساعد على إتمام المعاهدة شكل كبير، خاصة أنها تمت بمشاركة الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت، جيمي كارتر. في نهاية فترة عمله في الأممالمتحدة حاول غالي الترشح مرة أخرى لدورة أخرى، وحصل على تأييد كبير من مجلس الأمن، إلا إن عضوه الوفد الأمريكي في الأممالمتحدة ذلك الوقت مادلين أولبرايت، استخدمت حق الفيتو لمنعه، مما جعله الأمين الوحيد الذي حُرم حقه في البقاء لفترة ثانية. وفي نهاية فترة حكمة كأمين للأمم المتحدة، قال تعليقاُ على كل المشكلات التي واجهته وأراد التدخل فيها بشكل حاسم، إن مبدأ حفظ السلام الذي أرسته الأممالمتحدة انقلب رأساُ على عقب وزاده سوءا الفجوة بين الموارد المتاحة وسلطة الحكومات على بعثاتها.