كشفت وثائق بريطانية أن إثيوبيا رفضت التفاوض مع مصر في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، قبل أكثر من 30 عاما حول توقيع اتفاقية بشأن مياه النيل. اتفاق بشأن مياه النيل وأشارت الوثائق التي نشرها موقع "ميدل إيست مونيتور" إلى أن رفض إثيوبيا يستند على أنه لا أحد يستطيع منعها من مواصلة مشاريعها على منابع النهر، كما تكشف الوثائق أن المملكة المتحدة توقعت، قبل 36 عاما، أن تواجه مصر نقصًا في المياه خلال الفترة المتبقية من القرن الحادي والعشرين بسبب "استحالة التوصل إلى اتفاق" بين دول حوض النيل التسع بشأن توزيع المياه. في فبراير 1988، وقعت مصر والسودان وأوغندا وزائير "الكونغو الديمقراطية" اتفاقية لإنشاء لجنة دولية معنية بالجفاف ومياه النيل، واعتبر المسؤولون البريطانيون هذه خطوةً مشجعةً، وإن كانت محدودة ووصف تقييمهم الاتفاقية بأنها "خطوة صغيرة جدًا" لأنها استبعدت دولًا رئيسية في الحوض "وخاصةً إثيوبيا"، التي تُسهم بنسبة 86% من التدفق الرئيسي لنهر النيل من مرتفعاته. أكدت المملكة المتحدة على الحاجة إلى "برنامج شامل" لتطوير الحوض بأكمله، وتُظهر الوثائق التي حصلت عليها منظمة MEMO من الأرشيف الوطني أن وزارة الخارجية والكومنولث البريطانية (FCO) اعتقدت أنه على الرغم من التحسن الذي طرأ على العلاقات المصرية الإثيوبية آنذاك، فإن مصر "لم تتمكن من إقناع الإثيوبيين بالانخراط في حوار" حول قضايا مياه النيل. في أبريل 1989، أخبر خبراء هيدرولوجيون بريطانيون يعملون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وزارة الخارجية والكومنولث أن إثيوبيا تعتبر مشاريعها على النيل الأزرق مشاريع لا يمكن إيقافها. وقالوا إن هذا الاعتقاد يُفسر إحجام إثيوبيا عن الانضمام إلى محادثات إدارة مياه النيل. خلال اجتماع مع أنتوني جريجوري شابلاند، رئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط في وزارة الخارجية والكومنولث، أوضح خبراء من شركة ماكدونالد وشركاه أن المسؤولين الإثيوبيين كثيرًا ما يدعون نقص الخبرة للدفاع عن مصالحهم. ومع ذلك، نفى خبير المياه والسياسة تيري إيفانز هذا الادعاء، مؤكدًا أن إثيوبيا تتمتع بخبرة كبيرة ونزيهة دفعته تعاملاته مع نظرائه الإثيوبيين إلى استنتاج أنهم "أذكياء للغاية بحيث لا يمكن خداعهم". ووفقًا لإيفانز، لم تر إثيوبيا أي سبب للدخول في محادثات، معتقدةً أنه "لا يوجد ما يمكن لأحد فعله للإضرار بمصالحها الهيدرولوجية أو منعها من القيام بما تريده على النيل الأزرق"، مصدر أكثر من 85% من تدفق مياه النيل إلى مصر. وتكهن أيضًا بأن إثيوبيا ربما تنتظر حتى يقدم لها الآخرون شيئًا في المقابل. كما توقع إيفانز، الذي قدم لمسؤول وزارة الخارجية والكومنولث ملخصًا للمشاريع التي كانت شركته تنفذها في مصر، أن المشاريع التي يمكن أن تنفذها إثيوبيا آنذاك على النيل الأزرق "لن تحرم، بأي حال من الأحوال، السودانيين والمصريين من كميات كبيرة من المياه". مشاريع الري في مصر في غضون ذلك، أعرب هيو موريسون، الذي أمضى عامين في مصر يعمل على إعادة تأهيل الري، عن مخاوفه بشأن "النهج المحافظ" لوزارة الري. وانتقد ميلها إلى "تخصيص المياه بالطريقة المتبعة دائمًا، دون الرجوع إلى أي جهة أخرى" كما سلط الضوء على ضعف التنسيق بين وزارتي الزراعة والري في جهود الحفاظ على المياه. كانت مصر تنفذ بعض مشاريع توفير المياه، بما في ذلك إعادة تأهيل شبكات الري بتبطين القنوات للحد من التسرب. ومع ذلك، "فوجئ" شابلاند عندما أخبره كل من موريسون وإيفانز أن هذه الإجراءات "لن توفر كميات هائلة من المياه". فبينما فُقدت كميات كبيرة من المياه بسبب تسرب القنوات، أوضحا أن معظمها عاد في النهاية إلى النظام المائي عبر تدفق المياه الجوفية. الجفاف في أفريقيا في ثمانينيات القرن الماضي، واجهت أفريقيا موجة جفاف زادت من مخاوف مصر من نقص المياه ورغم أن السد العالي في أسوان حمى مصر من أسوأ الآثار، إلا أن مذكرة بريطانية حذرت من "احتمال أكيد لاستمرار الفيضانات التي تقل عن المعدلات الطبيعية إلى أجل غير مسمى"، مما يُجبر مصر على "التعامل مع هذا الانخفاض في إمدادات المياه". ذكرت المذكرة، التي كلفت بها وزارة الخارجية والكومنولث، أنه بينما تستطيع الحكومة المصرية تنفيذ عدد من التدابير لتحسين كفاءة استخدام المياه، فإن معظمها "سيستغرق تنفيذه عدة سنوات". وأكدت المذكرة على ضرورة مواصلة مصر جهودها الدبلوماسية "على المدى الأطول بكثير لضمان توفير إمدادات كافية من المياه". ونظرًا للانقسامات السياسية بين دول حوض النيل التسع، توقع خبراء بريطانيون أنه "من غير المرجح توقيع اتفاقية شاملة لتقاسم المياه قبل نهاية القرن العشرين". وجادلوا بأن الدول الثماني الأخرى "لن تستفيد كثيرًا من التجاوب مع مصر"، مشيرين إلى أن الخلافات السياسية العميقة "تعيق أي اتفاق". بناء على تقارير قدمتها مختلف الإدارات الحكومية البريطانية والبعثات الدبلوماسية في أفريقيا، خلصت المذكرة إلى أن استحالة التوصل إلى اتفاق لتقاسم المياه تعني "استمرار حالة عدم اليقين بشأن حجم المياه التي ستكون متاحة لمصر في القرن الحادي والعشرين". وأكدت أن مصر "بحاجة إلى استخدام المياه التي تتلقاها بأقصى قدر من الكفاءة". بعد أكثر من عقدين من الزمن، مضت إثيوبيا قدما في مشروع سد النهضة الإثيوبي الكبير المثير للجدل، مستغلةً حالة عدم الاستقرار السياسي في مصر عقب ثورة 2011، على الرغم من الاحتجاجات المتكررة من القاهرة.