لن تستقر عيناك على الشاشة طويلاً، ستلتفتَ يمينًا ويسارًا، مبتسمًا تارة، وعابسًا تارة أخرى، تتمتم بكلمات أقرب إلى السباب، ترفع رأسك ثم تحنيه بطريقة أوتوماتيكية، توافقهم رافضًا الاستغراق في التفاصيل. على المقهى، تكتسب مباريات كرة القدم مذاقًا مختلفًا، يذوبُ فيه المشاهدُ والمشجع والعاشق والخبير و«الفتّاي»، تتشابه آراؤهم وتمتزج في تناغم يصل إلى حد تبادل الأحضان، وتختلف أحيانًا إلى حد يكون فيه السباب بأقذع الألفاظ هينًا. هذا المذاق ساهم في احتفاظ المقهى بأفضليته، كقِبلة لمشجعي الكرة، رغم انتشار العديد من الوسائل التي تتيح مشاهدة المباريات المُشفرة في المنازل بأسعار قليلة، «المدرج الصغير» الذي يجتمع فيه روّاد المقاهي أمام الشاشات أصبح، لدى كثيرين، جزءً من متعة اللعبة. نرصد في هذا التقرير 9 أنواع تجدها، غالبًا، عن يمينك ويسارك كلما دفعك الحنين إلى متابعة المباريات على المقهى: - الفتّاي الضيف الدائم على كل المقاهي، يندر غيابه، يُفضّل الجلوس في المقاعد الأولى، مُحب للكرة، ومحب أيضًا ل«الفتي» لا تحتاج قبل المباراة أو بعدها أو بين شوطيها أن تستمع إلى المحللين وخبراء الكرة، يقوم بدورهم، يشّرح فنيّات اللعبة، جُل معلوماته خاطئة لكنه لا يمل تكرارها في كل مرة يجلس أمام الشاشة. «الفتّاي» يختلق قصصًا كروية، يختلق من العدم، لا يُضفّر معلومة صحيحة بأخرى خاطئة هو فقط يتحدثُ ثم يتحدثُ وحين يجادله أحد تكون ردوده جاهزة: «أنت بتتابع كورة من أمتى» ..«انتوا مش عارفين حاجة.. اقروا الأول وبعدين تعالوا اتكلموا». - العتيق كانت كرة القدم تشغل الحيز الأكبر من اهتماماته في فترة سابقة، كان متابعًا دقيقًا، يعرف أسماء اللاعبين والمدربين ويتابع صعود الأندية وهبوطها قبل أن يفقد شغفه باللعبة وينشغل عنها. يسأل حين يتابع مباراة لمانشستر يونايتد عن ريان جيجز وحين يعلم أنه اعتزل قبل موسمين يتعجب «كنت لسه شايفله ماتش من 3 سنين كده.. خسارة». يسأل دائمًا عن اللاعبين القدامى، يغضب كلما عرف أن أحد لاعبيه المفضلين قد اعتزل الكرة، يميل لعقد مقارنات دائمة بين لاعبي «اليومين دول» وبين «نجوم الماضي» القريب والبعيد وهي مقارنة محسومة من وجهة نظرة لكل من اعتزل اللعبة ورحل عنها. - العميق يملك، في الغالب، معلومة صحيحة لكنه يبحثُ عمّا ورائها، يبحثُ عمّا لا يعرفه كثيرون، يميل المشجع العميقُ إلى تحليل المعلومات، يُضّخِم الصغير، التمريرة البينية الدقيقة التي يمررها لاعب الوسط إلى المهاجم من خلف مدافعي الخصم ليست نتاج «مهارة فنية» من اللاعب فحسب لكنها أيضًا «تعبر عن ذكائه الحاد وشخصيته القوية لأنه اتخذ قرارًا بتحدي كل مدافعي الخصم وتعكس أيضًا تطبعه بهوية فريقه الذي يهاجم من المناطق الخلفية وفوق كل هذا فهي توضّح تأثره العميق بسنوات الطفولة إذ كان رفقاؤه يسخرون من ضعف بنيته وعدم قدرته على ركل الكرة لمسافات بعيدة ما دفعه للتدرب وإجادة هذا النوع من التمريرات».. هكذا يحلل العميق الأمور. يتهلل وجه العميق حين يرى أيمن يونس، لاعب الزمالك ومنتخب مصر السابق يحلل المباريات يستلذُ بسماع عباراته العميقة مثل «الانذراع الدفاعي» و«التواصل بالمشاعر بين اللاعبين» وغيرها. - الحريف لا ينشغل كثيرًا بالقصص التي يقولها الفتّاي، ولا يأبه بأسئلة «العتيق» عن لاعب اعتزل أو رحل عن الدنيا، ولا يعنيه ما يقوله العميق هو فقط يتابع الكرة للاستمتاع ب«اللاعيبة الحريفة» و«اللمسات الحلوة». يمل سريعًا من اللعب بطريقة دفاعية، يسبُ جوزيه مورينيو كثيرًا حين يتابع مباراة لتشيلسي، يتغزل في إيدين هازار «لو كان مع مدرب تاني غير مورينيو كان بقى أسطورة.. حد يخلي لاعب زي ده يرجع