تعرف لوس أنجلوس احدى مقاطعات كاليفورنيا بأنها عاصمة المهاجرين، فهى ملاذ آمن بالنسبة لهم منذ عقود وتحديدًا اللاتينيين، الذين يشكلون غالبية سكان المدينة، بنسبة تتجاوز 80%، فتلك المدينة، لم تشهد صدامًا أو عنفًا كبيرًا بين المهاجرين والشرطة، أو حتى القوات الفيدرالية الأمريكية، لكن ما حدث بالفعل، أنها تحولت إلى ساحة حرب حرفيًا خلال الأيام القليلة الماضية، واحتشد الآلاف من المهاجرين فى الشوارع، قطعوا الطرق، أحرقوا السيارات، وألقت الشرطة قنابل الغاز والرصاص المطاطى عليهم. بداية الأمور كانت يوم الجمعة الماضى، عندما نفذت سلطات الهجرة الأمريكية، حملة مداهمات مفاجئة، فى بعض المناطق، واعتلقت أكثر من 100 شخص منهم 44 مهاجرًا غير شرعى، بعدها خرجت احتجاجات ضد اداراة الهجرة، وسرعان ما تحولت إلى أعمال شغب، ومواجهات عنيفة مع الشرطة، فى لوس أنجلوس، وامتدت إلى عدد من المدن المجاورة، حيث وصف ترامب المتظاهرين، بأنهم عصابات عنيفة يجب طردها لتحرير لوس أنجلوس من غزو المهاجرين، قائلًا: "لن نسمح للفوضى بأن تنتشر، هذا تمرض يعيق انفاذ قانون الهجرة، وأيضًا أصدر أمرًا بإرسال 2000 جندى من قوات الحرس الوطنى، لقمع الاحتجاجات دون الرجوع لحاكم كاليفورنيا، ولم يكتف بذلك، بل أعلن أنه سيتم نشر ما يصل إلى 700 جندى من سلاح مشاة البحرية الأمريكية "المارينز"، فى لوس أنجلوس لاستعادة النظام". إجراء ترامب الأخير المرتبط بالمارينز، هو أخطر تطور حتى الآن، بمعنى أن هناك قوات عاملة تابعة للبنتاجون يتم تحريكها لمساندة الحرس الوطنى فى لوس أنجلوس، حتى الحرس الوطنى، جافن نيوسوم حاكم ولاية كاليفورنيا، يقول لا نحتاجه، وكارين باس عمدة لوس أنجلوس، تقول لا نحتاجه، إذًا هناك رغبة من ترامب فى التصعيد ضد حاكم الولاية، وعمدة المدينة، لكن المشكلة هى أن التصعيد هذه المرة ليس بالحرس الوطنى الذى هناك الكثير من الجدل القانونى بشأنه، وما إذا كان الرئيس الأمريكى يمتلك هذا الحق أم لا، وهناك قضية أقامها جافن نيوسوم ضد ترامب بالنسبة لهذا القرار، لأنه نشر قوات الحرس الوطنى دون التنسيق معه، لكن نشر قوات تابعة للبنتاجون أمر غير مسبوق. ومن المعروف، أن الحرس الوطنى خاضع لسلطة حاكم الولاية، ومن الممكن أن يتفاعل بشكل أو بآخر، والقانون الفيدرالى الأمريكى يمنح الرئيس صلاحية تفعيل الحرس الوطنى دون موافقة الولاية عند تهديد الاتحادية والدستور، وهذه السلطة سبق استخدامها من قبل الرئيس ليندون جونسون، لحماية المتظاهرين ذوى الأغلبية السوداء خلال حركة الحقوق المدنية فى ألاباما عام 1965، وكذلك تم ارسالها فى إعصار كاترينا عام 2005 لمواجهة المشكلة، وأحداث 11 سبتمبر 2001 وجائحة كورورنا 2020، وتكرر استخدامها فى احتجاجات لوس أنجلوس 2025، بقرار من ترمب، اذًا هناك إلى حد ما جانب قانونى مقبول فيها، لكن قوات المارينز عندما يتم تحريكهم بهذا الشكل، فهذا تطور خطير وغير مسبوق، يسمح بمواجهة محتملة بين قوات عاملة تابعة للجيش