من أهم تداعيات الأحداث المتلاحقة، خلال السنوات الثلاث الماضية- انفجار ماسورة عملاقة من الخبراء والمحللين الاستراتيجيين، ولا تزال تغرقنا حتى اللحظة بسيل منهمر لا ينقطع من الفتاوى الاستراتيجية من أصحاب هذا اللقب المستحدث على منصات الفضاء الإعلامى، ونحن نستمع إليهم فاغرى الأفواه من الدهشة والإعجاب بقدرتهم- ما شاء الله- ليس فقط على تحليل الواقع المعقّد الذى نعيشه، ولكن أيضا على استقراء كل تفاصيل المستقبل، ناهيك من تفسير الأحلام بدقة مرعبة يشيب لها الولدان، والمثير أن هذه القدرة لا تقتصر على الواقع المصرى فحسب، ولكنها أيضا تنسحب على تحليل الدول الصديقة والعدّو، على حد سواء، ولا حول، ولا قوة إلا بالله. والحقيقة أن هذا إنجاز ننفرد به كمصريين، ويجب أن ننتهز الفرصة، ونستفيد منها لوضع مصر على خريطة الإنجاز الدولى، فنحن نبحث منذ عهد الفراعنة وحضارتهم العظيمة عن مجال يتفوق فيه المصريون، ويبهرون العالم، لكن «بختنا كان قليل»، حيث جرّبنا الصناعة «ما نفعتش، حاولنا نرجع للزراعة، قالك الناس خلاص بنت على الأرض الزراعية، وبوّرتها، فكّرنا نجربّ نتفوق فى التكنولوجيا والمفاعلات الذرية، لقينا دى كمان طلعت أوت، لأنه مش بس الكهرباء بتقطع، لكن كمان الحكومة طلبت نبّطل استعمال الأجهزة الكهربائية من 6 إلى 11 مساء كل يوم، قوم إيه الخواجة الخبير الأجنبى الذرّى قالك ما ينفعش كده، يا خبيبى، اقفل المفاعل أحسن لك!»، وبعد أن أوشكنا على اليأس من إمكانية وضع مصر على الخريطة العالمية للإنجاز فى أى حاجة، ربنا كرمنا بهذا الاختراع العبقرى، لنكتشف أن الشعب المصرى «استراتيجى» جدا بالسليقة- وسبحان الله- بتصدر عنه «الومضات الاستراتيجية» آناء الليل وأطراف النهار، دون انقطاع وبما أن، أساسا، الكلام «ما عليهوش جمرك، وبالذات كلام الليل المدهون بزبدة وبيطلع عليه النهار يسيح، خصوصا والكهرباء مقطوعة، فأنا اقترح على حضراتكم أن نبادر بانتهاز الفرصة، ونطالب بإضافة هذا التخصص الاستراتيجى المعقد إلى المجالات التى تمنح عنها جائزة نوبل، وربنا يكرم بإذن الله». طبعا بعض الخونة والعملاء سيشككون فى ذلك مدفوعين بنفسياتهم المريضة، قائلين: و«لما إنتم عندكم هذه المواهب وفالحين كده أمّال إيه سبب الورطة اللى إحنا فيها دى بقالنا سنين وسنين؟ وليه البهوات الاستراتيجيين لم يستطيعوا التنبؤ بما حدث، أو يضعوا حلولا استباقية للكوارث التى مرّت بنا؟»، لكننا طبعا لن نرّد على هذه النفسيات الحاقدة بالكلام، بل بالفعل، وسنقوم ب«مأسسة» هذه الموهبة الكامنة للحفاظ عليها من خلال إنشاء وزارة «للتحليل الاستراتيجى» ومن باب الشىء لزوم الشىء، سنعيّن لها وزيرا خبيرا «طول عمره بيحلل ونتائجه زى الفل، وبكده ندفع عجلة الإنتاج للأمام، ويسير مركب الاستراتيجية، على بركة الله مجراه ومرساه».