يدافع». ينتظر الحريف أن يمرر لاعب الكرة من بين قدمي الخصم ليبتسم ويضحك ويرتفع صوته، يحبُ ميسي لأنه «موهوب» ويكره رونالدو لأنه «مصنوع» يتوقع تحركات اللاعبين وقرارتهم قبل أن تصلهم الكرة، لا يهتم بمعرفة أسماء جميع اللاعبين أو المدربين هو فقط يجلس للاستمتاع. - الأرشيف لا يتواجد كثيرًا لكن حين يحضر يطغى حضوره على كثيرين، «المشجع الأرشيف» ليس عميقًا بالضرورة، وليس حريفًا بالضرورة، هو فقط مُحب للكرة ومدمن على متابعة أخبارها. حين تجلس إلى جواره، يُبهرك بسيل معلوماته المتدفق، يحفظ الأسماء بنطقها الصحيح، يعرف تاريخ كل لاعب، حين يسترسل في الحديث يصعبُ إيقافه، كلمّا التقطتَ طرف الحديث منه ووجهته بعيدًا ذهب إليه وأمسك بزمامه وبدأت المعلومات تتدفق مجددًا. هذا النوع من المشجعين يكون في الغالب، في مقتبل العمر، دون ال20 عامًا أو في مطلع عقده الثالث. - المحلي لونان فقط يعرفهما هذا المشجع.. الأحمر والأبيض، الأهلي والزمالك، يشجع أحدهما ويكره الآخر ولا يتابع شيئًا سوى أخبار الفريقين. يعرف أن ميسي ورونالدو أبرز لاعبي العالم حاليًا ويعرف أيضًا «اللاعب الأقرع السريع بتاع هولندا» و«المدافع الغبي بتاع البرتغال اللي بيلعب في مدريد».. حين يتابع، عن طريق الصدفة، مباراة خارج مصر ويعجبه لاعب يتساءل «وليه الأهلي ما يشتريهوش». وحين يحاول مدح فريق خارج مصر يشبهه ب«الأهلي» أو «الزمالك» وحين يعجبه لاعب في فريق أوروبي يردد دون خجل «بيفركني بفلان». - العالمي المقهى ممتلئ عن آخره لمتابعة مباراة الزمالك في الدوري المحلي لكنّه يحب ليفربول، يتعجبُ من مشجعي الكرة المحليين «اللي ما بيفهموش في الكورة» يتنقل بين مقهى وآخر بحثًا عن مكان «في ناس كويّرة زيه». يتحدثُ هذا المشجع عن فريقه الأجنبي المفضل بصيغة الملكية يقول مثلا عن لاعب متألق «ابننا عامل شغل كويس والله».. عشقه للكرة الأوروبية، وتعلّقه بأحد أنديته لن يقلل منه انتقال لاعب مصري للفريق المنافس، مثلاً إذا كان من مشجعي يوفنتوس لن يكون سعيدًا حين يرى محمد صلاح يهز شباك فريقه، قد يسبُ اللاعب المصري حينها، وقد يفرح لتسجيل مواطنه هدفًا ويحزن لأن الهدف أصاب شباك فريقه المفضل. - الكوتش نظرته إلى الكرة تختلف عن غيره من مشجعي المقهى، الملعب في عينه كتلة خضراء تتناثر عليها نقاط مُلونة، مُربعات ومُثلثات ترتسم في عقله حين يتابع المباراة. الكوتش، هو هذا المشجع الذي لا يشغل باله سوى ب«طُرق اللعب» يحاول دائمًا الإجابة على أسئلة محددة.. كيف يدافع الفريق وكيف يوقف خطورة المنافس، كيف ينتقل من الدفاع للهجوم، تلتقط عيناه المساحات الفارغة في الملعب. لا يتحدث كثيرًا، منشغل بمتابعة انتشار اللاعبين داخل الملعب وبتغييرات المدربين..: «صلاح محتاج يرجع ورا عشان يستلم الكرة من ورا لاعيبة خط الوسط ويكون في مسافة بينه وبين المدافعين عشان يستغل سرعته.. لو استلم الكورة في حضنهم هتتقطع منه». - الرخم لا ينفصل هذا النوع عن الأنواع السابقة، قد يكون «حريفًا» أو «عتيقًا» أو «محليًا» أو غير ذلك لكنه في نهاية المطاف «بني آدم رخم» حضر من منزله للمقهى ليستمتع بالمباراة و«ينكد»على غيره في نفس اللحظة. مثلاً تجده يصر على الجلوس في المقاعد الأمامية أمام الشاشة رغم طوله الفارع، يتأفف كلما طلب منه أحدهم «أن يوطّي شوية عشان الناس تشوف» وبمرور الوقت يرفض التحرك ويطالب من يجلس خلفه بالتكيف مع الأمر. المشجع الرخم يُدخن الشيشة ثم «ينفخ الدخان» كله تُجاهك، يريد «تحويل القناة» لمشاهدة مباراة أخرى تقام في نفس اللحظة رغم أن كل الجالسين لا يريدونها، يجلس إلى جوارك ثم يرفع صوته وينظر إليك ليطلب منك التحدث معه والمشاركة في حديثه.