الأمريكى، وبين مواطنين، لذلك رد الفعل كان حاد من جانب حاكم الولاية. وبالعودة إلى ما حدث قبل نهاية فترة ترمب الأولى قبل 5 سنوات، عندما أمر بتحريك الحرس الوطنى، وإمكانية استخدام القوات العاملة، بعدما فرقت السلطات محتجين بالقرب من البيت الأبيض بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطى، لكن أعاقه وجود وزير الدفاع مارك إسبر، ورئيس هيئة أركان القوات المسلحة الأمريكية مارك ميلى، اللذين تم تصويرهم عندما سارا معه بالزى العسكرى، خلال زيارته إلى كنيسة "القديس يوحنا" التاريخية، ومجرد ظهورهم فى الصورة معه آثار ذلك غضبًا كبيرًا، من قبل الخبراء والعسكريين الأمريكييين، وأصدر جيمس ماتيس وزير الدفاع الأسبق بيانًا عنيفًا هاجم فيه إسبر وميلى، وقال: أنه هذه الصورة تعطى رسالة سلبية عن دور القوات الأمريكية، فى التدخل بشأن قضية سياسية داخلية، ولا يجب أن يكون للجيش الأمريكى، أى دور فى أمور مفترض أنها مدنية، وتخضع للجدل والقانون وتسويتها، يجب أن تتم فى إطار مدنى سلمى داخل الولاياتالأمريكية، دون تدخل من الجيش. المشكلة أن ترامب معه حاليًا بيت هيجسيت وزير دفاع مختلف، اختاره بشكل دقيق، وقريب منه ومن أفكاره، وإلى حد كبير سيستجيب لما يطلبه منه بصرف النظر عما يطلبه، وهذا كله يساعده على تنفيذ ما حاول تنفيذه فى فترته الأولى وفشل. اللحظة الحرجة، ستأتى إذا ما وقعت أى صدامات أدت إلى وفيات، أو إصابات خطيرة، لأن ذلك سوف يستفز الكثيرين ممن يتعاطفون، فأكثر من 50% من سكان لوس أنجلوس أصولهم لاتينية، وباراموونت التى تقع على أطراف المدينة أكثر من 80% من سكانها أصولهم لاتينية، لذلك هناك نوع من التعاطف الشديد، مع من يتم ترحيلهم، وهناك إمكانية اذا ما وقعت صدامات أن نشاهد مظاهرات ألفية غاضبة ومن الممكن أن يكون هناك أحداث عنف كبيرة، لأنه حتى الآن رغم ما نشاهده على شاشات التليفزيون لكنها فى أغلبها مظاهرات سلمية، لكن هل من الممكن أن تحدث أشياء أخرى وتصبح مظاهرات عنيفة؟ أعتقد أن هذا شيء وارد جدًا، وهو ما يخشاه الكثيرون، وترامب وقتها سيقول انظروا كنا فى موقف صحيح عندما أرسلنا الحرس الوطنى والقوات الأمريكية لقمع المظاهرات، وستظل هذه المشكلة ما لم يتم حلحلتها بطريقة تسمح بعودة المواطنين إلى بيوتهم دون هذا التصعيد. ولعل السبب الأساسى لما يحدث الآن هو وجود حاكم ديمقراطى فى كاليفورنيا، لأن ترامب ينظر إليها وإلى لوس أنجلوس على أنها ولايات زرقاء بمعنى أنها ديمقراطية، وبالتالى يراهم خصوم، كما أن جافن نيوسوم من المحتمل أن يكون مرشحًا رئاسيًا فى الانتخابات القادمة 2028، لذلك هناك رغبة فى اظهاره على أنه الرجل الضعيف، الرجل الذى يترك الشارع الأمريكى للفوضى والعنف، وأن ترامب هو الرجل القوى الذى يستطيع أن يخمد أى مظاهرات أو أى حركات يصفها بأنها سلبية ويسارية عنيفة، هذا مرتبط بتطورات الفترة القادمة، لكن الخلافات بينهما قديمة والصراع مستمر، وسوف يكون الأساس لأى جدل بينهما الفترة القادمة.